من صيد الخاطر: إِنَّما هُوَ ذَنَبُ الثَّعْلَبِ
«إِنَّما هُوَ ذَنَبُ الثَّعْلَبِ»، مثل عربي قديم يُضرَب في المخادع الذي لا يؤمن جانبه، فَيُشَبّه بِذَنَب الثعلب يراوغ به، وقد يقال أيضاً: «أروغ من ذَنَبِ الثعلب»، ويقال أيضاً: «راوغ الثعلب بذَنَبه يميله فتتبع الكلاب ذَنَبه».
قصص وأمثال وحكم تدور حول الثعالب، ورغم رمزيتها فإنها لا تخلو في بعضها من الطرافة، حكايات قيلت منذ القدم عن مكرها وذكائها وخِداعها لفرائسها، ومراوغتها لمن يريد النيل منها، حتى أصبحت في الشعر العربي رمزاً للمكر.
فقيل فيها:
يُريكَ الثعلبُ الماكرُ ودّاً وفي أحشائِه الغدرُ المُريبُ
وكم من ثعلبٍ في زيِّ نُسْكٍ يُخادعُنا وخبثُ الطبعِ فيهِ
ولكن لا بد للمكر يوماً وأن يقتل صاحبه، وهناك حوار ذو مغزى وطريف دار بين الأسد رمز القوة والصدق وبين الثعلب رمز المكر والخداع، فقد سأل الأسدُ الثعلب يوماً: أيُّها الثعلب، لِمَ هذا المكرُ والخديعةُ؟، فرد قائلاً: المكرُ يا سيدي هو سلاحُ الضعيفِ أمامَ القويِ، فقال الأسد: بئسَ السلاحُ الذي يقتلُ صاحبهُ، فالمكر لا يدوم، وسينكشف، ولابد وأن ينقلب على صاحبه، «فلا تغترَّ بمكرِ الثعالبِ، فإنَّ مصيرَها الكشفُ والضررُ».
وكم من حافرٍ لأخيه ليلاً تردَّى في حَفيرتِه نهارَا
وقيل:
وليسَ يَحيقُ المَكرُ إلَّا بأهلِه وحافِرُ بئرِ الغَدرِ يَسقُطُ في البِئرِ
وقيل:
وكم رائشٍ سَهماً ليصطادَ غيرَه أصيبَ بذاكَ السَّهمِ في ثُغْرةِ النَّحرِ
ولهذا يوجب الحذر والتحوط من نصيحة عدو أراد بك الضرر:
فكم مِن عدوٍّ معلنٍ لك نصحَه * علانيةً والغشُّ تحت الأضالعِ
فالخداع والمراوغة أمران مذمومان، ولكنهما ضروريان ومستحسنان في بعض الأمور كالحروب، فالخدعة تضمن الفوز وترجح كفتّه.
نبينا، ﷺ، قال: الْحَرْبُ خدْعَةٌ، وللمرء أن يفعل في مقام الحرب ما لا يؤذن في فعله في غيرها من المواطن، كالتورية والكذب عند الاضطرار، «فإنَّ الحَربَ خدْعةٌ»، والخدعة والمكر يعينان على النيل من العدو، فقيل في ذلك: «الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخَطِر المواجهة وحصول الظَّفَر مع المخادعة بغير خطر».
ولكن الخدعة لا تعني الغدر بمخالفة العهد والاتفاق مع العدو، وقد حذّر الله، سبحانه، قائلاً: «فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين»، أي، إن كان بينكم وبين العدو عهد، فأعلمهم بإلغائه قبل محاربتهم، لتكونوا وإياهم على حد سواء.
ولكن، مع الأسف، فأمتنا هي من لُدغت من الجحر أكثر من مرتين، وهي من خُدِعَت وغُدِر بها لقرون وسنين، فقد اطمأنت لعدو لا يرقب «إلّاً ولا ذمة»، فكانت هي من أصابها الضرر.