«إسرائيل الكبرى»... خطر على اليهود أيضاً؟
سابقاً كنا نقرأ عن «الفكر الصهيوني» و«إسرائيل الكبرى»، نحاول أن نعثر على ترجمة واقعية لتلك الأفكار، مع تطور الأوضاع السياسية وتغير الظروف والمعطيات، لم يعد السؤال أين هو المشروع الصهيوني أو «إسرائيل الكبرى».
ما كان تاريخياً بالأمس نعيشه اليوم، ونحن نتناقش مع السفير اللبناني د. بسام النعماني، عن واقع الحال، أرسل لي غلاف كتاب «إسرائيل الكبرى» للدكتور أسعد رزق والصادر منذ الستينيات للاطلاع عليه، وللتدليل على أن ما كان يقال ويكتب بالأمس بات حقيقة.
نحن على أبواب «العصر الصهيوني» إن لم نكن قد تم إدخالنا فيه، بوجود حاكم مثل نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف، يؤازره ويتناغم معه حاكم آخر يتربع على إدارة دولة عظمى هو ترامب.
تلاقى المشروع الصهيوني الذي وصل للديار العربية مع مشروع إدارة البيت الابيض اليمينية بترتيب «الشرق الأوسط» واللعب بخرائطه كما يتراءى لهما أنها «إسرائيل الكبرى».
الصهيونية كفكر سياسي أو كمشروع سياسي استيطاني غربي ليس خطراً فقط على المحيط الجغرافي العربي، بل خطر على اليهود أنفسهم، كيف يمكن ذلك؟
هذا ما سنعرضه وباختصار شديد في هذا المقال في كتاب عرضته صحيفة نيويورك تايمز قبل فترة بعنوان «جدي الأكبر البوندي» للكاتبة Molly Crabapple، روت قصة «جماعة البوند» من خلال لوحات عائلية قادت الكاتبة للتعرف على الجماعة التي انقرضت.
ظهرت «جماعة البوند» كحزب عام 1879 في ليتوانيا، وبلغ ذروته في الحربين العالميتين، حاربهم قيصر روسيا وتعرضوا للمذابح والمجازر على يد ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي.
عارضوا الصهيونية بشكل شرس، تمسكوا بهويتهم اليهودية ورفضوا بشكل قاطع إسرائيل كوطن قومي منفصل في فلسطين، وآمنوا بأن الشتات هو الوطن، وأن اليهود لا يمكنهم الهروب من مشاكلهم عبر سلب وطن الآخرين. لديهم عقيدة ثابتة (الوجود هنا)، أي أن لليهود الحق في العيش، وبحرية وكرامة حيثما وجدوا.
كانت العدو الحقيقي والأكبر للحركة الصهيونية، التي رأت أن موطن اليهود الحقيقي ليس في أوروبا الشرقية، بل في فلسطين.
كان «البوند» يرى أن إنشاء دولة يهودية جديدة لا يمكن أن يتم إلا فوق دماء الآخرين، وتوقعوا منذ زمن أن يؤدي ذلك لصراع دائم مع العرب ومع من سيتم تهجيرهم... وهذا ما جرى.
عقيدة «الوجود هنا» نشأت بين اليهود غير المتدينين في الشتات، تطالب بالحق بالبقاء أينما وجدوا، هؤلاء استمر وجودهم حتى الثمانينيات كشيء يشبه «نادي قدامى المحاربين».
انقرضت هذه الجماعة تقريباً وكل المجتمعات اليهودية التي شكلت عقيدتها تحت شعار «الوجود هنا».
تختم الكاتبة عرضها لهذا الكتاب بجملة مفيدة تقول فيها «البوندية بهويتها التي جمعت بين التعاطف والقوة الصلبة كالفولاذ، كانت الحركة التي أثبت التاريخ صوابها».