جون لويس التعاوني

نشر في 03-09-2025
آخر تحديث 02-09-2025 | 19:10
 د. عبدالرحمن بدر القصّار

قبل عام التقيتُ معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية د. أمثال الحويلة، حيث عرضتُ عليها مبادرة متكاملة لإصلاح الجمعيات التعاونية عبر ترسيخ مبادئ الحوكمة. وقد انطلقت هذه المبادرة من قناعة راسخة بأن جوهر المشكلة لا يكمن في الشكل القانوني للجمعيات أو في نموذجها التعاوني ذاته، بل في غياب إطار حوكمة فعّال يُعزز الشفافية والمساءلة، ويرفع من أهلية وكفاءة مجالس الإدارات، ويسد الثغرات التي يتسلل منها الفساد. وخلال هذا العام، شاعت الكثير من الطروحات التي استهلكت النقاش العام دون أن تمس جوهر الأزمة. من بينها حديث عن إلغاء انتخابات الجمعيات التعاونية واستبدالها بالتعيين، أو جعل الأعضاء المعيّنين أغلبية في مجالس الإدارات، وصولاً إلى اقتراح خصخصة الجمعيات (مع أن الجمعيات ليست ملكاً عاماً يتم تحويله لملكية خاصة بل هي ملك لأهالي المناطق). ورغم اختلاف هذه الأفكار، فإنها تشترك في أنها لا تعالج جذر المشكلة: غياب إطار متكامل لحوكمة هذه الكيانات. ومن الطروحات المُثارة فكرة تحويل الجمعيات إلى شركات مساهمة مدرجة بتركيبة 50% لأهالي المنطقة كمساهمين، و40% لشريك من القطاع الخاص، و10% للحكومة. ولا شك أن لهذا النموذج بعض الإيجابيات، إذ قد يجلب الشريك الخاص خبرات تشغيلية ورقابية متقدمة، بينما تظل الحكومة شريكاً بأقلية تحافظ على التوازن العام. لكن لهذا النموذج سلبياته كذلك، إذ إن ملكية الأهالي تكون عادةً متفتتة، مما يضعف تأثيرهم العملي في القرار، بينما يمتلك الشريك الخاص كتلة منسقة تُرجح كفة الربحية على حساب البعد الاجتماعي. كما أن الانتقال من مبدأ «عضو واحد = صوت واحد» إلى «سهم واحد = صوت واحد» يُقلّص من دور مساهمي المنطقة في تقرير مستقبل جمعيتهم، ويمنح الشريك الخاص قوة تصويتية أكبر رغم أن ملكية الأهالي موزعة على أعداد كبيرة. وبذلك قد تتحول الجمعية من كيان يخدم المنطقة وأهلها إلى شركة يغلب فيها منطق الربح على حساب دورها الاجتماعي. وإذا كان البعض يرى أن الخصخصة هي الحل، فإن التجارب العالمية تُظهر أن النجاح ممكن داخل النموذج التعاوني نفسه. فسلسلة محلات جون لويس في بريطانيا (John Lewis) تمثل نموذجاً بارزاً للعمل التعاوني الناجح دون خصخصة (لديه 36 متجراً ويملك سوبر ماركت ويتروز Waitrose). حيث أُسس في عام 1929 على يد جون لويس وهو قائم على «ملكية مشتركة للموظفين» الذين يُعدّون شركاء فعليين في القرارات ويملكون نصيباً من الأرباح. وما ميّز هذه التجربة هو وجود حوكمة فعّالة تضمن الشفافية والمُساءلة، وتجعل القرارات الاستراتيجية تعكس مصلحة الشركاء والمجتمع معاً. وهذا النموذج (جون لويس) يثبت أن إصلاح الجمعيات لا يقتضي بالضرورة إلغاء النموذج التعاوني، بل يحتاج إلى تعزيزه بالحوكمة الفعالة. وفي خضم هذه النقاشات، صرحت وزارة الشؤون الاجتماعية في مايو الماضي عن تحويلها لمشروع قانون متكامل بشأن الجمعيات التعاونية والاتحادات التعاونية إلى الجهات المختصة لإقراره، متضمناً نقاطاً إيجابية من أهمها تأهيل المرشحين لعضوية مجالس الإدارات وإلزامهم باجتياز دورة تدريبية متخصصة في العمل التعاوني والإدارة والحوكمة. ولكن حتى الآن لم يصدر القانون رغم مرور أكثر من أربعة أشهر، مما يجعل المشاكل ذاتها تستمر بلا معالجة جذرية. ختاماً، إنّ التأخير في حوكمة الجمعيات التعاونية يعني استمرار ممارسات الفساد وسوء الإدارة. فالإصلاح الحقيقي للجمعيات التعاونية يحتاج إلى الإسراع في إقرار «إطار حوكمة شامل» من ضمنه إقرار وتطبيق القانون المعدل المشار إليه، إذ سيشكل ذلك نقلة نوعية نحو حوكمة فعالة للجمعيات تُعيد الثقة بها وتطور العمل التعاوني ليواكب حاجات المجتمع ويعزز دوره الاجتماعي.

* د. عبدالرحمن بدر القصار متخصص في الحوكمة عضو معهد الحوكمة المعتمد في بريطانيا وأيرلندا

back to top