ريستارت للحياة: من الحلم المؤجل إلى الهدف الممكن
بين زوايا النفس الإنسانية، هناك فرق شاسع بين الحلم الذي يُخاطب الروح، والهدف الذي يُخاطب العقل.
ولأن كل شيء قابل لإعادة التشغيل... حتى نحن، ففي كل أسبوع نأخذ لحظة تأمل، نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت»، ونبدأ من جديد؟
ها هي الحياة تفتح لنا في كل منعطف نافذة جديدة مهما أرهقتنا التجارب وأثقلنا الانتظار. فكل ما مرَّ بنا لم يكن عبثاً، بل كان تدريباً خفياً على الصبر، وصقلاً لنسخة أقوى فينا. كم من حلمٍ ظنناه ضاع، فإذا به يعود أنضج وأقرب إلى الواقع. فالخيبة ليست نهاية الطريق، بل يقظة تعلِّمنا أن ما تأخر لم يغب، وإنما كان ينتظر لحظة استعدادٍ أعمق وقدرة أكبر على الاحتضان.
هناك أحلام خمد بريقها في زوايا النفس، ظنناها انطفأت، لكنها كانت تلتقط أنفاسها في صمت، تنتظر لحظة نضوجنا لتُولد من جديد. وكم مرة وقفنا عند مفترق الطُّرق نحدِّق في تلك الأحلام المؤجلة وكأنها وجوه مألوفة غابت ملامحها، نعرفها، لكننا لم نعد نجرؤ على مصافحتها. إنها لا تموت، بل تغفو في أعماقنا، حتى يُوقظها الإصرار من سباتها الطويل. فبين الحلم الذي يسبح في فضاء المشاعر، والهدف الذي يسير على أرض الإرادة، يكمن جوهر التحوُّل الحقيقي: أن يتحوَّل الرجاء إلى فعل، والرغبة إلى خطة، والأُمنية إلى إنجاز، في لحظة وعي نُدرك فيها أن النضج لا يعني التخلي عن الحلم، بل العودة إليه بعقلٍ أكثر حكمة، وروحٍ أكثر ثباتاً.
في مجتمعاتنا يعيش كثير من الناس بنسخةٍ قديمة من أنفسهم، يكررون الأيام بلا شغف، لأنهم فقدوا طاقة البداية. غير أن التجارب لا تقتل الشغف، بل تنقيه، والفشل ليس نقيض النجاح، بل طريقه الأصدق ومعلمه الأول. فكل تعثر يترك فينا درساً يُعيد توجيهنا نحو ما نستحق، ومَنْ أدرك ذلك استطاع أن يُعيد تشغيل نفسه في كل مرة بوعيٍ أعمق وعزيمةٍ أصلب.
ولنبدأ رحلة إعادة تشغيل الأهداف المؤجلة بخطوات واقعية.
لنحوِّل الحلم إلى هدفٍ يمكن قياسه وتحديد زمنه، فالشغف لا يُولد صدفة، بل بالنية والإصرار. لنسأل أنفسنا بصدق: ما الذي كُنا نفعله بشغف، ثم خمد بريقه؟ ما المشروع الذي علَّقناه خوفاً من الفشل؟ وأي جزءٍ فينا فقدنا الإيمان به، وكم حلماً صغيراً تركناه يضيع في زحام الأيام؟ لنعد إلى أنفسنا برؤيةٍ أوضح تُنير الطريق نحو ما نُريد، ولا ننتظر مَنْ يذكرنا أو يدفعنا، فالبدايات الحقيقية تنبع من داخلنا. علينا أن نؤمن بقدرتنا، وأن نكون رفاق نجاحنا الأوائل. فالحلم لا يحتاج معجزة، بل قراراً بأن نبدأ بخطوةٍ تُعيدنا إلى الحياة وتُشعل فينا شرارة التغيير.
ولأن الهدف المؤجل كنز مدفون في زوايا العقل، ينتظر لحظة الاستيقاظ.
ولأنه طاقة كامنة تبحث عن طريق للتحقق، ووعد النفس بإمكانية أفضل وأفقٍ أوسع.
فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت»... لا لنعود، بل لننهض. لنحوِّل الحلم المؤجَّل إلى إنجازٍ حي، ونسير بخطواتٍ واثقة نحو ما نستحق. فالحلم لا ينتظر، بل ينتصر لمن يبدأ.
* إعلامية بحرينية