من صيد الخاطر: العقبة الكأداء
«العقبة الكأداء» هو مصطلح يوصف به موقف أو عمل يشق الوصول إليه أو إنجازه لكثرة العراقيل التي تواجهه، «فالعقبة» في الأصل هي الطريق الوعر في الجبل، وهي مرتقى صعب، أما «الكأداء» فتعني الشدة أو الصعبة، فيكون معنى «العقبة الكأداء» هو صعوبة المرتقى، فهناك مشقة وعرقلة في الوصول إلى المبتغى، وهو لفظ نادر التداول بوجه عام، وخصوصاً في الأحاديث العامّية والعادية.
ورد لفظ «العقبة» في سورة البلد في قوله تعالى: «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ»، فهي «عقبة كأداء»، صعبة الاجتياز، ولكن يمكن اقتحامها بأعمال البر، كفك رقبة وعتقها من العبودية، أو إطعامٍ في يوم ذي مسغبة، أي إطعام الفقراء في أيام المجاعة والشدة، فهي آيات تدل على أن «العقبة الكأداء» هي كل عمل شاق أو طريق وعر يتوجب على الإنسان تخطيه حتى يحظى بمرضاة الله والنجاة في الآخرة.
وهناك حديث شريف لنبينا ﷺ، وردت فيه كلمة «كؤود»، يوصي فيه أبا ذر الغفاري، ويقول فيه: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَحْكِمِ السَّفِينَةَ فَإِنَّ الْبَحْرَ عَمِيقٌ، وَاسْتَكْثِرِ الزَّادَ فَإِنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ، وَخَفِّفْ ظَهْرَكَ فَإِنَّ الْعَقَبَةَ كَؤُودٌ، وَأَخْلِصِ الْعَمَلَ فَإِنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ». «أَحْكِمِ السَّفِينَةَ فَإِنَّ الْبَحْرَ عَمِيقٌ»، أي هي الدنيا فاحذر غدرها، «واسْتَكْثِرِ الزَّادَ فَإِنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ»، أي أكثر من الأعمال الصالحة في رحلتك إلى الآخرة، «وَخَفِّفِ الْحَمْلَ فَإِنَّ الْعَقَبَةَ كَؤُودٌ»، وخفف من الذنوب، فالطريق إلى الصراط المستقيم شاق وصعب، «وَأَخْلِصِ الْعَمَلَ فَإِنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ»، فالناقد البصير هو الله سبحانه وتعالى، فأخلص في عملك فالله يراقبك.
وهناك حديث شريف آخر ذكره أبوالدرداء وردت فيه كلمة «كؤود»، فقد قالت أم الدرداء يوماً لأبي الدرداء: «مَالَكَ لَا تَطْلُبُ مَا يَطْلُبُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟»، أي لماذا لا تطلب لدنياك كغيرك؟ فرد قائلاً: «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً لَا يَجُوزُهَا الْمُثْقِلُونَ، وأنَا أُحِبُّ أَنْ أَتَخَفَّفَ لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ».
ولما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: «بُعْدُ الْمَفَازَةِ، وَقِلَّةُ الزَّادِ، وَعَقَبَةٌ كَؤُودٌ، الْمَهْبِطُ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ».
وهذا بيت شعر وردت فيه كلمة الكؤود:
قد أرهقَ العدمُ الكؤودُ وجودَهُ
فتقاسمَ الجوعُ المريرُ قواهُ
كذلك يمكن أن يقال لصعوبة الحياة أنها «حياة كأداء»، ولليلة الشديدة الظلمة أنها «ليلة كأداء»، فليبعدنا الله عن «العقبات الكؤود»، وليسهل أمورنا حسبما يرضاه.