الزجاجة والرسالة (2)
بينما كنت أسير على الشاطئ فجراً، لفظت الأمواج زجاجة بين قدمي. كانت مغلقة بإحكام وفي قلبها رسالة، أنقلها لكم كما أتتني دون تحريف لعلّي أجد تفسيرا لهذا اللغز.
(نص الرسالة)
التاريخ: 7 نوفمبر 2035
أنا طالبة فيزياء في جامعة كاف، لجأت لحيل فيزياء الكم، وها أنا أدوّن أفكاري على ورقة لأطويها في زجاجة وأرميها على المد، وإن وصلت لك رسالتي وأنت في زمن آخر، فاعلم أنك بزمن أكثر حريّة، فالآن في عصر «الرؤية» حتى الهواء مراقَب.
لم ترَ عيني النوم البارحة، لأني مذنبة. لم يتهمني أحد، لكن هذا لا يعني أني لست مذنبة، فالذنوب مثل الطاقة، لا تفنى، بل تنتقل من جسدٍ إلى آخر. وكما علّمونا في «أولى ابتدائي»: البراءة ليست سوى جريمة تنتظر لحظتها كي تتسلل إلى الواقع. لنأخذ على سبيل المثال هذه الرسالة التي أكتبها سرّاً. وأنا أعلم أن الأسرار غير قانونية، ومن يحمل الأسرار هو كمن يحمل خطة إرهابية في داخله تستهدف أمن وسلامة «السيستم».
كل يوم أعترف، أمام المرآة، أمام كاميرات المرور، أمام كاميرات الكواليس، أمام عيون «السيستم» الذي لا ينام... ذنوبي لا تُعد ولا تُحصى: بدءًا من الكتب التي قرأتها في طفولتي، ولون حذائي في كل الصور العائلية، وصولاً إلى صمتي أثناء إنشاد النشيد، وتالياً إطعامي للقطط والكلاب الضالة قرب الممشى، وتعاطفي اللا إرادي مع الخادمات اللواتي يمشّين كلاب المعازيب.
ولأن كل مواطن خفير، حاولت الإبلاغ عن نفسي عبر التطبيق، لكن خيار «الإبلاغ الذاتي عن النفس» لا يزال «قيد التطوير». أتمنى تفعيله قريباً، فهو حق مكتسب لكل مواطن أن يشك بنفسه.
كنت أظن أني وحدي على هذه الحال، لكن في كافيتيريا الجامعة بدأت ألاحظ ذات التعبير على كل الوجوه: عيون مبققة، عطشى للنوم. يبدو أننا جميعاً مُشتبهٌ بهم.
إيماني ب «السيستم» ثابت، لكن لا يمكن السكوت عن كل هؤلاء الذين تؤرقهم ذنوبهم ولا يمتلكون رفاهية الاعتراف، أطلب من ربي، ثم «السيستم»، المباشرة بإجراءات للتطهير. إعادة الضبط. المراجعة الأخلاقية. يجب تفتيش هذه الجامعة، يجب فهرسة الأفكار الملوثة وتطهيرها.
أنا متعاونة، سأكشف ملفاتي، وألغي كلمات مرور حساباتي، بل وأفتح حتى عروقي إن لزم الأمر، لأني أدركت أخيراً أن «الرؤية» ليست مجرد خطة، إنها الخلاص.
فليأتوا. فليفتشوا. فليجدوني. أنا مستعدة: «الرؤية» يجب أن ترى النور.
الطالبة كاف... رقم بؤبؤ العين 2720601KAF
(انتهت الرسالة)
والمعنى في قلب الزجاجة.
******
*كاتب ومخرج مسرحي