بين «العربية» و«الفارسية» تآمر أم تكامل؟
علاقتي باللغة الفارسية مثل علاقتي باللغة العبرية، فلا أنا أُجيدها، وليس لي صِلة بها.
وجدت في كتاب «العربية ودورها في إثراء اللغة الفارسية» ما يُعطي صورةً عن تأثير العروبة والإسلام في الثقافة الفارسية.
وفق الإحصاءات المتداولة هناك 110 ملايين شخص يتحدَّثون الفارسية، مقابل 295 مليون شخص يتحدَّثون العربية. إذن، فاللغتان العربية والفارسية تتبادلان التأثير المشترك، سواء بفعل الدِّين أو الجوار الجغرافي.
معلومة إضافية قد تساعد في فهم المُراد من الكتابة عن هذا الموضوع، توجد خمسة آلاف كلمة معرَّبة من الفارسية إلى اللغة العربية اعتماداً على كتاب د. جهينة نصر بعنوان «الكلمات الفارسية في معاجم العربية»، وهو ما يؤكده أحد الأكاديميين الإيرانيين، ويُدعى د. غلام رضا، بقوله: «إن أكثر من 50 في المئة من اللغة الفارسية مشتقة من اللغة العربية»، في حين أن مجمع اللغة العربية أحصى وجود 56 في المئة من مفردات اللغة الفارسية من أصل عربي.
في مقدمة الكتاب وصف لذلك التمازج بين اللغتين، باعتبار أن العربية تنتمي إلى شجرة اللغات السامية، والفارسية من مجموعة اللغات الهندو– أوروبية، وهذا ما جعل من الصعب تصنيفها من عائلتين مختلفتين، وهو ما يُطلق عليه في الأدب المقارن بالمحاكاة.
هذا يقودنا للولوج إلى ما أنتجته الحضارتان الفارسية والعربية أيضاً من قيمة معرفية ترامت على الضفتين لمنطقة الخليج العربي، فلا تستطيع الحضارات العظيمة في منطقتنا، من دون استثناء، أن تتجاهل بعضها بعضاً، وإن تناطحت عبر بوابات الهيمنة والنفوذ، وبأدوات سياسية وعسكرية عنوانها توسيع مراكز السيطرة والاستحواذ على الثروات والشعوب معاً.
الحضارة الفارسية، وبعكس ما يستخف به البعض، وينعت الآخر بكونه من الفرس، وكأنها شتيمة، كانت هذه الحضارة إحدى أقوى الإمبراطوريات في الشرق القديم سادت المنطقة قبل العصر الإسلامي، وتأسست عام 550 ق.م، وديانتها الزرادشتية.
التلاقي بين الحضارتين، العربية والفارسية، لم يأتِ من فراغ، بل حصل على مدى عقود من مساهمات وإشراكات متبادلة، ومن الطرفين بنقل العلوم والاختراعات.
السياسة أفسدت تلك العلاقة، وحوَّلتها إلى منصة لإعلاء خطابات الكراهية والعداء، وعملت على الخلط بين الثقافة والدِّين والمصالح، بحيث اختلط الحابل بالنابل، وبتنا أسرى لخطابات عنصرية متعصبة من البعض، ومن الطرفين، فقد سادت لغة استعلائية فيها الكثير من الانحطاط والفوقية، وهذا التيار يجد أرضية خصبة له على الضفتين... بعد انعدام لغة المصالح المشتركة واحترام الآخر، وارتفاع منسوب الخطاب العدائي والتحريضي.