من صيد الخاطر: يَأكُلُ بالضِّرسِ الَّذي لَمْ يُخْلَقْ
«يَأكُلُ بالضِّرسِ الَّذي لَمْ يُخْلَقْ»، مثل عربي قديم وغريب، فهو يُضرب فيمن يُحب أن يُحْمَدَ من غير إحسان، أي فيمن يريد أن يمدحه الناس بما لا يستحقه.
الله سبحانه قال عن هؤلاء في محكم كتابه: «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تحْسَبنّهم بمَفازَةٍ من العَذابِ وَلَهُم عَذابٌ أليمٌ»، ورسولنا عليه السلام قال: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثَوبَيْ زورٍ».
وقيل لمتعطشي المديح: إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك، فإذا مدحت فامدح بصدق، ولا تبالغ، وإلا فسيرى الناس أنها سخرية بهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «احثُوا في وجوه المدَّاحينَ التُّرابَ».
وقال مالك بن أنس فيمن يمدح نفسه: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب بهاؤه، فإذا كان الذي يمدح نفسه بما فيه يذهب بهاؤه، فكيف بمَن يمدح نفسه بما ليس فيه؟ وسُئِل حكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً؟ قال مدح الرجل نفسه.
فما أكثر هذه النوعية من البشر الذين يعتقدون في أنفسهم العَظَمة، ويمشون بين الناس في خيلاء، لا تكاد الأرض تسعهم، وهم في حقيقة أمرهم لا يساوون «شروى نقير».
وعندما يقال لأحد إنه لا يساوي «شروى نقير» فهذا يعني أنه تافه لا يساوي حتى حبة خردل، و«النقير» يساوي ستة «قطميرات»، وهو من المكاييل والموازين الشرعية المعتمدة قديماً حتى أنه ورد ذكره في القرآن، و«النقير» هو النتوء الصغير البارز من أعلى النواة الذي تنبت منه النخلة، أما القطمير فهو الغشاء الشفاف الخفيف جداً الذي يغطي النواة.
فالتشبيه بالنقير يدل على ضآلة وحقارة من شُبِّه به، وقد وردت لفظة النقير في القرآن الكريم مرتين، وكلتاهما في سورة النساء. قال الله تعالى: «أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا»، وقال: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا».
أما المتنبي فذكر النقير قائلاً:
فَقُلْ في حاجةٍ لم أقْضِ مِنها
على شَغَفي بها شَرْوَى نَقِير