تعليم شامل... مستقبل متكامل
يُعد التعليم من أقوى الأدوات في رسم مستقبل الأفراد وبناء مجتمعات واعية ذات عقول مستنيرة. وفي ظل طوفان الثورة الرقمية وترابط المجتمعات وتداخل الثقافات، لم يعد التعليم مجرَّد أمر تربوي، بل هو التزام بحقوق الإنسان، واستثمار في عقول أفراد المجتمع الواحد، وأساس جوهري للتنمية.
وهنا وجب الإشارة إلى أهمية التعليم الشامل والمتنوع، وخلق بيئة تعليمية تُتيح فرصاً متساوية في التعليم، من دون النظر إلى الجنس، أو اللغة، أو العِرق، أو الوضع الاجتماعي، أو الاقتصادي.
التعليم الشامل ضرورة من الناحية الحقوقية، فلكل طفل حق في التعليم، وهذا ما نصَّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 26، بأن لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، ويعزز احترام حقوقه، وكذلك الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة، الذي ينص على ضمان تعليم شامل وعادل وجيد للجميع، إضافة إلى المادة رقم 24 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تلزم كفالة توفير نظام تعليمي جامع وشامل على كل المستويات، من دون تمييز مبني على تكافؤ الفرص للأشخاص من ذوي الإعاقة.
وفي سياق عدم التمييز، لابد أن نذكر أن هذا الاندماج المجتمعي في الفصول الدراسية، رغم الاختلافات بين المتعلمين، يُعزز التماسك الاجتماعي، ويُسهم في الحد من التحيُّز، ويعزز التعاطف والترابط بينهم. وهذا الأمر من شأنه أن يحسِّن الأداء الأكاديمي، ويعزز التنافس المثالي، ويقوي أواصر التعاون والتكاتف والتكيُّف.
ولأجل تحقيق أفضل مستويات من التعليم الشامل لابد من إتاحة الموارد المادية والمالية، حتى يتم إنشاء مناهج دراسية وطُرق تدريس تعكس الثقافات والمعلومات المختلفة، وتنمي المعرفة، إضافة إلى ضرورة التركيز على إشراك المتعلمين في عملية التعليم، واعتبارهم عنصراً أساسياً من المنظومة التعليمية، وليسوا مجرَّد متلقين. كما يجب عدم إغفال الوسائل الحديثة والرقمية في المجال التعليمي، فالتقنيات المساعدة الرقمية وأدوات التعلُّم المدعومة بالذكاء الاصطناعي أدَّت إلى جعل الشمول أكثر قابلية للتحقيق، فعلى سبيل المثال، تدعم الترجمة والتعرُّف الصوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي المتعلمين متعددي اللغات، كما تساعد أدوات التعلم الإلكتروني المتاحة الطلاب المكفوفين والصم، أيضاً تعزز الألعاب الرقمية للمتعلمين الخجولين أو القلقين القضاء على مخاوفهم.
وجدير بالذكر، أن إصلاح سياسات التعليم وطُرق التدريس، واعتماد أُطر التصميم الشامل للتعلم (UDL)، والتي تكمن في تقديم المعلومات بطُرق متعددة، وإتاحة طُرق مختلفة للتعبير عن المعرفة واستخدام وسائل عدة للمشاركة والتحفيز، إضافة إلى توفير التقنيات المساعدة، وإزالة العوائق المادية والإدارية، وإشراك الأسر والمنظمات ذات الصلة بالأطفال وذوي الإعاقة، ورصد التقدُّم من خلال بيانات تعليمية تراعي الشمول... كلها من الأمور التي ستدفع بعجلة التعليم إلى الأمام. فالتعليم الشامل ضرورة للمجتمعات التي تعي معنى الكرامة والمساواة والابتكار. فمستقبل التعليم يكمن في بناء أساس يؤمن بأن كل طفلٍ قادر على التعلم والمساهمة والانتماء.
* مترجمة وكاتبة وفنانة تشكيلية