من صيد الخاطر: «إنَّ الهَوان لِلَّئيمِ مَرْأمَة»
«إنَّ الهَوان لِلَّئيمِ مَرْأمَة»، مثلٌ عربيٌ قديم عن اللئيم الذي استمرأ الهوان، فيظل دنيئاً مهما ساعدته، لأنه ذليل لا يطرب إلا لمَنْ يهينه، فالمَرْأَمة هنا مأخوذة من الرِّئْمَان، وهما الرأفة والعطف.
أبوالطيب المتنبي قال في اللئيم:
إذا أَنْتَ أكرمْتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإنْ أَنْتَ أكرمْتَ اللئيمَ تمرَّدَا
العرب قديماً وصفت الهوان بأنه حَقَارَة، وذُلّ، ودَنَاءَة، وضَعْف، ووهن، والله تعالى حذَّر من ذلك، فقال: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، وقال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»، وقال تعالى: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ».
نبينا ﷺ قال مُحذراً: «يُوشِكُ أن تداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها، فقال قائلٌ: أومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ»، وقال: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه، قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق»، حتى انه ﷺ كان يستعيذ بالله من العجز والجُبْن في دعائه، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجُبْن والبخل، ومن الهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات».
الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، قال: «إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله».
لقد ذلَّتْ رقابُ الأحرارِ، والكلُّ صارَ عبيداً، ذلٌّ يحيطُ بنا، والكلُّ فيهِ شهيد، صارتِ الرقابُ ذليلةً، والكلُّ يبكي شديداً، لا عزَّ بعدَ الذلِّ، ولا فخرَ بعدَ الهوانِ، ذلٌّ يغوصُ في عروقِنا، والكلُّ يبكي حزناً وقهراً، أحلامُنا تلاشت، والأماني صارتْ سراباً، يا ليتَ شعري عنِ الذلِّ، كيفَ صارَ حالُنا؟ ذلٌّ يغطي وجوهَنا، والكلُّ يحملُ في صدرهِ غماً.
نحن هنا لا ندعو إلى الجهاد، بل جل مُرادنا هو الدفاع عن أمتنا، ورد الظلم والعدوان عنها، فلا حياة لأمة تقبل بالذل والمهانة، والضعف، والخضوع، فقد تكالبت علينا الأمم وحثالات البشر.
إن الذل مذموم، أما المحمود فهو التذلل لله، وهو العز والكرامة.