العراق في مرحلة ما بعد سقوط صدام (1-12) من التضخم بعد «حرب إيران» إلى بوابة السقوط في الكويت

نشر في 08-02-2015
آخر تحديث 08-02-2015 | 00:10
يعد سقوط نظام صدام حسين في العراق محطة تاريخية مفصلية في المنطقة، ومن هذا المنطلق تنشر «الجريدة»، صفحات كتبها وفيق السامرائي رئيس جهاز الاستخبارات في عهد صدام، عن رؤيته للأحداث منذ سقوط بغداد، وصولاً إلى الحرب الأخيرة على «داعش»، لمنح القارئ فرصة فريدة للاطلاع على الأحداث من زاوية شخصية مطلعة، لفهم أوضح للماضي وتشريح أدق للحاضر، وقابلية لاستشراف المستقبل، وفي ما يلي الحلقة الأولى من هذه المذكرات القيمة:
كان مفترضا استخلاص الدروس من حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، تلك الحرب التي صورتها الدعايات السطحية كأنها نصر عراقي كبير، والحقيقة أنها كانت حربا مدمرة، ولم يتمكن العراق من تحقيق أي من الأهداف التي رسمت لها، وكل ما قيل عن أن هدف الحرب كان إبعاد نيران القصف الإيراني عن المدن العراقية ليس إلا محاولة تبرير لفشل استراتيجي كبير، فالغاية كانت فرض إرادة على النظام الجديد في إيران، وإعادة فرض اتفاقية الجزائر لعام 1975 التي أقر العراق بموجبها «بتوقيع صدام حسين» بتقاسم متساو للملاحة في شط العرب، والعمل على تفكيك إيران. وكل ما أمكن تحقيقه هو إجبار إيران على قبول وقف إطلاق النار، بعد تكبد العراق خسائر بشرية ومالية كبيرة، ولم تكن النتيجة هذه لتصبح هكذا لولا الدعم الخليجي الكبير والضغط الخارجي وحالة الحصار الذي فرض على إيران، وإلا فإن سنوات الحرب الثماني شهدت انكسارات عراقية خطيرة خصوصا في الأعوام 1982 عام اضطرار العراق إلى الانسحاب من كامل الأراضي الإيرانية و1986 عام سقوط الفاو و1987 عام معارك شرق البصرة الثانية.

وخرج العراق من حرب إيران بقوة عسكرية كبيرة معززة بقدرات كيماوية وبيولوجية ضخمة وتطور كبير في المجال النووي. وكان على النظام أن يدرك استحالة قبول الأقربين من العرب والعالم بهذه المعادلات من القوة، وليس أن يرفض فكرة تقليص القوات التي لم تعد لها ضرورة، لعدم بقاء أي تهديد إيراني في تلك المرحلة. إلا أن الغرور أعمى بصيرة الحاكم، فاستدار نحو الكويت بأكبر عملية غدر ونكران للجميل، لتبدأ مرحلة «السقوط الحتمي» مع مرحلة التحدي الأعمى.

وكنت في تلك المراحل أعيش الأحداث بعمق وبتفصيلاتها الجزئية، من خلال عملي في الاستخبارات العسكرية ومراكز القيادة العليا والقصر الجمهوري على بعد عشرات الأمتار عن مكتب الرئيس، ومن رتبة صغيرة إلى أن أصبحت مديرا للاستخبارات العسكرية العامة. وقدر لي أن أطلع على تفصيلات كثيرة وأن أعيش الحروب من مواقع حساسة، وهي أمانة ثقيلة ومقدسة يتحتم تقديمها للناس عامة، على أمل استخلاص الدروس منها خدمة للحقيقة وللسلم العالمي، ولكشف المسارات الخاطئة التي أثرت على حياة الناس ومصيرهم ومستقبل المنطقة وأسباب الدمار الذي أصاب العراق.

ولا بد أن أعترف بأن ضابطا حزبيا ممتلئا حيوية وطموحا مثلي «أيام الشباب»، لم تكن نظرية المؤامرة بعيدة عنه، فكل شيء يتحول إلى مؤامرة في الممارسة والسلوك وطرق التعامل مع نظام ديكتاتوري بوليسي متميز بقسوة مفرطة، ويتعامل وفق قاعدة كفاية الشك للتصرف في حالات كثيرة، عندما يرى هامش الخطر خارج حسابات الأمن.

فتعامل البسطاء والسذج لا يصلح في مثل هذه المواقع، والبقاء يبقى للأكثر مهارة في التصرف ومعرفة كيد الآخرين، والمطلوب هو مراقبة حركة المعلومات والأحداث بدقة على مدار الأيام، فلا مجال للغفلة، فهذا هو قدرنا في تلك المرحلة، وكان علينا أن نقبل القدر ونتصرف في ضوء المعطيات التي يبقى الصبر عليها مريرا في حالات كثيرة.

خطأ مدمر

الحلقة القريبة المحيطة بصدام كانت قليلة الثقافة، ومعظم القادة السياسيين كانوا سذجا في تقدير الموقف وحساب المتغيرات والمعادلات الاستراتيجية، وكثير من القادة العسكريين كانوا مصفقين ويخشون قسوة النظام، وهذا النمط من القادة هم الذين خططوا أسوأ تخطيط استراتيجي للحرب مع إيران، فلم يحسب السياسيون أبعد من مديات اجتماعاتهم الحزبية التقليدية المملة، وبقوا على خضوعهم وما كانت تزينه لهم نفوسهم وتوهمهم على أنهم قادة، وهم في الواقع ما كانوا إلا مشروع انقياد وخضوع وعبودية، أما القادة العسكريون والمخططون منهم خاصة فقاموا بنشر قواتهم على جبهة ألف كيلومتر، ففقدوا الاحتياط الاستراتيجي منذ اليوم الأول للحرب، فكانت بداية سيئة بنيت على تقديرات كارثية، ولم يتمكن أي من أرتال القوات المدرعة وغيرها من الوصول إلى الأهداف التي حددت، فتحقق الفشل على كل محاور العمليات.

ومع توقف الاندفاع تحولت القوات إلى مرحلة الدفاع المستكن، لتتلقى المزيد من الضربات على يد قوات الحرس الثوري حديث التشكيل وقوات المتطوعين، فبدأت المعادلات تأخذ منحا خطيرا والخسائر البشرية والمادية تتزايد يوميا.

والخطأ المدمر يكمن في تقديرات صدام، فغالبا ما كان يظن أنه متفوق في رؤيته وقراءاته على خصومه، وكأن الحرب والصراعات المسلحة حالة من حالات البلطجة واستغلال الفرص والتمرد والنكاية. ولما كانت هذه هي رؤيتنا تجاه رأس النظام فقد ترسخت فينا نظرية المؤامرة المشروعة، وكل ما يبنى على أساس النية في خلاص الشعب من البلاء يعد مشروعا.

وليس سهلا التصدي لنظام بوليسي يعتمد فلسفة أمنية متعددة الوجوه، ويفرض سيطرة غير عادية على أجهزة الأمن والاستخبارات وعلى قوات النخبة، وبقي هامش المجازفة كبيرا في التعايش مع ظروف كالتي عشناها، ويبقى التصميم والارادة عاملين مهمين من عوامل المجابهة العلنية أو في العمليات والنشاطات السرية.

السقوط الحتمي

يوم 13 يناير 1991 أدركت لأول مرة منذ عشرين عاما يوم بدأت مشوار العمل السري ضد النظام وأنا برتبة ملازم، أن صدام حسين في طريقه إلى السقوط الحتمي، فقبل أربعة أيام من بدء (عاصفة الصحراء) أوضحت لصدام - على انفراد - تفصيلات الموقف واحتمالات الحرب، وكنت واضحا تماما وصريحا وأمينا في تحديد موازين القوى والاحتمالات كما حدثت لاحقا، ولو كان غيره رئيسا وله عقل سوي ويحرص على بلده ولم يغلبه الاستبداد لقرر الموافقة على الانسحاب من الكويت فورا.

وخلاف ما يعتقد البعض من ردود فعله، فقد كان طوال اللقاء هادئا ومنصتا بدقة، ولم يعترض على الآراء التي تم طرحها في ضوء تقرير مسبق. لكنه لم يتخذ أي مبادرة لمعالجة الموقف، وربما كان متأثرا بما قاله الجهلاء من رفاقه من تبريرات لاحقة، من أن الحرب ستحصل في حالة البقاء أو الانسحاب، وهي فلسفة ضحلة تدل على جمود فكري ونقص في فهم السياسة الدولية التي لا تعرف الجمود بقدر التعاطي في ضوء المتغيرات وتحقيق الأهداف.

في 23 نوفمبر (1994) غادرت منطقة سيطرة النظام، معلنا انضمامي إلى المعارضة، وبدأت مشوارا طويلا لا يقل تعقيدا عن المرحلة السابقة، فأجبر النظام أفرادا من عائلتي وأبناء عمومتي على البراءة مني وهدر دمي، فلم يزدني هذا إلا إصرارا وتحديا وقوة، ولن أنسى موقف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في استضافتنا في دمشق في مرحلة بالغة الصعوبة، ولن أنسى موقف الكويت المساند بعد تمردي على النظام، وموقف الأخ الصديق الأستاذ محمد جاسم الصقر بعد إعلان التحاقي بالمعارضة مباشرة، حيث فتح أمامي صفحات «القبس» بوصفه رئيسا لتحريرها، ومن هنا بدأت مشوار الكتابة والإعلام الذي لا تقل نكهته عن نكهة مشوار العمل الرائع في الاستخبارات، فكلاهما يتمم الآخر.

ومع أن غزو الكويت كان بوابة سقوط النظام الحتمي، إلا أن التنفيذ بقي في حاجة إلى معطيات أخرى على الأرض، خصوصا بعد أن مني النظام بهزيمة ساحقة في حرب تحرير الكويت، وإذعانه في خيمة صفوان وما تلاها من قرارات دولية. وكان لا بد من مسوغات وأسباب مستجدة تعطي مبررات دولية لعملية الاطاحة. وكان لهجمات 11 سبتمبر 2001 أثر بالغ في اتخاذ قرار بذلك.

وقد كتبت كثيرا في حينه، مشيرا إلى أن الحرب على الساحة العراقية ستكون الصفحة الثانية بعد حرب أفغانستان وسقوط حكم طالبان، وهو ما تحقق فعلا. كما أن النظام أدرك هذه الحقيقة وحاول تفاديها، إلا أن خياراته للتملص مما حاكه لنفسه ولنظامه لم تعد تجد نفعا، لاسيما أنه دأب على المماطلة إلى حد ممل لا يطاق، متبعا سياسة حافة الهاوية التي تتفاوت فيها فرص النجاح والفشل طبقا لكل حالة على انفراد، وتمثل هذه السياسة تجسيدا حيا لفلسفة الخوض في الأزمات.

إن من أهم الأسباب التي قادت إلى عملية الاطاحة بصدام ونظامه تمحورت حول دعم الأجهزة العراقية للإرهاب، وكانت المعلومات تتراكم على صيغة نتف تجمع من مواقع مختلفة ولحالات متعددة، إلا أنه لم يثبت وجود دليل مادي مباشر دامغ على علاقة العراق بعمليات كبيرة محددة.

غير أن الوضع مختلف بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل. مع ذلك، بقيت عمليات الربط بين عناصر التهديد قائمة، مما عزز فكرة تشديد القرار بإطاحة النظام عندما توافرت قيادة على مستوى ادارة الرئيس جورج بوش الابن بعد حالة من التردد في زمن ولاية الرئيس بيل كلينتون التي سبقت ولاية بوش.

أسلحة الدمار

دون أدنى شك، عندما توقفت حرب الخليج الثانية، بقيت في حوزة العراق 200 حاوية بيولوجية تكفي لإحداث عمليات فتاكة على مستوى الشرق الأوسط، ونحو 95 صاروخ أرض - أرض خارج المديات المسموحة، أعداد منها مجهزة برؤوس كيماوية وبيولوجية. وقد ارتكب النظام حماقة كبيرة بتدميره المواد والحاويات البيولوجية بعيدا عن إشراف وعلم المفتشين الدوليين، وبما أن لجان الأمم المتحدة كانت على علم بامتلاك العراق لهذه الأسلحة، خصوصا بعد هروب حسين كامل صهر الرئيس والمسؤول على الصناعات العسكرية والخاصة إلى خارج العراق عام 1995، فإن عدم الثقة بالنظام اتسعت دائرته، ولم يتمكن من إثبات وجهات نظره وادعاءاته التي يتطلب الأخذ بها عرض مستندات مادية غير قابلة للاجتهاد والاحتيال، وهي متاحة لو توافر حسن النية من قبل صدام، إلا أن نهج الاخفاء بقي مستمرا في حالات كثيرة دون مبرر ومسوغات منطقية تتطلب الاخفاء.

لقد أظهر النظام قدرة فائقة في إخفاء المواد الممنوعة، وقام بإخفاء الوثائق الخاصة بالصناعات المحرمة في بيوت الموظفين بطريقة بارعة متقنة لم تتعرض لأي اختراق، ما يدل على ضبط أمني شديد. وقد اقترحت في ذروة عمليات التفتيش ومماطلة النظام في الموافقة على مقابلة المفتشين للمزيد من الخبراء والمهندسين والمختصين في مجالات أسلحة الدمار الشامل، أن يقوم النظام بتجميع المختصين بهذا المجال وتزويدهم وأسرهم بجوازات سفر وإرسالهم إلى مقر البعثة الأممية في بغداد لاستجوابهم وترحيل من يقرر المفتشون ذلك، وهذه طريقة كانت ستثبت مدى مصداقية النظام في تنفيذ القرارات الدولية. غير أن هذا وغيره من المقترحات الحاسمة لم تكن موضع اهتمام صدام، الذي غلبه الظن في بداية الأمر على أنه قادر على تمشية الأمور كما يريدها ولا مشكلة كبيرة في حالة حدوث اخفاقات معينة.

وبعد السقوط لم يعثر على معدات وأسلحة ممنوعة، وعندما جرت مناقشة صدام بعد اعتقاله أكد أنه ارتأى تدميرها دون تصريح، لأنه كان قلقا من شعور إيران بالتفوق الاستراتيجي إذا ما علمت أن العراق قد تم تجريده من أسلحة الدمار. وهو سلوك يدل على تفكير متخلف، لأن العراق أصبح تحت الحماية الدولية بشكل وآخر ولم يكن مسموحا لإيران اجتياح أراضيه. وكان على صدام أن يتذكر تصريحا للرئيس الأميركي جورج بوش الأب عقب حرب عاصفة الصحراء قال فيه: إذا ما قامت إيران باجتياح أي جزء من الأراضي العراقية فسيكون أسوأ قرار تتخذه. وهو تهديد واضح جعل إيران في وضع بعيد عن التدخل المباشر.

إن طرق تعامل العراق مع المفتشين الدوليين ولعبة القط والفأر التي اتبعها النظام، أفقدت النظام المصداقية، وما لجأ إلى ذلك الأسلوب إلا نتيجة نية واضحة بإعادة تصنيع السلاح بالاستفادة من الوثائق والبحوث والخبرات المتاحة، ولم تكن هذه التصورات بعيدة عن تحليل المفتشين الذين لم يكن في وسعهم تبرئة ساحة النظام، بخلاف ما يفترض من قرارات لو تعامل معهم بشفافية وتعاون بلا لف ودوران. فأصبحت قصص السلاح والمماطلات سببا معززاً لقرار اسقاط النظام.

نفي اختياري

ومع تصاعد الأزمة وتزايد نذر الحرب، طرحت أفكار من دولة الإمارات العربية المتحدة لدعوة صدام إلى قبول النفي الاختياري والاستعداد لاستقباله، وطرحت أفكار أخرى عن أن يذهب إلى روسيا، إلا أن المقترح الذي لم يقابل برفض أميركي علني بقي موضع شك من قبل صدام شخصيا، على الرغم من أن قناعاته باحتمالات وقوع حرب جديدة لإسقاطه أصبحت مرجحة أكثر من أي وقت مضى، ولم يكن واثقا بأن يمر نفيه بسلام أمام المطالبات الدولية بشأن الجرائم التي ارتكبها، فضلا عن أن المواضيع التي تقررها إدارة أميركية ليس بالضرورة أن تلتزم بها إدارة لاحقة.

كما أنه وكالعادة، بنى تصورات من الأوهام التي تحول دون الوقوع في قبضة التحالف، وكان يحلم في تحويل العراق إلى فيتنام أخرى، وهو ما أوصله إلى أطراف عربية لدفعها إلى دعمه. وقد استبعدت في حينه قبوله بفكرة النفي أو فرضية الانتحار، وقدمت مقترحا بتسليم الحكم إلى مجلس عسكري يتألف من عدد من كبار قادة الجيش، ولو اتخذ مثل هذا القرار لأبعد العراق عن كثير من الأوضاع الصعبة، ولمهد الطريق لوضع العراق تحت رعاية دولية تمهيدا لإجراء انتخابات عامة.

ومن الحقائق المرة أن كبار السياسيين والعسكريين لم يجرؤ أحد منهم على تقديم أي خيار من خيارات الحل الممكنة، بما في ذلك التنحي والبقاء داخل العراق، وفي المحصلة أخذ بعضهم بجريرة طغيان صدام وبتخاذلهم والخوف من إزعاجهم بمجابهته بالواقع الذي لا مفر منه.

خيارات عملية

وبعد أن أصبح قرار الاطاحة حتميا انتقل الحديث والتحليلات إلى الخيارات المناسبة لتحقيق الهدف، وقد طرحت خيارات عدة في حينه، أهمها:

• العمل على تدبير انقلاب عسكري يسند بخطوات محددة، إلا أن كل المؤشرات لم تعط نتائج تشجع على ترجيح هذا الخيار، حيث بقيت فلسفة أمن النظام قوية إلى حد يحول دون نجاح مثل هذه الخيارات.

• استنساخ الأسلوب الذي طبق في عملية اسقاط طالبان، ولم تتوافر الإمكانات اللازمة لتكرار التجربة على الساحة العراقية، لعدم وجود فصائل مسلحة مؤهلة ومقبولة من قبل أميركا للقيام بهذا الدور، فحتى قوات البيشمركة لم تصل إلى مستوى التنفيذ المميز، بعد أن تمكن النظام من إعادة ترتيب أوضاعه العسكرية بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على هزيمته في الكويت، وإعادة سيطرته على الوضع الداخلي، وحصول تحسن في موارده المالية.

• فبقي خيار الحرب الواسعة التي تتطلب ضربات جوية وصاروخية، والقيام باندفاع بري وصولا إلى العاصمة بغداد، وهو أكثر الخيارات ضمانا لتحقيق الهدف. ولم يكن ممكنا اللجوء إلى هذا الخيار لولا أجواء 11 سبتمبر.

لملمة المعارضة

وعلى الرغم من كل الجهود، بقيت المعارضة العراقية مشتتة مختلفة، وهو ما انعكس سلبا أيضا إلى حد ما في مرحلة ما بعد سقوط النظام وتسلم أطراف من المعارضة الحكم تحت هيمنة أميركية صارمة، وتحت سقف الاحتلال. ولم يعمل بكل ما قيل وما كتب في المؤتمرات التي سبقت السقوط، ولم يلتفت الأميركيون إلى لجنة المتابعة والتنسيق التي انبثقت عن مؤتمر لندن سنة 2002، الذين عملوا هم على تشكيلها في مرحلة ما قبل الشروع في الحرب. فقد تمت اختيارات الحكم وفقا لمصالح الأميركيين ورؤاهم.

والحقيقة التي لا لبس فيها أن الشعب العراقي تقبل فكرة سقوط النظام حتى تحت سقف الاحتلال، فرحا وتأييدا، أو تسليما بالأمر الوقع ونكاية بنظام غير مأسوف على سقوطه. غير أن الرياح سارت في اتجاهات أخرى، بسبب السياسة الأميركية في العراق والدول الإقليمية، وبسبب المبادرات غير العادية التي اتخذها تنظيم القاعدة، محاولا سد الفراغ الحاصل جراء سقوط النظام بكل مؤسساته.

وكان لسورية وإيران دور كبير في إرباك المشروع الأميركي وإجبار الأميركيين على الانسحاب من العراق - بخلاف إرادتهم - بعد سنوات من الاحتلال. فتداخلت العوامل، وتصادمت المضادات، وتصاعدت حالات الإغواء والنفور، فتفجرت أعمال العنف لتشمل مناطق وسط العراق ولتمتد شمالا وجنوبا في نقاط محددة.

back to top