صراعات الكرد... مع دول الجوار (2-2)
توقفنا في المقال السابق عند مقولة الباحث العبدالله عن عدم حصول الأكراد في إيران على اعتراف بهويتهم القومية وتعرضهم لهجوم دمّر قراهم ومدنهم، وفي هذا المقال نستكمل صراعاتهم مع باقي دول الجوار، فقد برزت تجربة الأكراد مع مختلف الأنظمة العراقية منذ ظهور الدولة. ويقول الباحث عن أكراد العراق: «وقد استمرت المجابهات العنيفة في الفترة ما بين 1961م و1991م، تخللتها فترات هدوء ووقف إطلاق نار، حيث حصل تفاهم بين الأكراد وعبدالكريم قاسم إثر اعتراف دستور 1958م بالأكراد وتعريفه للدولة العراقية كدولة ثنائية القومية. لكن تخلي عبدالكريم قاسم عن الديموقراطية والدستور أعاد إلى المجابهة حرارتها فبدأ القتال من جديد عام 1961م. واستمر متقطعاً إلى عام 1970م حيث توقف بعد عقد اتفاق الحكم الذاتي، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ فتجدد القتال.
انهارت الحركة الكردية عام 1975م إثر اتفاق الجزائر بين العراق وإيران، فانقسم الحزب الديموقراطي الكردستاني بخروج جلال طالباني وتشكيله للحزب الوطني الكردستاني، كما نشأت حركات ماركسية تجمعت في الحركة الاشتراكية الكردية، وأخرى إسلامية كردية بقيادة الشيخ عثمان وشقيقه علي ومشاركة إدريس بن الملا مصطفى البرزاني».
وفي الثمانينيات تعرض أكراد العراق لمذابح جماعية في نظام صدام حسين المعروف بقسوته. واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية (حلبجة 16/3/1988م حيث قتل 5000 شخص في لحظات). كما أجبروا على النزوح من قراهم إلى جنوب العراق وإلى مناطق الحدود الدولية والجبال العالية وإلى تدمير (4000) قرية لمنع السكان من العودة إليها.
وقد قاد فرض منطقة حظر الطيران شمال خط العرض 33 بعد حرب تحرير الكويت عام 1991م إلى تكريس كيان كردي مستقل في شمال العراق، وزاد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003م فرص الأكراد في الحصول على مكاسب كبيرة في العراق الجديد.
وفي سورية، تم الإبقاء على قطاع واسع من الأكراد نحو 70 ألفاً دون جنسية في إحصاء 5/ 10/ 1962، أصبحوا بعد أربعة عقود أكثر من 200 ألف نسمة، وتم تطبيق ما سمي بالحزام العربي عام 1966 بتهجير آلاف الأسر الكردية من أرضها، يقول الباحث، وتم توزيع أرضها على أسر عربية نقلت إليها من المنطقة التي غمرتها بحيرة سد الفرات.
تسببت الخارطة السياسية التي رسمت في العشرينيات في خلق وضع غير مريح لكل دول المنطقة لأنها قسمتهم وأفقدتهم أجزاء من أرضهم. وأصبح الأتراك ضد الخريطة، لأنها انتزعت منهم ولاية الموصل الغنية بالبترول، ولكن الأتراك ضد المساس بالخريطة، لأن ذلك قد يفقدهم مساحات لمصلحة الأكراد والعرب والإيرانيين ضد الخريطة، لأنها أفقدتهم مساحات في شط العرب هم ضد المساس بها لأن ذلك قد يفقدهم العرب والأكراد.
وهكذا وجد الكرد أنفسهم وحيدين في معارضة خارطة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، ومع إعادة النظر فيها، ولكن إنشاء وطن قومي للأكراد، يقول الباحث عبدالله، سيكون على حساب دولة قائمة مثل تركيا وإيران والعراق وهذا وحّد هذه الدول لمنع الأكراد من الوصول إلى أهدافهم، والعمل سياسياً وعسكرياً للحيلولة دون إنشاء دولة كردية مستقلة.
وهكذا دخلت القضية الكردية في مرحلة خانقة جديدة، أو في عنق الزجاجة، كما يقول الباحث! فلا الجماعات الكردية وحدت إرادتها السياسية واستقلت عن أهداف دول المنطقة، ولا استطاعت الدول التي تقيم فيها الكتل السكانية الكردية أن تقنعها بأنها جزء من شعوبها لها الحق في المعاملة القانونية والسياسية المتساوية وكامل الحقوق.
ويقول الباحث عن نتيجة ذلك: «لقد غدا الأكراد أسرى التوازنات الإقليمية والدولية التي تفرض عليهم شروطها، وأصبحوا في أحيان كثيرة مخلب قط وأداة استنزاف للقوى المحلية، فقد وعدوا بدولة من قبل فرنسا 1921م وبريطانيا 1922م والولايات المتحدة 1944م.
ولكن كل ذلك لم يحصل وغدت دول المنطقة التي بها أقليات كردية كبيرة أسيرة القضية الكردية تفجرها القوى الخارجية عندما يكون لها مصلحة في تفجيرها، وتتجاهلها بعد أن تحصل من هذه الدول على تنازلات سياسية واقتصادية».
بالنتيجة «انقسم الباحثون حول توصيف الوضع الكردي: هل يشكل الأكراد أمة أم جماعة إثنية؟ فالبعض يعتبرون الأكراد أمة ويرون فيهم رابع أكبر أمة في المنطقة، وآخرون يعتبرون الأكراد مجرد جماعة إثنية، ولا يشكلون في رأيهم أمة بالمعنى الحديث.
وأخيراً، ماذا عن الفساد السياسي والمالي في الوسط الكردي نفسه؟ وماذا عن عدم الشفافية مع الذين يتعاملون معهم كما يتهمهم البعض في العراق وتركيا وغيرها، وكما هو الحال في دول كثيرة وشعوب عدة في المنطقة؟
بقي أن نتحدث عن الأدب والثقافة الكردية في الحلقات القادمة.