من صيد الخاطر: «إِنْ تَكُ ضَبَّاً فإنِّي حِسْلُه»

نشر في 03-10-2025
آخر تحديث 02-10-2025 | 19:21
 طلال عبدالكريم العرب

«إِنْ تَكُ ضَبَّاً فإنِّي حِسْلُه»، والحِسْل هنا هو صغير الضب. هذا المثل العربي القديم قد يُقال في صيغة التحدي في القوة، وقد يُقال في الرد على التهديد، وقد يقوله الرجل عندما يتواجه مع رجلٍ مثله في العلم والدهاء، وقد يُقال أيضاً لإثبات النسب، وهو صدر للبيت: «إِنْ تَكُ ضَبَّاً فإنِّي حِسْلُه... أوْ تَرْمِ مِنّي بأحْجَارٍ سَدَلْتُ له». فإن كنتَ ضباً في القوة والمكر، فأنا حسله، الذي لا يقل عنك علماً ومنزلة، وإن رميتني بالحجارة، فأنا مستعد لها، وهو يشبه كثيراً المثل الكويتي: «إذا أنت تاكل التمر، احنا نُعد الطعام»، أي النواة.

وهناك كثير من القصص والروايات وأبيات الشعر والأمثال، وحتى الأحاديث، قِيلت وحيكت حول هذه السحلية الصحراوية آكلة العشب، فالضَّب، المُكَنَّى بـ «أبي الحسل» في التراث العربي، مشهور بصعوبة صيده ومراوغته في جُحره.

وهناك حديث شريف مشهور لنبينا، صلى الله عليه وسلم، ذُكر فيه جُحر الضَّب، وهو يدور حول اتِّباع سنن الأمم السابقة، وفيه تحذير من التقليد الأعمى للآخرين، قال فيه: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قَبْلَكُمْ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، حتّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ».

وهناك أمثلة عن الضب، منها: «أضلُّ من ضَبٍّ»، لأن الضب سيئ الاهتداء إلى جُحره بعد خروجه منه، فيُضرب لمن يضل الطريق أو لا يهتدي إلى الصواب، ومنها: «أروَى من ضَبٍّ»، لأن هناك اعتقاداً بأن الضب لا يشرب الماء، مُكتفياً برطوبة النباتات أو الهواء. وهذا المثل يُضرب للصبر على العطش، و«لا آتيكَ سِنَّ الحِسْل»، فالحسل لا يُبدل أسنانه أبداً، فهو يُضرب في أمرٍ لن يحصل مُطلقاً.

وهناك قصة رمزية حوارية دارت بألسن الضَّب والأرنب والثعلب، والمعروفة بـ «قضاء أبي الحِسْل». فقد حصل أن اختلفت الأرنب والثعلب على تمرة التقطتها الأرنب واختلسها الثعلب، فقررا الذهاب إلى الضب ليحكم بينهما، فنادت الأرنب: يا أبا الحِسْل، فردَّ الضب من داخل جُحره: سميعاً دعوت، قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال الضب: عادلاً حكَّمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يُؤتى الحَكَمُ.

عندها بدأت الأرنب تروي القصة، فقالت: إني وجدت تمرة، قال الضب: حلوة فكُليها، قالت: فاختلسها الثعلب. قال: لنفسه بَغَى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذتِ، قالت: فلطمني، قال: حُرٌ انتصر لنفسه، قالت: فاقضِ بيننا، قال الضب: قد قَضَيتُ.

ويبدو أن المتخاصمين عادا كل إلى داره، فالثعلب عاد وقد أكل التمرة، وردَّ لطمة الأرنب بلطمة أقوى منها. أما الأرنب، فعادت خالية الوفاض بلا تمرتها، مع لطمة ثعلب أقوى من لطمتها. إنها قصة ذات مغزى لن تفوت على الفطن النبيه.

تنويه: ورد خطأ في مقالي يوم الجمعة الماضي في الآية الكريمة: «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين»، والتي نُشرت «فإما»... فشكراً للشيخ جنيد (أبوأحمد)، الذي نبهني.

back to top