في الصميم: فساد الجمعيات وصل إلى العظم
نسمع منذ سنوات طويلة عن فساد مستشرٍ في معظم الجمعيات التعاونية، وكنا نستغرب من تقاعس بيّن من جهات حكومية، وأولها وزارة الشؤون، التي واجبها ملاحقة الفاسدين وتحويلهم إلى النيابة، ما أدى إلى ازدياده.
وكانت تُنشر منذ سنوات تصريحات وأخبار غريبة عن حيرة وزارة الشؤون من استمرار التجاوزات في عدد كبير من الجمعيات التعاونية التي تديرها مجالس إدارات منتخبة، وعن ملايين الدنانير تختفي سنوياً من حسابات الجمعيات، وعن تعيينات تنفيعية صورية على بند دعم العمالة الوطنية، وعن خسائر مليونية.
لم تُتخذ إجراءات رادعة وصارمة ضد الفساد في الجمعيات التعاونية إلا مؤخراً، عندما بدأ عهد إصلاحي مبشر، وعندما بدأت حملات تعديل المسار وإصلاح ما فسد بنهج جدي وجديد، فقد أعلنت وزيرة الشؤون في يونيو 2025 عن رصد قضايا فساد وتجاوز في 17 جمعية تعاونية، وعن إحالة 97 عضواً و118 موظفاً من التعاونيات إلى النيابة العامة، ثم أعلنت في أغسطس، في تصريح آخر، عن إحالة 238 عضواً وموظفاً في الجمعيات إلى النيابة العامة، وهذه أرقام مخيفة، وتدل على تفشي الفساد في الجسم التعاوني حتى وصل إلى العظم.
لا شك أن فكرة إنشاء تلك الجمعيات تدعو إلى الفخر، فهدفها كان نبيلاً، كان هدفها خدمة أهالي المناطق السكنية بتوفير كل السلع الضرورية بأسعار مناسبة، إلى جانب إتاحة جني أرباح سنوية للمساهمين فيها، كلٌّ حسب مشترياته.
وللعلم فقد افتتحت في سنة 1962 أول جمعية تعاونية بالكويت في منطقة كيفان السكنية، كانت أول ثمرة لنظام تعاوني مشرّف فريد من نوعه في المنطقة العربية، لتتزايد أعدادها بعد ذلك مع تزايد عدد السكان وتعدد مناطقهم السكنية، حتى وصل عددها إلى ما يربو على الخمسين جمعية رئيسية، لخدمة كل مَن يعيش على أرض الكويت.
كان نظامها أساساً يعمل وفق مبادئ التعاون العالمية، وهي الديموقراطية في الإدارة، والعضوية الاختيارية المفتوحة، والمساواة، والشفافية، وهذا ما سارت عليه مجالس الإدارات السابقة، فقد أداروها بأمانة وصدق، كان جُل همهم خدمة أهالي مناطقهم، ولكن دوام الحال من المحال، بعد أن تسرّب إلى الجسم التعاوني أناس دخلاء على العمل التعاوني وعلى الأخلاق الكويتية، ليلوثوه وليعيثوا فيه فساداً.
كان النظام التعاوني مفخرة للكويت، ولكن بعض المنتسبين إليه انحرفوا به عن أغراضه النبيلة، ليحوّلوه إلى أداة للفساد والسرقات، وأصبحت الجمعيات التعاونية مرتعاً خصباً للطائفية والقبلية والحزبية، وبؤراً لصراع شرس على مجالس إداراتها، وتكالب غير مبرر ما لم يكن لمصالح مادية أو من أجل فرض هيمنة سياسية انتخابية على مناطق سكنية بعينها.
انتخابات الجمعيات التعاونية، والصراع على المناصب فيها لم يقتصرا على الفساد فقط، ولكنهما يتعديانه إلى أمور تمس أمن البلد ولحمته الوطنية، فمعظم انتخابات الجمعيات التعاونية تُخاض على أساس طائفي أو قبلي أو حزبي ضيق، وهذا أدى إلى توتر حقيقي في العلاقات بين أبناء المنطقة الواحدة، وأبناء الوطن الواحد كلما أقيمت انتخابات، مهما كان نوعها.