من صيد الخاطر: الحيلولة والقيلولة والعيلولة

نشر في 24-10-2025
آخر تحديث 23-10-2025 | 20:20
 طلال عبدالكريم العرب

سألتني ابنتي الكبرى فجأة ومن دون سابق إنذار، مع تحذير شديد اللهجة بعدم الاستعانة بالعم «قوقل»، مع ما يبدو أنه كان اختباراً لقدراتي التي خانت فيني، عن المقصود ب «الحيلولة والقيلولة والعيلولة»، واستطعت بسهولة معرفة «القيلولة»، وأصبت معنى «الحيلولة» بعد جهد جهيد، أما «العيلولة» فقد أشكل عليّ المقصود بها إلى أن تنازَلَت، حفظها الله، وفسّرتها لي، وهي معلومات تستحق أن تُعرف. 

الواضح أن «القيلولة» هي المصطلح الوحيد المتداول والمعروف عند الجميع بخلاف «الحيلولة والعيلولة»، والكلمات الثلاث أو المصطلحات يشيع استخدامها في أوساط محدودة، كالدينية والطبية، لدلالات مرتبطة بها، فهي تدل على أوقات نوم يومية بعينها، أوقات يستحب النوم في إحداها ويُكره في الأخريين. ف«الحيلولة» هي النوم بعد صلاة الفجر، أي في وقت الصباح الباكر، وسُميت قديماً ب«الحيلولة» لأنها «تَحُول» عن طلب الرزق مبكراً، فالصباح الباكر هو وقت النشاط والعمل، والنوم فيه يجلب الكسل ويمنع عن السعي، وهي كلمة لا تعني أبداً أي تحريم، وأتت كراهتها قديماً لأنها تفوّت على صاحبها طلب الرزق مبكراً، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في ذلك: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، كما حث عليه سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في قوله: «النومُ أولَ النهارِ عجْزٌ». 

أما «القيلولة» فهي المعروفة لدى معظمنا، والتي تعني النومة القصيرة التي عادة ما تكون بعد الظهر، وهي نومة صحية ومفيدة للعقل، وتعيد النشاط للجسم المنهك والمتعب بعد جهد العمل، وعندما يقال عن أحدهم إنه «يقيل» فيعني أنه في استراحة قصيرة بعد الظهر تحديداً، ويبدو أن «القيلولة» مستحبة حتى عند الصحابة، رضي الله عنهم، فأنس بن مالك قال فيها: «كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ». 

وأما «العيلولة»، وما أدراك ما «العيلولة»، فهي النوم ما بعد العصر حتى المغرب، وسُميت بهذا الاسم للاعتقاد بأنها «تُعيِّل» أي تجلب ضيق الصدر والهم والكسل، وهذا التفسير تؤمن به بعض الثقافات وهو شائع طبياً، وبعض القدماء لهم أقوال مبالغ فيها حول «العيلولة»، فمنهم من قال: «نوم العصر يورث الحمق»، وبعضهم قال: «من نام بعد العصر فاختُلس عقله فلا يلومن إلا نفسه». وفي النهاية فالنصيحة واضحة، النوم في غير أوقاته مضر للصحة ومجلبة للغم ومضيعة للوقت والرزق، فنعم «للقيلولة» ولا «للحيلولة والعيلولة»، والله أعلم.

back to top