{الضابط} في السينما... أسير السياسة والمجتمع

نشر في 30-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 30-06-2015 | 00:01
No Image Caption
الرجل الصالح، صاحب النفوذ، الوطني، المستبد، كلها قوالب فنية عبرت عن {الضابط} في السينما المصرية، والتي وفقاً للنقاد تقيدت بعدد من المعايير المجتمعية والظروف السياسية.
يقول المنتج السينمائي محسن علم الدين إن ثمة تغيرات واضحة في تناول السينما لشكل {الضابط}: {أرى أن سببها يرجع إلى {السياق السياسي} من ناحية، وعيون المجتمع من ناحية أخرى، وكلاهما لا ينفصل عن الآخر، إذ تحكمت السياسة في صورة الضباط وهو ما ظهر خلال تجسيد فترة السبعينيات وإجراء تغيرات ضخمة بين قيادات الداخلية ضمن حركة القضاء على مراكز القوى، ليظهر فيلم {زوجة رجل مهم} راصداً رجل الشرطة القوي بعدما أصبح رجلاً عادياً تم إقصاؤه وتجريده من نفوذه، ولم تر الدولة حينها مشكلة في عرضه بل تعالت أصوات بتدريسه في أكاديميات الشرطة}.

يتابع: {أما عن تجسيد الضابط وفقاً لهوى المجتمع، في الخمسينيات أظهرت غالبية الأعمال ضابط الشرطة كرجل يعلو من مصلحة المواطن قبل كل شيء، وكان الناس حينها يحفظون للشرطة موقفها بعد حصار القوات الإنكليزية لمبنى مديرية الإسماعيلية، وصمود {الشرطة} حينها، ما عكسته جيداً {السينما} آنذاك}.

ويتذكر علم الدين أيضاً فيلم {الاختيار} الذي يمثل شكلاً مختلفاً تماماً للشرطي، الذي ظهر بشكل {حكيم} للغاية، وقادر على حل الألغاز والأزمات من حوله، وعرف الضابط المحقق في الفيلم بـ{شيرلوك هولمز}، الذي تعقب أحد نجوم المجتمع وهو أديب وكاتب نجح الشرطي في التحقق من أنه قاتل شقيقه، وكانت حينها {الحكمة} صفة يبحث عنها المشاهدون في أبطالهم السينمائيين.

وبالنظر إلى معايير فنية بحتة، يرى الناقد كمال رمزي أنه ليست ثمة تغيرات على مستوى طريقة التصوير أو تسلسل الأحداث أو العقدة أو الرؤية قد أصابت شكل الضابط، لأنها تعد {مهنة} أولاً وأخيراً يحكمها شكل ثابت ومواصفات شبه مشتركة بين كل من قدموها، مشيراً إلى أن صورة الضابط دون أية تصنيفات سياسية قد اختلفت قديماً عنها في أيامنا هذه.

ويؤكد المعنى السابق قائلاً إنه بالمقارنة البسيطة بين فترات قديمة وأخرى معاصرة، سنجد أن الضابط قديماً لم يكن يجرؤ على الوقوف ضد عموم المواطنين بالصورة الفجة حالياً، وأنه قديماً كان من الممكن أن يتم الاعتماد على الشرطي الفكاهي كالشويش عطية، أو ضباط يصنعون المفارقات المضحكة في أفلام فؤاد المهندس. لكن راهناً تشير نماذج الضباط في {حين ميسرة} مثلاً و{هي فوضى} إلى حجم التطور {السلبي} الذي أصاب صورة الضباط في السينما.

ويتابع: {كنا قديماً نحفظ الجملة الأثيرة لـ{حكمدار العاصمة} في ندائه للحفاظ على روح أحد المواطنين من السم القاتل، ولكن في الأفلام الراهنة تصدمنا صورة الضابط في {حين ميسرة} مثلاً والتي يجسدها سامح الصريطي الذي يقول لمرؤوسه الضابط أحمد سعيد عبد الغني: الدولة مالهاش كرامة الدولة لها هيبة، ولازم تحافظ عليها. كذلك رأينا أمين الشرطة {حاتم} في {هي فوضى} الذي قال: اللي مالوش خير في حاتم مالوش خير في مصر. وهي معالجات تكشف جميعها عن الفجوة الواسعة بين صورة الضابط قديماً وحديثاً.

ويختتم بأن أعمالاً أخرى قد تكسر القاعدة السابقة ولكن لا تشكلها أو تعبر عنها عموماً، فـ{البريء} أظهر الضابط المستبد وهو فيلم قديم نسبياً، في حين {الباشا تلميذ} أظهر انحياز الضابط أولاً إلى الطلاب ومصلحتهم، وبراعته في مطاردة الأشرار وتجار المخدرات وهو فيلم حديث.

صورة متقلبة

ويقول الناقد طارق الشناوي إن شخصية الضابط شأنها كباقي التيمات السينمائية التي تتعرَّض للتناول المختلف عبر العصور المتلاحقة، ووثيقة الصلة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية المختلفة، والأكيد أنها شخصية طاعنة في القدم تمت معالجتها سينمائياً منذ العصور الملكية، وهي صورة سينمائية متقلبة.

ويضيف أن السينما أظهرت عدداً مختلفاً من الجوانب في حياة الضابط اليومية، فهو القاسي والصارم والإنسان المسؤول وعضو الأسرة وذراع الدولة وهكذا، و{لا أرى أن الشخصية تعرضت {للتطور} بقدر ما تعرضت {للتنوع}، إذ شاهدنا في {حياة أو موت} بالخمسينيات الضابط الإيجابي بدوره الحاسم، وفي الثمانينيات {زوجة رجل مهم} حيث الجوانب العاطفية والرومانسية رغم أخرى سلبية، كذلك أظهر {المصلحة} الضابط مكافحاً للجريمة وعضو أسرة يثأر لأخيه من المجرمين.

واختتم حديثه بأن شخصية الضابط دون غيرها من {التيمات} كالفلاح أو المدرس أو العامل، يجب أن تقترن بوضعية الضابط في الحقيقة، ففي أحيان كثيرة يلتزم المخرج بمجموعة أمور تقيده ولا تسمح له بإظهار تركيبة للضابط تجعل المجرمين يستخفون به أو تعزز الشحن النفسي ضده في المجتمع، وهي أمور لا بد من أن تراعى فنياً في النص والإخراج والحبكة، عند التعرض لشخصية الضابط.

شخصية كوميدية

تقول الناقدة خيرية البشلاوي إن شخصية الضابط ظهرت بأوجه عدة، متحدثة عما أسمته {صرامة الظهور}، لأن شخصية {الشرطي} ظهرت بشكل كوميدي في أعمال عدة أبرزها: {الباشا تلميذ} و{اللي بالي بالك} و{نمس بوند} و{أسد و4 قطط}، أو الكلاسيكيات القديمة مثل {أخطر رجل في العالم} الذي طارد {مستر إكس} في سياق من المفارقات والمواقف الضاحكة، ولا ننسى شخصيات {الشاويش عطية}.

وعن التحولات في شخصية الضابط ترجع البشلاوي ذلك إلى أمرين أساسيين {التاريخ السياسي} و{وعي المشاهد}. في الأول، ظهر الضابط في {رد قلبي} مختلفاً عنه في {النمر والأنثى} أو في {هي فوضى}، وهي صورة ساهم في تشكيلها {التوجه السياسي} للبلاد. في الثاني، حال استقبال المشاهدين للمادة الفيلمية ودرجة وعيهم بما يعرض عليهم، دون استمرار شكل الضابط في هيئة الحامي والحارس للمواطنين، ليظهر في كثير من الأوجه كالمستبد أو الرقيب أو حتى المرتشي.

المخرج محمد سامي يرى على العكس تماماً أن {النمطية} طغت على التناول السينمائي لشخصية الضابط، فبالمقارنة بباقي المضامين التي تعرَّضت لها السينما والتي شهدت تطوراً ملموساً، أصيبت شخصية الضابط بالانطباعات الجاهزة ووقعت في فخ {التعميم} غالباً، ووقف كثير من الفترات السينمائية عند التركيز على {الضابط الشرير}، وتمت شيطنة هذه الشخصية في فترات سياسية لا علاقة لها ببعضها.

ويقول سامي إنه لا يدافع عن هذه الفئة وطرحها سينمائياً وإنما يرى أن السينما افتقدت {التوازن} في التعامل مع الضباط سينمائياً باستعراض مجمل الأعمال التي قدمتهم، محذراً من تغليب توجه الرأي العام على الأعمال السينمائية وتفصيلها على مقاس ما يعجب الجمهور، في مقابل إغفال دور السينما بعكس الواقع من دون تحيز فاضح.

back to top