بين بيروت والقدس «الصورة تتكلم عربي»
هل الصورة الصحافية في طريقها للانقراض؟ وهل مهنة التصوير الصحافي ضحية التكنولوجيا الجديدة؟ ومَنْ قال إنه لم يبق للصورة قيمة في عالم الصحافة والإعلام الرقمي الذي اجتاح العالم، وصار كل مَنْ يحمل هاتف «آيفون» في يده مصوراً صحافياً؟
أتابع منذ وقتٍ طويل عدداً من المصورين المحترفين في الصحافة، من بينهم الزميل نبيل إسماعيل النقيب الأسبق للمصورين الصحافيين في لبنان، هذا الرجل لم يتراجع أو يتوارَ عن المشهد الإعلامي، بل أحرص على التمتُّع بلقطاته وتعليقاته، فهو يمتلك حسّاً مهنياً عالياً، جمع بين عشقه للكاميرا والكتابة المختصرة والصادقة عن الحدث. ولكي أعرف ما يحدث في لبنان، أذهب إلى موقع نبيل إسماعيل الإلكتروني، فعنده الخبر اليقين، والصورة الحيَّة التي تنبض بالحياة وبالرؤية التي تُغنيك عن قراءة عشرات التحليلات والمقالات.
لم تفارقه الكاميرا طوال رحلته المهنية منذ السبعينيات. أهمية الزميل نبيل أنه واظب ولم ينقطع، استفاد من التكنولوجيا التي دخلت عالم الإنتاج الصحافي، لكن الكاميرا بقيت العين التي يرى من خلالها أشياء لا يراها الآخرون.
هناك أسماء من المصورين الصحافيين الذين تركوا أثراً واضحاً في تاريخ التصوير الصحافي، أتذكَّر منهم: زهير سعادة وجاك فيليب ودالاتي ونهرا وعلي حسن وعباس سلمان، وقائمة طويلة لا تنتهي من الذين أعطوا للمهنة قيمةً مُضافة.
تشدني الصورة، فهي تُغني أحياناً عن الكلمة، بل تبقى الشاهد الحي الذي لا يموت مع مرور الزمن، وتحوَّلت إلى دليل موثق لكتابة التاريخ وتدوين الأحداث، وكم صورة علقت في الذهن تستدعيها في اللحظات التي تُعطيك المصداقية في سرد الرواية.
أحدث الكُتب التي صدرت أخيراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، كتاب بعنوان «أثر الصورة الفوتوغرافية وتاريخ فلسطين المهمَّش». الكتاب محاولة جديدة لتبيان التقاطع بين تاريخ التصوير الفوتوغرافي في العالم العربي، وبين تاريخ فلسطين الاجتماعي.
900 صورة تظهر من خلالها بيئة فلسطين الثقافية والسياسية في الزمن العثماني والانتداب البريطاني، جمعها ونسَّقها ابن القدس واصف جوهرية للفترة ما بين 1904 و1972.
صحيفة الغارديان وصفته بأنه ذاك المسيح العربي الذي عاش في القدس أواخر العهد العثماني. ويتحدَّث الإنكليزية والفرنسية والتركية، وكان بمنزلة «هاري كيسلر» بمدينته.
فتح ابن القدس فصلاً جديداً في تاريخ التصوير بالشرق الأوسط. كان التصوير الاستشراقي الذي قام به الأميركيون والأوروبيون مهيمناً على الساحة، لكن التركيز الآن انتقل إلى المصورين من أبناء المنطقة نفسها.
سبعة ألبومات فوتوغرافية جمعها واصف جوهرية، وحافظ عليها منذ أواخر العشرينيات حتى أواخر الستينيات. أثر الصورة لا يزول، وفي هذا الكتاب تمثل الفراشة الصورة التي بقيت موجودة مادياً.
اشترك به المؤلفون الثلاثة: عصام نصار، وإسطفان شيحة، وسليم تماري، ترجمه إلى اللغة العربية سعود المولى، وأشرف على التدقيق والتحرير اللغوي سمير الديك، صادر عام 2024.
يُدين الكتاب بالفضل إلى مجموعة من المصورين العرب والأرمن، منهم: كاديكوريان غارابديان، وخليل رعد، وداوود صابونجي، وعيسى صوابيني، وآخرون.
الصورة تجعلك تُعيد قراءة تاريخ فلسطين بعدسة الحنين إليها ما قبل النكبة عام 1948.