الترجمة في قبضة الأدوات المساعدة

نشر في 26-09-2025
آخر تحديث 25-09-2025 | 18:23
 هدى كريمي

الترجمة هي عملية نقل المعاني والنصوص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف بطريقةٍ دقيقة تعكس جوهر النص الأصلي. فهي جسر تعبر من خلاله الثقافات والحضارات المختلفة، ووسيلة فعَّالة تمكِّن الإنسان من الانفتاح على الشعوب، ومعرفة تقاليدها، واتجاهاتها الثقافية، وذوقها الأدبي، وتطورها العلمي.

ولما كان هذا النشاط اللغوي متوغلاً في التاريخ عبر العصور، تزايدت أهميته، نظراً للتطورات والمتغيرات، وأضحت الترجمة أداة لا غنى عنها في المعاملات اليومية والمخاطبات والاتفاقيات الدولية.

وسنركز في مقالنا هذا على الترجمة القانونية، وهي التي تُعنى بالنصوص والوثائق القانونية، كالعقود، والاتفاقيات، واللوائح والأحكام القضائية، وغيرها، فالترجمة القانونية من أكثر مجالات الترجمة حساسية وتعقيداً، ويعزو ذلك إلى أن أي خطأ أو انحراف في نقل المعنى قد يتسبَّب في نزاعات قانونية أو نتائج سلبية على الأطراف ذات العلاقة. ويتطلَّب هذا النوع من الترجمة، الدقة، والأسلوب السليم، والصياغة القانونية، واستخدام المصطلحات الصحيحة، والالتزام بالحيادية والموضوعية والسرية.

وقد يستعين المترجم في ترجمته بالعديد من الأدوات المساعدة، مثل: القواميس أو الوسائل الإلكترونية، كالترجمان، وتطبيقات الترجمة. ومع التطوُّر التكنولوجي المتسارع، برزت أدوات أخرى للترجمة، وهي ما يُطلق عليها الأدوات الحاسوبية المساعدة للترجمة (CAT Tools) كأحد أهم الابتكارات في مجال الترجمة، ومن أبرزها: SDL Trados، MemoQ، Wordfast، OmegaT. وهي البرامج التي تدعم عمل المترجم البشري، عبر توفير ذاكرة للترجمات، وقواعد بيانات للمصطلحات، وآليات تدقيق متقدمة، كما تعمل على معاونة المترجم في تحسين عمله عن طريق تخزين الترجمات السابقة في «ذاكرة الترجمة»، وإعادة استخدامها في النصوص المستقبلية، كما توفر قاعدة بيانات موحدة للمصطلحات تضمن تجانس الترجمة عبر مختلف الوثائق عن طريق سهولة استدعاء العبارات والجُمل القانونية المترجمة مسبقاً، مما يعزز الاتساق، ويمنع التناقضات. أما استخدام الترجمات السابقة، فهذا من شأنه أن يختصر الوقت والجهد، ويمكِّن من بناء قواعد بيانات متخصصة بالمصطلحات القانونية.

إلا أن هناك جُملة من التحديات قد يواجهها المترجم، من خلال استخدامه لهذه الأدوات، منها: ضعف دعم اللغة العربية، والحاجة إلى تدريب متخصص للإلمام بطريقة استخدام هذه الأدوات. أيضاً قد يؤدي التركيز الزائد على التقنية إلى إضعاف الحس التحليلي للمترجم.

ورغم كل تلك التحديات، فإنه من المتوقع أن يشهد المستقبل تطورات واسعة في مجال استخدام هذه الأدوات، بسبب التكامل الأوسع مع الذكاء الاصطناعي، والذي يسمح بتقديم ترجمات أولية يُعيد المترجم صياغتها وفقاً للمعايير القانونية. إضافة إلى تطوير أدوات متخصصة في الترجمة القانونية تدعم المصطلحات المحلية والدولية. أيضاً تساعد هذه الأدوات على تعزيز الأرشفة الرقمية، والبحث الذكي في الوثائق، بما يُتيح سهولة الوصول إلى الترجمات السابقة. وقد تعتمد الحكومات والمؤسسات القضائية على منصات رقمية موحدة للترجمة القانونية تعزز الكفاءة والشفافية.

ختاماً، رغم التحوُّل الرقمي المتسارع، وجب المحافظة على الدور المحوري للمترجم القانوني، باعتباره الضامن الأساسي لشرعية النصوص وصحتها عن طريق قراءتها ومراجعتها. إن تبني هذه الأدوات مقرون ببرامج تدريبية متخصصة، وتطوير تقنيات تدعم اللغة العربية، تُسهم في إرساء منظومة ترجمة قانونية أكثر كفاءة وموثوقية.

* مترجمة وفنانة تشكيلية

back to top