مولد الكومبارس *

نشر في 24-10-2025
آخر تحديث 23-10-2025 | 20:30
 سليمان البسام

بخفة، بدون إذن، وبشيءٍ من الفضول،

كما تتسلل قطة إلى كواليس مسرح،

تسللت كلمة كومبارس إلى لغتنا العربية.

 

على غفلةٍ جاءت، كأغلب مصائبنا.

 

في لغتها الأصلية** كانت كلمة بريئة، تعني أن تظهر، أن تكون حاضراً.

لكنها حين عبرت البحر واستقرت في المسارح العربية، وجدت قدرها الحقيقي: لا كظهور، بل كاختفاء.

 

في مسارح القاهرة في الثلاثينيات، كان الكومبارس هو المسكين الذي يُستأجر ليملأ الفراغ... يمشي خلف البطل، يحمل الصينية، يومئ برأسه، وغالباً ما يتلقى الصفعة.

يدخل، يُصفع، يتمايل بقدْرٍ محسوبٍ من الألم، ثم يخرج.

لا جملة، لا دور، لا مستقبل.

وإن حالفه الحظ مات في المشهد، وبقي ممدداً على الخشبة منتظراً نهاية العرض - لحظة تأمله الأولى والأخيرة.

 

مع الوقت، خرجت الكلمة من الخشبة إلى الشارع.

صارت تتجوّل بيننا كما تتجوّل تلك القطة نفسها بعد العرض،

باحثةً عن بقية مرقوقة.

 

كل عربي اليوم يعرف من هو الكومبارس... ذلك الذي يظهر ليؤكد حضور غيره،

ذلك الذي يتلقى الصفعة نيابةً عن البطل،

قبل أن يتوارى في الصمت.

 

هكذا نصل إلى أحدث إنتاجات مسرح الكآبة،

ملحمة وطنية كبرى تحمل ذات اسم الجريدة الرسمية.

بطلها المواطن «كاف».

يؤدي دوره بانضباطٍ مثالي، يظهر حين يُستدعى،

يصفّق حين يُطلب منه،

ويتلقى الصفعة بلياقةٍ وطنية عالية.

ثم ينسحب بهدوء،

ليدخل الكومبارس التالي في الطابور.

 

المأساة أن هذه المسرحية **بلا نهاية ولا إسدال ستارة،

تُعرض بلا توقف، بلا جمهور. 

والمقاعد، منذ زمنٍ بعيد، لم يبقَ عليها سوى الغبار

... وبضعة قطط. 

********

* إهداء للصديق عيسى الصراف

** من الإيطالية comparsa، أي «الظهور».

كاتب ومخرج مسرحي 

back to top