ريستارت للحياة: الشباب بين لغة جديدة... وقيم غائبة
لأن كل شيء قابل لإعادة التشغيل حتى نحن، ففي كل أسبوع، نأخذ لحظة تأمل نراجع فيها عادةً، أو فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها أم نضغط زر «ريستارت» ونبدأ من جديد؟
لم يعد المشهد الاجتماعي للشباب كما عرفناه، تغيرت اللغة حتى باتت أقرب إلى شيفرات، وتبدلت السلوكيات لتتجاوز حدود اللياقة والاحترام، وغاب عن الأفق التفكير بالمستقبل، وكأن الزمن اختُصر في لحظة عابرة لا تُرى أبعد من شاشة هاتف. إنها تحولات جذرية لم تأتِ مصادفة، بل كانت ثمرة مباشرة لهيمنة «السوشيال ميديا»، التي لم تعد مجرد أداة للتواصل بل صارت مصنعاً يعيد صياغة القيم، والاتجاهات، حتى الطموحات.
«جيل اليوم... جيل اليوم» عبارة يرددها المربون والأجيال السابقة بقلق، وهي تحمل خلفها إدراكاً عميقاً بأننا أمام فجوة تتسع بين الأجيال. فبين لغة لم تعد مفهومة، وانغماس في محتوى سطحي سريع، وتراجع لقيمة الاحترام، تترنح الأسس التي قامت عليها العلاقات الأسرية والاجتماعية لعقود طويلة. وحين يفقد الحوار بين الأجيال أرضيته المشتركة، يصبح التعايش أصعب، ويزداد القلق على مستقبل بلا بوصلة واضحة.
لم تعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل، بل أداة هوية وانتماء، يبتكر بها الشباب رموزهم الخاصة ليثبتوا وجودهم في عالم افتراضي سريع الإيقاع. لكن حين تفقد الكلمات معناها، يتحول الحوار إلى معركة مغلقة، ويغدو التواصل مشحوناً بالتوتر. وإذا أضيف إلى ذلك ضعف في احترام الآخر والاستهانة بالحدود الاجتماعية، فإننا أمام أزمة تربوية وثقافية تستحق التوقف.
لقد أعادت «السوشيال ميديا» توجيه الشباب بعمق. لم تعد المدرسة أو البيت أو الكتاب قدوة، بل أصبحوا يتغذون على مقاطع قصيرة وسريعة تصنعها خوارزميات لا تعبأ بالقيم بقدر ما تعبأ بتحقيق الانتشار، هكذا ظهر نمط جديد من التفكير يميل إلى الاستهلاك اللحظي بدلاً من التخطيط البعيد، وإلى الإبهار السطحي بدلاً من المعنى الحقيقي، بينما أخذت العلاقات الإنسانية الحقيقية تستبدل بتفاعل افتراضي هش.
إن هذه الظواهر ليست نزوة عابرة، بل تحولات خطيرة تستدعي وقفة واعية. فالمنع لن يجدي، والصدام سيزيد الفجوة، أما الحل فيكمن في وعي متبادل. على الأهل أن يدركوا أنهم لم يعودوا المصدر الوحيد للمعلومة، وأن دورهم تحول من «الآمر» إلى «المرشد» الذي يواكب أبناءه بلغة جديدة ويفهم عالمهم دون أن يتنازل عن الثوابت. وعلى الشباب أن يدركوا أن الحرية مسؤولية، وأن الكلمة عهد ومعنى، وأن احترام الآخر لا يقيدهم بل يرفع مكانتهم.
الشباب بحاجة إلى إعادة تشغيل علاقتهم بـ «السوشيال ميديا» ليس بإلغائها بل بترشيد استخدامها وتوجيهها لتكون وسيلة للتعلم والإبداع، لا مساحة للتشتت والضياع.
فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت» مع شبابنا، لا لنعيدهم إلى الماضي بل لنمنحهم لغة جديدة تستند إلى قيم راسخة، ونفتح أمامهم جسوراً تعيد للحوار معناه، وللحرية مسؤوليتها، وللأحلام أفقها الواسع. عندها فقط نصنع جيلاً يعيش الحاضر بوعي، ويشق طريق المستقبل بثقة واقتدار.
* إعلامية بحرينية