العراق في مرحلة ما بعد سقوط صدام (3-12) تأسيس النظام الجديد: من مجلس الحكم المعطوب والدستور المُستعجل إلى المحاصصة وفوضى التشرذم

نشر في 10-02-2015
آخر تحديث 10-02-2015 | 00:01
يعد سقوط نظام صدام حسين في العراق محطة تاريخية مفصلية في المنطقة، ومن هذا المنطلق تنشر «الجريدة»، صفحات كتبها وفيق السامرائي رئيس جهاز الاستخبارات في عهد صدام، عن رؤيته للأحداث منذ سقوط بغداد، وصولاً إلى الحرب الأخيرة على «داعش»، لمنح القارئ فرصة فريدة للاطلاع على الأحداث من زاوية شخصية مطلعة، لفهم أوضح للماضي وتشريح أدق للحاضر، وقابلية لاستشراف المستقبل، وفي ما يلي الحلقة الثالثة من هذه المذكرات القيمة:
على الرغم من أن قصة إسقاط النظام أصبحت مطروحة في الدوائر الأميركية ومراكز الدراسات منذ غزو الكويت وما تلاه من قرارات دولية، وصدور قانون تحرير العراق في أميركا عام 1998، والترويج لذلك، فلم يجر التحرك جديا في هذا المجال، وبقيت كل المشاريع صورية إلى حد كبير، وجرى ترجيح فلسفة سياسة الاحتواء التي تبناها الرئيس بيل كلينتون، والتي لو تعامل معها صدام بطريقة واقعية لكنا نشاهده اليوم رئيسا بلا قيود.

 وفي ظل غياب الجدية، بقي المسؤولون الأميركيون يدورون في مجال محدد من النشاطات تتوازن وطبيعة عمليات التصعيد والركود التي شهدتها طريقة التعامل في مجال أسلحة الدمار الشامل، وعمليات الشد والجذب بين النظام من طرف ومجلس الأمن ومفتشيه من طرف آخر. وكنا في المعارضة نتابع الوضع عن كثب على أمل الضغط الاستراتيجي على النظام لتوفير ظروف أفضل لتخليص النظام منه. ولم تغب عنا التناقضات وتباينات الرؤى بين أقطاب السياسة الأميركية وبسبب المصالح الدولية المتناقضة.

دأب السياسيون الأميركيون على لقاء المعارضين العراقيين بكل أطيافهم، ولم يتركوا أحدا إلا التقوه، وخصوصا الشخصيات البارزة سياسيا وإعلاميا، ودعموا جهات محددة منهم، مثل المؤتمر الوطني العراقي، وحركة الوفاق الوطني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ماديا ومعنويا وسياسيا، فضلا عن تنظيمات وشخصيات معنوية أخرى. وبعد هجمات سبتمبر 2001 أصبح قرار إسقاط نظام صدام حتميا، وكثف الأميركيون تحركاتهم، فشددوا اتصالاتهم بالمعارضة، وتفاعلت التحركات في لندن، وأجرت الخارجية البريطانية سلسلة من اللقاءات الواقعية الهادئة وفق سياسة عقلانية وعلمية.

وأخيرا عقد في لندن أحد أهم مؤتمرات المعارضة في ديسمبر 2002، بتحضيرات أميركية كبيرة وجرى تشكيل لجنة متابعة وتنسيق مؤلفة من 65 شخصية من أبرز المعارضين لتعتبر واجهة للنشاطات السياسية للفترة المقبلة.

وبعد إسقاط النظام، تغيرت المعادلات والتصرفات الأميركية، وجرى التفرد إلى حد كبير في صياغة المواقف كقوة احتلال، وتمت إعادة تشغيل الوزارات بتعيين مستشارين من خارج العراق، جرى ترشيحهم مسبقا خارج أطر لجنة المتابعة والتنسيق، وكان أبرز عمل سياسي بعد الحرب تعيين بول بريمر مبعوثا رئاسيا إلى العراق، ليصبح حاكما مدنيا في بلد مضطرب يوم 9 مايو 2003، خلفا للجنرال غارنر، وليتمتع بصلاحيات مفتوحة لسلطة الائتلاف، إلا أن القوات الأميركية وقوات التحالف الأخرى بقيت خارج سيطرته ونفوذه.

 في يوم 16 مايو 2003 أصدر الحاكم المدني بول بريمر قرارا يقضي باجتثاث «البعث»، وكان متحمسا للفكرة، مستندا إلى توجيه من الرئيس جورج بوش بالتنفيذ، حتى إذا كان على حساب الكفاءة الإدارية، وهو ما ذكره شخصيا.

وفي يوم 23 مايو 2003 وقع بول بريمر الأمر الثاني الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة بـ (حل الكيانات)، وتشمل التسمية وزارة الدفاع والوزارات ذات الصلة بالأمن الوطني والتشكيلات العسكرية وفدائيي صدام وقوات الحرس الجمهوري وقوات الحرس الخاص..، وسنأتي إلى هذا الموضوع لاحقا لأهميته الخاصة. وهكذا جرى الدخول في صلب فلسفة النظام الجديد.

مجلس الحكم وتوالي المؤسسات

قررت سلطة الائتلاف تشكيل مجلس الحكم يوم 12 يوليو 2003 ليمارس أعماله حتى يوم 1 يونيو 2004، ليصار بعده تشكيل حكومة عراقية مؤقتة. وجعل القرار رئاسة المجلس دورية بين أعضائه لمدة شهر واحد، وضم تمثيلا لما سمي بمكونات الشعب العراقي على أسس طائفية وعرقية وهامش علماني بسيط. وكان التمثيل العربي السني ضعيفا للغاية. فباستثناء عدنان الباجه جي، الشخصية السياسية والدبلوماسية المعروفة، كان الاختيار ضعيفا، ومنهم شخصية قديمة (نصير الجادرجي) لا تمتلك أي تأثير سياسي أو حزبي أو معنوي، وفسر الاختيار على أنه إضعاف متعمد لواجهات وطنية، ودليل على تخبط الإدارة الأميركية والحاكم المدني في العراق، والدليل على هذا التوصيف هو أن هذه الشخصيات لم تترك بصمة ولا وجود لها حاليا، حتى من الناحية المعنوية والرمزية. وكان هذا خطأ ساهم فيه قسم من الكرد وقسم من الشيعة في اختيار شخصيات سنية ضعيفة. وليس المطلوب سنة مشاكسين بل نشطين متفاعلين.

 أعقب مجلس الحكم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي، رئيس حركة الوفاق الوطني المعارض البارز للنظام السابق، وحكومة أخرى لنفس الفترة تقريبا برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري مسؤول حزب الدعوة، ثم جرت انتخابات شاملة وتشكيل حكومة دائمة برئاسة الدكتور نوري المالكي بعد اصدار الدستور والتصويت عليه.

كل شيء ممكن تقبل مراحله وتنظيمه عدا نهج التفكيك الطائفي والعرقي وقصص الفساد، التي بدأت مع أول مؤسسة وتشكيلة حكومة، فقد بدأنا نسمع عن فساد بمليارات الدولارات في وزارات الدفاع والداخلية والكهرباء، وهي الوزارات التي كان البلد في أمسّ الحاجة إلى إعادة بنائها وتأهيلها. فقوات الأمن كلها قد تم حلها، والطاقة الكهربائية في عموم العراق عدا كردستان، لم تعد تكفي لسد حاجة مدينة صغيرة، والمحاصصة بدأت تدخل جزئيات الحياة، والعنف بدأ ينتشر بصورة سريعة وخطيرة.

إقرار الدستور

كل السياسيين يتحدثون عن ضرورة الالتزام بالدستور عندما يتوافق مع مصالحهم، وكل يفسره طبقا لمستوى مصالحه وأهدافه، ومعظم العراقيين يتحدثون عن نواقص وهفوات وأخطاء كبيرة في الدستور، عدا الكرد الذين تمكنوا بخبرتهم ونفوذهم في تلك المرحلة من تضمينه أفضل ما كانوا يتمنون. مع ذلك، اتهمت رئاسة إقليم كردستان من قبل بعض الأطراف ومنها حكومية بخرق الدستور. والحقائق الثابتة والواضحة هي:

• أول نقاط الخلل في الدستور، أنه كُتب في فترة حرجة وتحت قصف الهاونات والعبوات الناسفة والاغتيالات والتشرذم السياسي وقلة الخبرات الفنية، وحشر كاتبوه في مساحة زمنية محدودة، وكوفئوا على ما قدموا، وكان ممكنا - وربما هو الأفضل – جعله دستورا مؤقتا تعاد كتابته بعد عشرة أعوام أو أكثر، ريثما تتوافر ظروف أمنية ونفسية وثقافية وعلمية تساعد على كتابة دستور دائم وإقراره. إلا أن الأميركيين كانوا يبحثون عما يرونها منجزات لاحتلالهم العراق على حساب الدقة والتكامل وليس طبقا لمعطيات مؤقتة.

• إن معظم الشعب العرقي ليس معنيا بما كتب وصوت عليه، لأنه لم يطلع بما يكفي على المواد والفقرات، ولم تتح له ظروف أمن تساعد على التوضيح والمناقشة من خلال الندوات والمناظرات وغيرها، واعتمد في تصويته بنعم على حبه للتغيير، وثقة بما قاله السياسيون الذين زينوا له النقاط الايجابية، ولم يتحدثوا عن المآخذ والثغرات ونقاط التصادم والخلاف.

• الدستور بصورة عامة، يمثل حالة متطورة قياسا إلى الوضع الديكتاتوري السابق، وإلى وضع عدد من دول العالم، غير أنه يحتوي على نقاط خلل وخلاف واختلاف تتطلب حسن نية في التفسير.

• بعض الفقرات مختلف عليها بدرجة لم تتح وقد لا تتاح فرصة لتداولها والتوافق عليها.

• بعض الذين كتبوا الدستور أو أيدوا تمريره والموافقة عليه يتحدثون عن أنهم قاموا بذلك لاعتبارات محلية على أمل تعديله طبقا لوعود تلقوها. أما الحقيقة الدامغة فهي لا وجود لالتزامات سياسية عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا، علما بأنه تم تحديد شروط تتطلب تصويت ثلاث محافظات بالموافقة على أي تعديلات، وهو أمر يمكن أن يرفض بسهولة من قبل إقليم كردستان، وفي المحصلة، وُجد الدستور ليبقى، وستبقى المشكلات عالقة بلا حلول حتى يتحول إقليم كردستان إلى وضع آخر.

• إن قصص الأقاليم والتعبيرات الاتحادية منصوص عليها في الدستور، غير أنها بقيت غير محددة وتثير الخلافات، وفي النتيجة فالملتزمون بالدستور كلاما لا يلزمون أنفسهم بالتقيد بمضمونه عمليا، وسيبقى مصدر خلافات يمكن تجاهلها عندما يتمتع المسؤول التنفيذي بصلاحيات التفويض الشعبي، فالشعب هو مصدر السلطات.

• المحاصصة السياسية التوافقية تبدو معقولة لمرحلة انتقالية محددة، إلا أنها ليست ضمن نصوص الدستور الذي لم يشر إلى التركيبات الطائفية في أن يكون رئيس البرلمان عربيا سنيا ورئيس الجمهورية كرديا ورئيس الوزراء شيعيا. ويتطلب التغلب على هذه المحاصصة قرارات قوية لا يزال وقت اتخاذها مبكرا، فرغم أن الشعب مشحون بما يكفي لرفض السياقات الحالية، فإن الرأي العام لا يزال بحاجة إلى تكوين موقف يضطر السياسيون إلى الخضوع له.

أواخر الثمانينات من القرن الماضي دخل الجهاز الحزبي بإنذار مشدد، واستدعي اصحاب الدرجات الحزبية من مستوى متوسط إلى المستويات الأعلى إلى مقرات الشعب الحزبية ليلا، ولا أحد يعلم السبب. وبعد ليل طويل قضاه هؤلاء وزعت عليهم كراسة بيضاء اسمها (الدستور العراقي المؤقت)! وبعد ربع قرن لا بد من القول: لا ذاك الظلم ولا هذا التشرذم!

تشرذم في المصطلحات

الشعور بالمظلومية أحيانا، والغايات المغرضة في أحيان أخرى، والعفوية والسطحية في فهم الأبعاد وقراءة النيات، والتخلف الطائفي، والتعصب العرقي، معطيات روجت لثقافة المفاصلة. فلأول مرة نسمع عن شيء اسمه المكونات. في السابق كان القوميون العرب يحتجون على تعبير الشعوب العربية، تأكيدا على أن الأمة واحدة والشعب واحد، وأصبح الحديث عن مكونات عراقية وليس شرائح كوصف هو الآخر يفترض أن يتقلص استخدامه، غير أن الغريب أن يتكلم مسؤول كردي كبير بمصطلح الشعوب العراقية ويتصرف في ضوء أقواله، ولا يجد من يعترض عليه باعتبار ما يتحدث به يخل بالدستور، الذي يؤكد على الوحدة الوطنية والتماسك.

قصة المصطلحات المناطقية أدت إلى التعاطي بمفهوم التوازن في مؤسسات الدولة، والتوازن يعني تقاسم المناصب والمواقع والوظائف وفق جداول نسب السكان، وهو تصنيف يؤدي الى تمسك أطراف معينة بحالة التشرذم وتجذر الانقسام، الذي أوجده السياسيون الذين لهم مصلحة في تفكيك العراق، ولا يمكنهم العيش تحت ولاية دولة موحدة قوية. ووصل الأمر إلى أن أحد رؤساء البرلمان يدعو إلى تضمين الهويات الشخصية أو البطاقة الوطنية حقل الطائفة، خلافا لكل مبادئ التطور والمساواة. وعندما يكتب على جدران البرلمان العراقي بلغتين عربية وكردية، كيف يمكننا تخيل صورة جدران البرلمان الهندي؟ لا شك سيظهر أمامنا على شكل مخطوطة يصعب فصل مقاطعها!

 حالة التشرذم الـلاوطني استغلت من قبل سياسيين مناطقيين فاشلين، لغرض الحصول على مكاسب سياسية ووظيفية ومالية، وللحصول على حصانة متقابلة بين الفاشلين على حساب التطور وحالة التآخي. غير أن مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر مع حصول الخلافات بين أبناء اللون الواحد على هامش مصالح سياسية وشخصية، فتزداد الحاجة إلى العبور بين الضفاف للتلاقي الوطني، فيضطر ابن الوسط للتعامل والتفاهم والتحالف مع ابن الوسط والشمال لأسباب حزبية وتكتلات سياسية، فتتحطم جدران العزلة الطائفية، حتى لو تطلب الوضع جولة أو جولتين انتخابيتين.

تصادم المصالح

في الانتخابات العامة سنة 2005 حقق الدكتور إبراهيم الجعفري تقدما على منافسه الدكتور عادل عبد المهدي بفارق صوت واحد ضمن تصويت الائتلاف الوطني (الشيعي)، ورفض الكرد القبول بالجعفري استنادا إلى توافقات المحاصصة، وأصروا على رفضه بسبب موقفه المعارض لتوجهاتهم في محافظة كركوك النفطية، التي كانت مصدر خلاف طويل بين المركز والسياسات الكردية. وتداركا للموقف، تخلى الجعفري عن حقه في تشكيل الحكومة وجرى اختيار الدكتور نوري المالكي رئيسا للوزراء، غير أن توقعات الكرد لم تكن في محلها، حيث ظهر أن المالكي أشد موقفا من الجعفري حيال مطالبهم، ولن يكون مفاجئا إذا ما ظهر أن الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي، الذي حظي بتأييد الكرد لا يقل اعتراضا عن رفيقيه في حزب الدعوة الجعفري والمالكي تجاه السياسة الكردية التي يعترض عليه العرب والتركمان.

إن تصادم المصالح بين السياسيين جعل مواقفهم تتغير وولاءتهم تتعدد، وأصبح مألوفا ان ينتقل السياسيون من موقع إلى آخر ومن كتلة برلمانية وسياسية إلى أخرى، وتجسدت المتغيرات في فرض الوزراء لسياسة كتلهم عندما يتطلب الأمر المقاطعة والخروج من الحكومة والوزراء، ولأن معظمهم سياسيون حديثو عهد، ولم ينتموا إلى حزب لأسباب عقائدية أو فكرية، فمن الطبيعي أن يرفض الوزير الإسلامي أو العلماني - على حد سواء - طلب حزبه مقاطعة الحكومة وترك وزارته، وقد حدث هذا كثيرا، خلال السنوات الماضية، حتى أصبح تلويح الكتل بالانسحاب من الوزارة بلا قيمة تذكر إن لم نقل مثيرا للسخرية.

وعلى المستوى الكردي، يخطئ من يظن أن التحالف الكردستاني متفق على الوسائل والمصالح، فالقتال بين الأحزاب هناك الذي استمر لسنوات ووقع بسببه آلاف القتلى لا يمكن أن تمحوه الذاكرة، وإن التنافس على المواقع السيادية في بغداد والإقليم يبقى على أشده، وحتى داخل الحزب الواحد تتزايد الخلافات والتوجهات، أحيانا لأسباب تنظيمية وأخرى لمصالح شخصية نفعية. ومهما حاول طرف فرض سياسته وتحويل نهجه إلى حالة من التفرد والاستبداد سيمنى بفشل أكيد، وخصوصا أن الأحزاب الكردية أكثر عراقة من معظم الكتل السياسية في وسط وجنوب العراق، ورغم تسخير أحزاب كردية لموارد مالية مستحصلة من الموازنة العراقية لخدمة مشروعها الحزبي، فإن الجيل الجديد أصبح متفتحا على أن ما يأخذه من الأحزاب هو بالأساس محسوب له ضمن الموازنة العراقية بشكل وآخر، وليس من ناتج دخل ومجهود الأحزاب.

التحالف الشيعي – الكردي

مثلما يروج بعض السياسيين الفاشلين من سنة عرب العراق لفكرة تحالف مع الكرد في موقف مضاد لأشقائهم الشيعة، كان هناك ترويج سابق كبير لتحالف شيعي – كردي على حساب السنة. ومع أن هذا التحالف يكتسب خلفية طبيعية نتيجة التصدي المشترك للنظام الديكتاتوري المطاح خلال فترة المعارضة والعمل المشترك، فإن استمرار العمل به والتعويل عليه بعد التغيير كان نهجا خاطئا، لأنه يؤدي إلى التفريط في المصالح الوطنية لحساب مصالح حزبية ضيقة تفقد قيمتها مع مرور وتطور الحركة السياسية واختلاف المصالح. ومهما تكن المبررات، فإن التحالف على حساب تماسك النسيج الوطني يعد خللا كبيرا يقود إلى تراكم الفشل.

ومع مرور الوقت، ومع أول اختبار جدي لم يفقد التحالف الشيعي – الكردي وجوده فقط، بل فقد ذكريات الأيام كلها. وهذا سيكون حال تحالف فريق من السنة مع الكرد، وكان على الأطراف المعنية نبذ فكرة المسميات الطائفية والعرقية في التحالفات وجعلها تحالفات سياسية. وسيضطر السنة إلى العودة إلى الصواب ورفض التوجهات الطائفية المتخلفة، ورفض التحالفات المؤقتة التي تدون في سجالات التخلف الفكري.

وعلى مستوى التحالفات العربية السنية، تمزقت كتلة التوافق، وتنقل السياسيون من مكان إلى آخر، وتمزقت القائمة العراقية التي كانت وعاء وطنيا سنيا – شيعيا، ولو ان معظم كياناتها سنية، إلا أن النفس الطائفي لا يزال يتعالى بقوة من قبل بعض السياسيين الفاشلين الذين لا يدركون دقة المعادلات، ولا يجيدون قراءة المواقف المحلية والإقليمية. وهو ما أسهم في عرقلة عملية الانتقال إلى مرحلة الأمن والإعمار. وسيدرك العراقيون أن التحالفات الوطنية بعيدا عن التكتلات المناطقية تمثل طريقا مباشرا نحو التقدم والاستقرار، وقد حاولت شق الطريق في مرحلة صعبة ومعقدة، ولا بد من الإشارة إلى أن آية الله السيد محمد باقر الحكيم كان مدركا تماما لضرورة الاندماج الوطني بعيدا عن أي تعقيدات، فكان أول شهيد من بين كبار المسؤولين والقادة بعد 2003 .

back to top