التنوّع وعدم التكرار... «وصفة» المخرجين للتميُّز

نشر في 29-08-2015
آخر تحديث 29-08-2015 | 00:01
تختلف الأعمال التي يقدمها المخرجون عبر مسيرتهم الفنية، ويسعى كل منهم إلى إضفاء بصمة خاصة تجنبه تكرار نفسه وتوفر له مكانة لدى المشاهدين، فينتظرون أعماله ويقبلون على مشاهدتها، في المقابل يسعى الكتاب والممثلون إلى التعاون معه نظراً إلى قدرته في تحقيق عمل درامي أو سينمائي بأسلوب مختلف لا يشبه غيره وبنمط متجدد، يعرف كيف يتعامل مع الصورة والمشهد ويخرج أفضل ما لدى الممثل من أداء. {الجريدة} استطلعت آراء المخرجين حول كيفية تحقيقهم التميز وسجلت الانطباعات التالية.
خروج على المألوف

غافل فاضل

يعتقد المخرج غافل فاضل بأن الشخصيات تعتمد بالدرجة الأولى على كاتب النص الدرامي، فهو الذي يحدد ملامحها، وفي بعض الأحيان يكون المخرج ملزما بألا يخرج عن إطار الشخصية إلا بعد اتفاقه مع الكاتب في تغييرها أو حذفها من العمل الفني أيا كان نوعه.

يضيف: {ثمة أمور يجب الاتفاق عليها، فحينما يطلب الكاتب من المخرج أن يتصرف حسب رؤيته الإخراجية، يسند المخرج تلك الشخصية إلى ممثل لديه قدرة على  تجسيدها بأسلوب مختلف، حتى وإن كانت  طريقة حوارها وأدائها نمطية، فالممثل يضيف نكهة بحسه الفني وقدراته الإبداعية على تلك الشخصية ويمنحها نمطاً وأبعاداً مختلفة تجذب المشاهد عند مشاهدة العمل.

يتابع أنه أضاف تعديلات على شخصيات نمطية في الأعمال التي أشرف على إخراجها، ولاقت استحساناً من المتابعين.

يوضح أنه في بعض الأحيان إذا كانت الشخصية غير مجدية ولا تؤثر على العمل يحذفها من النص أو يخفف من وجودها وحواراتها، فلا تؤثر على العمل وأداء المجموعة عموماً، ويكون ذلك بالاتفاق مع الكاتب. وأعطى فاضل ملاحظة مهمة في نهاية حديثه وهي أن النص هو الذي يحدد الأماكن.

محمد دحام

يؤكد المخرج  محمد دحام الشمري أنه في حال كانت ثمة نمطية في الأدوار يحاول أن يغير المعتاد، خصوصا أن بعض الممثلين تميزوا وعرفوا ببعض الأدوار مثل أدوار الشر، والفتى الرومنسي العاطفي.

 يضيف أنه في مسلسل {عرس الدم} غير أسلوب الفنان عبدالمحسن النمر الذي عرف بأدوار رومنسية، فكسر كمخرج شخصيته التي عرف فيها وأدى دور الشر. يضيف أنه  في بعض الأحيان يقلّد الكتّاب بعضهم البعض خصوصا إذا نجح عمل ولاقى أصداء، فيتجهون إلى البناء الدرامي نفسه، {كمخرج أجري تغييراً على ذلك  من خلال تغير بعض الأحداث، وإخراج مشهد معين بشكل مختلف، وكثيراً ما تمر علي مشاهد مشابهة مثل الأعراس، قتل أو حوادث،  ففي كل مرة أحاول أن أنفذها بتصور ورؤية مختلفة عن السابقة}.

حول الإضافات التي حققها كمخرج في الأعمال يقول: {في العمل الأخير  مسلسل {في أمل} للكاتبة أنفال الدويسان، أضفت على شخصيتين أو ثلاث ارتداء الحجاب  وغيّرت بعض التفاصيل كالتصرفات، لم تكن واردة في النص، ويعود السبب إلى أنني كمخرج أرى أن سيدات كثيرات يرتدين الحجاب}.

يتابع أنه عندما ناقش  الدويسان بشأن هذه الإضافة لم تعارض وتقبلتها برحابة صدر،  معتبرة أنها لن تؤثر على الشخصية  بل  تعطيها عمقاً وواقعية.

علي العلي

يؤكد المخرج علي العلي أن الرؤى الإخراجية تحرر  العمل من نمطية الشخصيات. يضيف: {تمتلك كل شخصية باعثاً درامياً لكل ردة فعل، ومن المستحيل أن نجد شخصيات، في أي عمل فني، متشابهة ومثال على ذلك، مفهوم اليأس يؤخذ من جوانب عدة منها أن يكون المرء يائساً بسبب الفقر، أو لأنه لم ينجز تحصيله الدراسي، أو بسبب أزمة عاطفية ألمت به، وإذا نظرنا إلى تلك المفاهيم من ناحية فنية فإنها تترجم باختلاف باعثها الدرامي وظروفها الاجتماعية ، ولا ننسى أيضا أنها تعتمد على حس الممثل الذي يؤدي الدور}.

يتابع: {على  المؤلف أن يدرك أنه وقت تنفيذ العمل يتوجب ترميم النص ليخرج في النهاية كعمل درامي أو مسرحي أو سينمائي يلاقى استحسان المشاهد}.

يشير إلى أن مسرحية {هاملت} جسدت عشرات المرات من خلال رؤى إخراجية متفاوتة، لاقى  بعضها النجاح حسب رؤية المخرج،  محذراً من وجود شخصيتين على نفس النمط في العمل الدرامي، إلا إذا كانت رؤية العمل تستوجب ذلك، لافتاً إلى أن ذلك نادراً ما يحدث.

نضج وخبرة...

بيروت - ربيع عواد

رندلى قديح

كل أغنية تخرجها رندلى قديح تشعرها بإحساس جديد، ويؤثر شعورها بالسعادة أو بالحزن خلال التحضير للكليب على أجوائه.

تضيف: {لا يمكنني تقديم أي صورة تشبه ما قدّمته سابقاً، لذا ألاحق رغبتي بتنفيذ تجارب جديدة وغريبة، وهذا منوط، طبعاً، بشخصية الفنان وقدرته على الذهاب إلى حدّ الجنون والتميّز}.

تهوى التعبير بإحساس درامي عندما تكون الأغنية رومنسية، أو الذهاب إلى حد الجنون والاستعراض وتوضح: {هذا ما حصل  في كليبي {نورهان} و}أنور الأمير} إذ أعبّر بأسلوب أجنبي مرتكزة إلى مؤثرات مشهدية خاصة، تعكس قدراتي التقنية الإخراجية.

تعتبر أن الذكاء يكمن في ابتكار طريقة تدعم الصورة والأغنية بغض النظر عما إذا كان الكليب قصة قصيرة أو استعراضاً، لأن مهمتها  تكمن في تقديم صورة تتخطى جمالية الأغنية ليتذكّر الجمهور مشاهد الكليب ما إن يسمع الأغنية.

ميرنا خياط

تنتهج ميرنا خياط خطّاً كلاسيكياً في الأغنيات التي تخرجها، وهو الأصعب، بحسب رأيها، لافتقاده إلى الجنون وإلى مقولة «خالف تعرف»، وهما عنصران  يجذبان المشاهد سريعاً. تضيف:  {رسمت هوية خاصّة بي، وحافظت على روح واحدة في أعمالي، لكن بألوان مختلفة وأشكال متنوعة، لذلك أنا سعيدة لأني لم أخذل الجمهور بالأعمال التي قدمتها لغاية اليوم}. لا تسعى في أعمالها إلى  {عرض عضلاتها} بل إلى إيصال فكرة جميلة سهلة وراقية إلى المتلقي، لذلك تستخدم تقنيات حديثة  بشكل مبطّن وتصبّ في مصلحة العمل ككل.

تتابع: {لا استعمل الفنان كحقل تجارب لي بل أكون مسؤولة أمامه وأتحمّل بمفردي فشل الكليب ونجاحه. أشبّه الكليب الكلاسيكي بالسمفونية الكلاسيكية التي تستغرق وقتاً ليفهمها المشاهد لكنها تبقى في ذهنه دائماً. لم أنجرّ وراء الموضة ولا أعترف بالحجة التي يستخدمها بعض المخرجين لتبرير فشله ومفادها أن الجمهور يريد أعمالا سطحية}.

إنجي الجمال

ترى إنجي الجمّال أن المخرج يمتلك مخزوناً من الأفكار التي تتغير وتتبدل مع الخبرة والنضوح والاطلاع، بالتالي يمكنه التنويع من دون تكرار نفسه، وتقول: «لأن الفن مزيج من إحساس الفنان وثقافته وشخصيته، فإن أعماله تتغير مع شخصيته وأحاسيسه، لذلك ستكون أعمالي المقبلة مختلفة عن الراهنة مثلما اختلفت أعمالي الراهنة عن أعمالي السابقة.}

لا تسعى إلى تحقيق بصمة واحدة لأن لكل فنان خصوصيته. أمّا إذا كان التعاون مستمراً مع الفنان نفسه، فتتحدى ذاتها لتقديم عمل جديد يتميز بخصوصية مختلفة، لا سيما أن لكل أغنية جمهورها الخاص، لافتة إلى أنها تتحدى ذاتها لتقديم كليب يعبّر عن مضمون الأغنية، {لأنها مصدر وحيي الدائم، كذلك لا أحب الفصل بين الأغنية والصورة، فعندما أبلغ هذه المرحلة أكون قد فشلت في مهنتي}.

جاد شويري

الوقوع في التكرار أمر مرفوض، بالنسبة إلى جاد شويري، ذلك أن التنوّع واضح في أعماله إلا أنه أصبح أكثر حذراً في طرح المواضيع.

يضيف: «حين أعمل على مزاجي آخذ في الاعتبار أهواء الناس والمجتمع الذي أتوجّه إليه،  لكن من دون تنازل عن أفكاري التي أؤمن بها خصوصاً في الغناء. أريد أن يحبني الناس كما أنا، وأرفض وضع أقنعة، بل البقاء على حقيقتي حتى لو أحبتني فئة بسيطة، من أن اتصنع أموراً لست مقتنعا بها حتى لو استقطبت إلي جمهوراً كبيراً».

حول المعايير التي يعتمدها في إخراج أي أغنية يتابع:» لا اتكّل على اسم النجم لنجاح الكليب، بل أعمل على أن يشكل الكليب نقلة نوعية وإضافة للفنان. كذلك أتعرف إلى شخصية الفنان وأغوص في داخله لأقدّم عملا يشبهه، ولا أخرجه من هويته. ثم من يريد أن يعمل معي اليوم عليه أن يقتنع بشخصيتي وحرفيتي وقدرتي على تقديم عمل مناسب له».

تدقيق  وتجديد

القاهرة – بهاء عمر

يرى أحمد الجندي أن المخرج، على غرار الممثل، يستطيع أن يغير جلده ويدخل عنصر التنوع على أعماله، سواء التلفزيونية أو السينمائية، حتى لا يصاب المشاهد بالملل، من خلال  التجديد في محتوى العمل الفني ككل، بين الأكشن والرومنسي والقصص الدرامية.

يضيف: {يتطلّب كل عمل درامي، على اختلاف محتواه، طريقة تمثيل يدركها أولا المخرج قبل اطلاع الممثل عليها، كذلك  البحث عن أماكن تصوير جديدة كي لا يشعر المشاهد بتكرار المشهد من عمل فني إلى آخر}.

يلفت إلى تجربته في مسلسل {الكبير أوي} بأجزائه المختلفة، والذي شكل نقلة  نوعية له، في حال قورنت بأولى تجاربه في إخراج سيت كوم {أحمد أتجوز منى} و{اتش دبور}.

يتابع أن استحداث طرق وزوايا تصوير جديدة تتماشى مع كل عمل فني بطبيعته الخاصة، يحدث نوعاً من التغيير والتجديد في المحتوى الذي يقدمه المخرج، فيستطيع بذلك تطوير أدواته أولا بأول، وإدخال التنوع في كل عمل فني ينفذه.

تمرّد ومغامرة

لطالما صنّف إسماعيل فاروق كمخرج لأفلام العشوئيات، بعد  «عبده موته» مع محمد رمضان و{النبطشي» مع محمود عبد المغني، إلا أنه بتقديمه لفيلم «الخلبوص» المعروض حالياً في  دور العرض (بطولة محمد رجب)، تمرّد على الصورة السائدة عنه كمخرج، رغم إعجابه بتجاربه السابقة وإيمانه بها.  

يضيف: «الفن بذاته قائم على المغامرة والإبداع، بالتالي  يبرز عمل المخرج بالدرجة الأولى في محاولة إبهار المشاهد»، مؤكداً أن الفنان الحقيقي، في مراحله الأولى، يجب الا يُصنّف، سواء كان مخرجاً أو ممثلاً، حتى يدخل مرحلة الاحتراف وتكون له بصمته الخاصة بتقنياته في التصوير والصوت، وحرفية  الحبكة الدرامية والمونتاج، بغض النظر عن القصة التي يتم تقديمها على الشاشة.

 بدوره يوضح ياسر زايد أن كل عمل فني هو جزء من روح صناعه، وبالتالي يجب أن يكون مميزاً في بصماته، مشيراً إلى هوس المخرجين بالتفاصيل سواء على مستوى الموسيقى التصويرية وملاءمتها لطبيعة العمل، أو التفاصيل الدقيقة للديكور أو حتى التتر الخاص بالعمل، كونها علامات يمكن أن يظهر المخرج شخصيته، من خلالها.

يضيف: «منذ بداية التحضير للعمل الفني، يجب أن يحرص  المخرج على أن تكون ثمة إضافة لمشواره الفني»، مشيراً إلى أنه ظل بعيداً عن الأعمال الكوميدية،  بفعل شخصيته الجادة، «مثلا في مسلسل  «هبة رجل الغراب» خضت تحدياً على مستويين شخصي وفني، فقد كانت التجربة الأولى لي في «سيت كوم»، فضلاً عن أن الفكرة كانت مستوحاة من عمل أجنبي، وكان يجب تقديمها بصورة ملائمة للعرض العربي والمصري».

يتابع: «خلال الموسم الرمضاني الماضي،  قدمت «يا أنا ياننتي»، مسلسل كوميدي، لكنه بعيد عن فكرة  الـ «سيت كوم»، وفي الحالة الأحدث أضفت لمسات خاصة، مثل الشكل المميز الذي ظهرت من خلاله بطلتا العمل فيفي عبده وسمية الخشاب، اللتين  شاركتا كثنائي في أعمال سابقة، ما زاد عبء خروجهما إلى المتفرج في شكل جديد، وأعتقد أنني نجحت في ذلك».

مواكبة التكنولوجيا

التنوع من أهم مقومات وجود مخرج ناجح، برأي أحمد شفيق،  وذلك داخل الوسط الفني المزدحم بوسائل تكنولوجية تضفي على العمل، سواء التلفزيوني أو السينمائي، أساليب إثارة  لجذب الانتباه، «كل ذلك لا بد من أن يواكبه المخرج بوسائل تنوع تكتيكية مع المحافظة على الثوابت الأساسية لفكرة الإخراج عموماً».

يضيف: «استحدث  مخرجون  كثر زوايا تصوير جديدة جعلت العمل الفني أكثر حرفية وتناسبت مع التطور الذي طرأ على الصناعة ككل، في السنوات العشر الأخيرة، ما أحدث نوعاً من التجديد والتنوع على طريقة إخراج العمل الفني، حتى أن البعض ظهر بشكل جديد في أسلوب إخراجه يختلف عن أعماله السابقة، فساد اعتقاد بأن المخرجين «غيروا جلدهم» في أعمالهم الأخيرة».

back to top