ريستارت للحياة: بيوت التيك أواي وغياب الجوهر
هل تغيَّرت الرجولة والأنوثة في زمننا، حتى فقدتا معناهما العميق، وصارت بيوتنا مختلفة عمَّا كانت عليه؟
كُل شيءٍ قابل لإعادة التشغيل... حتى نحن. في كل أسبوع، نأخذ لحظة تأمل، نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت» ونبدأ من جديد؟
أُدرك أن موضوع هذا الأسبوع يُلامس جانباً حساساً من حياتنا، لكنه يستحق أن يُفتح للنقاش، لأننا نتحدَّث عن معالم الرجولة والأنوثة التي تغيَّرت في حاضرنا، حتى كاد المعنى يذوب والجوهر يتلاشى.
كثير من الرجال اليوم أصبحوا ذكوراً بالاسم فقط، يفتقرون إلى الرجولة في معناها العميق، وكثير من النساء أصبحن إناثاً بلا أنوثة، في بُعدها القيمي والإنساني. وبين هذا وذاك، تحوَّلت البيوت إلى كيانات سريعة أشبه بوجبات «تيك أواي» تُستهلك من دون أن تُشبع، وتُبنى من دون أن تؤسس لجذور متينة.
في الماضي، كان الرجل مُرادفاً للمسؤولية، للحكمة، وللقوة التي تمتزج بالرحمة. وكانت المرأة عنواناً للحنان والرُّقي والاحتواء. لم يكن الأمر مثالياً، لكنه كان يحمل وضوحاً ومعنى.
اليوم، صارت المقاييس مشوهة. اليوم تغيَّرت المعايير، حتى غدت سطحية، فالرجل يُقاس بصخبه على منصات التواصل، لا بعُمق قيمه، والمرأة اختُزلت في صورة عابرة وابتعدت عن دورها الأصيل في الاستقرار والاحتواء. وهكذا، صار المظهر ميزاناً، فيما الجوهر يُوشك أن يغيب.
وما يشغلنا الآن ليس هذا الجيل فقط، بل كيف سيربّي هذا الجيل أبناءه، وأي مفاهيم سيورثها للأجيال القادمة؟
لم يأتِ هذا التحوُّل من فراغ، فالإعلام الجديد، وضغوط الحياة، والخطابات المبتورة، بل حتى بعض السلوكيات الاجتماعية، أسهمت جميعها في إعادة تشكيل صورة الرجل والمرأة. غير أن الخطر الأعمق يكمن في أن هذا التشويه تسلل إلى الوعي الجمعي حتى غدا مألوفاً، فصار أبناء اليوم ينشؤون على صورة مبتورة للرجولة والأنوثة، يورثونها بدورهم بدل أن يورثوا اكتمال المعنى وعُمقه.
هنا يبرز دور الأسرة أولاً، فهي الحضن الذي يمنح الدفء، والمدرسة التي تغرس القيم وتُعيد التوازن. في هذه البيوت تعلَّمنا أن الرجولة التزام ومسؤولية، وليست عبثاً ومظهراً فارغاً، وأن الأنوثة فضيلة ورُقي، وليست مجرَّد زينة، وهي نفسها القادرة اليوم على استعادة ما تلاشى من معانٍ. ومن هنا تبرز الحاجة إلى مبادرات توعوية وتدريبية تُعيد الاعتبار لهذه القِيم، وتجمع بين التربية الوجدانية والتنشئة الاجتماعية، مع فتح مساحات حوار بين الأجيال لإحياء ما فقدناه في واقع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فيما يبقى على الإعلام مسؤولية مضاعفة: أن يكف عن تسليع صورة الرجل والمرأة، ويقدم نماذج حقيقية مُلهمة قادرة على الصمود، لا صوراً برَّاقة تنهار أمام أول اختبار.
فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت»، ليس لنعود إلى الوراء، بل لنُحيي جوهر الرجولة والأنوثة، ونمنح الأسرة الدفء والاستقرار. فالمجتمع الذي يكتفي بذكور بلا رجولة وإناث بلا أنوثة يتآكل من داخله، ويفقد جوهره الأصيل. وإعادة التشغيل تنبع من البيت، من لحظة يختار فيها كل فرد أن يُعيد تشكيل ذاته ليكون ركيزة صلبة في بناء الأسرة والمجتمع، قبل أن تتحوَّل بيوتنا إلى جدران بلا حياة.
* إعلامية بحرينية