الذكاء الاصطناعي وأدب الطفل
يُعدّ الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أبرز التطورات التكنولوجية في العصر الحديث، وقد بدأ يتغلغل في حياتنا اليومية بطريقة متسارعة وغير مسبوقة في مختلف مجالات الحياة، حتى أصبح أداة فاعلة وعنصراً مهماً في مجالات الأدب بما في ذلك أدب الطفل.
فأدب الطفل يعتمد على ركيزة أساسية، وهي تنمية خيال الطفل وتوسيع مداركه، مع مراعاة مستويات إدراكه، وذلك من خلال القصص والحكايات المكتوبة والمصورة. ومما لا شك فيه أن أدب الطفل يساهم في غرس القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية، ويحفز التفكير النقدي والإبداعي لدى الطفل.
إلّا أن أدب الطفل في أيامنا هذه يشهد تحولات كبيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. فمن ضمن هذه التأثيرات إمكانية إنتاج القصص إلكترونياً، فأصبح بالإمكان باستخدام أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT أو StoryWizard.ai إنشاء قصص مخصصة أو تفاعلية للأطفال.
كما يمكن كتابة قصص للأطفال بمجرّد إدخال كلمة رئيسية أو موضوع معيّن يتم اختياره، فنجد عندها نصوصا تولد بناء على هذه المدخلات. كما يمكن تخصيص الهدف أكثر بتحديد الفئة العمرية المستهدفة وثقافة البيئة المحيطة، فيتم بناء عليه إنتاج نصوص تتماشى والعمر والثقافة والمشاعر، مع المحافظة على البنية القصصية، والتي تتكون من المقدمة والعقدة والحل والخاتمة، كما يمكن إنشاء رسوم توضيحية أيضا باستخدام DALLE أو Midjourney.
وعلاوة على ما سبق، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يصمم نصوصا وموضوعات تفاعلية مع الأطفال، بحيث يمكن للطفل أن يختار نهاية القصة حسب اختياراته، وأن يجعلها منطوقة أيضا بصوت ذكي معبّر يجيب أيضا عن أسئلة الطفل.
تلك الأنظمة الذكية بإمكانها تحليل نوع القصص التي يفضلها الطفل، وتقدم توصيات مخصصة أيضا مع قابلية متابعة تطور المفردات لدى الطفل واقتراح قصص تناسب مستواه اللغوي والعمري.
وبعد سرد كل تلك المميزات التي من الممكن أن تأتي ثمارها نتيجة دمج الذكاء الاصطناعي بأدب الطفل، قد تتوارد لمخيلاتنا بعض الأسئلة، هل يستطيع الذكاء الاصطناعي إدخال قيم إنسانية وتربوية في نص القصة، وهل خلق محتوى جذّاب وتفاعلي يُعتبر كافيا لتشجيع الطفل على القراءة؟ وهل محاكاة الذكاء البشري تغني عن دور رقابة الأسرة والمؤسسات؟
إنه لمن المُسلّم به أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في فقدان البعد الإنساني وغياب اللمسة الإبداعية الحقيقية التي يقدّمها كاتب القصة، بالإضافة إلى ورود مخاوف تربوية في حال لم تُشرف أي جهة موثوقة على المحتوى، وهنا قد يقع الكتاب والوالدان فريسة بثّ أفكار غير مناسبة. وهذا الأمر قد يؤدي إلى مواجهة الطفل خطر فقدان وانعدام التواصل مع الكبار.
في الختام، الذكاء الاصطناعي لا يُعدّ بديلا عن الكاتب، لكنه يمكن أن يكون أداة مساعدة ذكية تفتح آفاقًا جديدة في أدب الطفل. فالتحدي الحقيقي يكمن في كيفية استخدام هذه الأداة بشكل ذكي وآمن وتربوي يخدم نمو الطفل العقلي والعاطفي واللغوي، وفي اختيار الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بعناية، مع ضرورة التأكد من أن المحتوى يعزز القيم الأخلاقية والتربوية ويرسخها في النفس. ولا بُدّ أن نعزز ونؤكد الدور الرقابي للوالدين والمعنيين من التربويين والإعلاميين وغيرهم بشأن المحتوى القصصي أو الشعري المُصاغ للطفل، مع ضرورة المحافظة على الأطر المجتمعية والدينية والعادات والتقاليد.