مساحة آمنة لصوت صغير
تعد حرية التعبير من أبرز الحقوق الأساسية التي تكفل للطفل بناء شخصيته وتسهم في مشاركته الفعالة في المجتمع. وأكدت اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت في عام 1989 في المادتين 12 و13 على ضمان حق الطفل في التعبير بما ينسجم مع سنه ودرجة نضجه. إلا أن تمتع الطفل بهذا الحق في هذا العالم المتسارع وفي ظل الثورة الرقمية، قد يشكل تحديا لحمايته. فتحقيق التوازن بين تمتع الطفل بحقه بأن يكون له صوت مسموع من ناحية وحمايته من ناحية أخرى من المخاطر يمثّل مسؤولية مشتركة تتحملها الأسرة والمدرسة وكل مؤسسات الدولة.
إن تمكين هذا الحق يساهم بشكل كبير في بناء شخصية قوية للطفل، ويعزز قدرته على التفكير والتحليل واتخاذ القرارات، وهو الأمر الذي يرسخ لديه شعور الانتماء والمواطنة. فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار عند التعبير عن بعض الأمور مثل المرحلة العمرية، النضج الفكري والعاطفي والبيئة الاجتماعية والثقافية. وهنا يجب ألا نغفل عن دور المدرسة الإيجابي في التشجيع على حرية التعبير عن طريق إقامة المجالس الطلابية وتفعيل النقاش في الفصول الدراسية وتعليم احترام الرأي الآخر. وهو الحال مع الأسرة، حيث يقع على عاتقها تعليم الطفل كيفية التعبير بطرق محترمة وإبداء الرأي بشكل مقبول وموزون.
من ناحية أخرى، وجب أخذ بعض المخاطر بعين الاعتبار، كالتعرض للتنمر أو الإساءة إما في محيط المدرسة أو عبر المنصات الرقمية، وهذا التنمر له الأثر البالغ على صحة الطفل النفسية، فقد يؤدي تدهور حالته الصحية إلى الشعور بالرفض والعزلة وعدم الثقة بالنفس.
وفي هذا الصدد، يتحتم تفعيل آليات حماية الطفل والمتمثلة في توعية الطفل في نطاق مشاركة الآخرين لمعلوماته الخاصة، وخلق بيئة آمنة تحترم الرأي الآخر، وتدريب كل من الوالدين والمعلمين على مهارات الاستماع النشط والتفاعل مع رأي الطفل، وإدراج مفاهيم حقوق الطفل في المناهج الدراسية. وأخيرا، يجب سن وتفعيل القوانين التشريعية التي تجرم التنمر الإلكتروني والإساءة للطفل، وتثقيف الأطفال بطرق طلب المساعدة وتقديم الشكاوى في حال تعرضهم لأي انتهاك أو عدم قدرتهم على مواجهة الإساءة أو الأذى، مع مراعاة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والمحرومين اجتماعيا والمعنفين أسريا.
ختاما، إن تمكين الطفل من التمتع بحقه في حرية التعبير لا ينفصل عن حمايته، وهذه العلاقة تكاملية، وهذا الحق هو ضمانة أساسية لنموه النفسي والاجتماعي وتعزيز مشاركته في المجتمع. فعندما نحقق هذا التوازن نكون قد ساهمنا في تنشئة جيل واع ومسؤول، قادر على التعبير عن أفكاره بحرية، وفي الوقت ذاته محصّن من الأخطار التي قد تعترض طريقه.
* مترجمة وكاتبة وفنانة تشكيلية