مشروبات الدماغ تجعلنا أقل ذكاء

نشر في 31-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 31-01-2015 | 00:01
بدأت شركات المشروبات، على غرار الجميع، بالسعي للاستفادة من علم الأعصاب. لكن هذه المشروبات الواسعة الانتشار والمصنفة «مشروبات للدماغ» تثير، بالتأكيد، دهشة المشككين. أود أن أركز في مقالي هذا على مشروب NeuroSonic الذي يدعي مصنعوه أنه مصمم بدقة {لتزويدك بتركيز دائم وطاقة منعشة}.
يظهر على الزجاجة الملونة الكثيرة المنحنيات رأس بشري تعبره موجة علمية تمثل خط {الأداء الفكري في كل عبوة}. أما على جانبها الخلفي، فتعد: {ستشعر بالطاقة وتبقى مركزاً ومتيقظاً... مع تركيبة العلوم الحديثة الأهم من محسنات الأداء الفكري الطبيعية. زد ذكاءك، اشرب NEURO}.

تشكل NeuroSonic أحد مشروبات الدماغ التي تقدمها شركة Neuro، (أسستها المهاجرة البوسنية سانيلا ديانا جنكنز)، وتدعي هذه المشروبات المختلفة أنها تعزز النوم، تساعد على الاسترخاء وتحقيق حالات فكرية أخرى.

نتائج متفاوتة

يحتوي خليط NeuroSonic الخاص كافيين ول-ثيانين (حمض أميني يتوافر في الشاي الأخضر). لكن الجيد بالنسبة إلى محبي NeuroSonic، على الأقل، أن دراسات عدة تشير إلى أن لتركبية الكافيين ول-ثيانين تأثيرات فكرية جيدة، مثل تحسين القدرة على الانتقال من مهمة إلى أخرى، تسريع الانتباه وتوقع ما قد يحدث، تعزيز الشعور بالتيقظ.

لكن نوعية هذه الدراسات متفاوتة جداً (على سبيل المثال، لا تشمل كلها مجموعة ضبط تناولت علاجاً وهمياً). والأهم من ذلك، على الأرجح، أنها لا تحدد لنا تأثير خليط NeuroSonic، بالتحديد، وكميات هذين المكونين التي يجب استخدامها.

وإذا دخلت صفحة {العلوم} في موقع Neuro الإلكتروني، لا تحظى بمعلومات ذات أهمية. فلا تعثر فيها على أي تفاصيل، بل تكتفي بذكر: {يبرع فريقنا المتخصص في علوم المشروبات في تحديد حاجات الناس اليومية الفعلية واستخدام أفضل المكونات من حول العالم لحل مشاكلهم}. تعد هذه الصفحة بنشر المزيد من {الوقائع والمعلومات}، ولكن بما أن الشركة بدأت العمل عام 2008، فلا أتوقع الحصول على المزيد. تستطيع شركة Neuro اعتماد هذا الغموض لأن منتجاتها تُصنّف كطعام وشراب، لا كدواء.

قبل ثلاث سنوات، أشار الكاتب العلمي كارل زيمر إلى أن ما من تجارب تدعم هذه التأثيرات المزعومة في الدماغ. لذلك قرر إجراء تجارب شخصية ليتحقق مما إذا كان مشروب NeuroSonic والمنتجات المشابهة تعزز طاقة دماغه. باستثناء تأثير بسيط يشبه ما تحصل عليه من شرب القهوة (لا عجب في ذلك بما أن معظم هذه المشروبات يحتوي على الكافيين)، خاب أمل زيمر: {انتظرت أن أصبح عبقرياً، غير أنني لم أشعر بأي موجة من الذكاء. وما زالت كتاباتي بطيئة}.

مشروب وهمي

الأبحاث قليلة في هذا المجال، فإن أجريت بحثاً علمياً على غوغل عن NeuroSonic، ستعثر على دراسة واحدة (نُشرت السنة الماضية)، أجراها ستة طلاب يدرسون العلوم العصبية في جامعة ولاية ميشيغان بدنفر. ولا شك في أن عملهم متقن، مع أن حجم العينة كان صغيراً. كذلك نثني على اثنين من هؤلاء الطلاب لأنهما قدما اكتشافاتهما خلال المؤتمر السنوي لجمعية العلوم العصبية (2013).

أعطى الطلاب نصف المشاركين الخمسة والثلاثين (متوسط العمر 24 سنة، 27 رجلاً) كوب NeuroSonic (ما يعادل تقريباً زجاجة)، في حين تناول الباقون مشروباً وهمياً صُمم ليشبه NeuroSonic بالطعم والشكل. تألف هذا المشروب الوهمي من مزيج من الماء المنكه بطعم جوز الهند والأناناس ومكملاً غذائياً بطعم الفراولة. وكان من الضروري الحرص على أن هذا المشروب الوهمي لا يحتوي على أي من المكونات الفاعلة في NeuroSonic، فضلاً عن أن المشاركين عجزوا عن التمييز بين المشروبين بالاستناد إلى الشكل أو الطعم.

بعد انتظار 20 دقيقة للسماح لمشروب NeuroSonic بإطلاق تأثيراته المزعومة، خضع المشاركون لستة اختبارات معرفية: القدرة على التحليل، الذاكرة البصرية-المكانية، وقت ردة الفعل، السيطرة على موجات الدماغ، والوظائف التنفيذية (قدرة على تجاهل معلومات غير مناسبة). فتبين أن ما من اختلاف في الأداء بين المجموعتين. ولكن في مجال الذاكرة القصيرة التي قيست من خلال القدرة على تذكر لوائح قصيرة من الأرقام، حققت مجموعة المشروب الوهمية نتائج أفضل ممن تناولوا NeuroSonic.

لا شك في أن هذه النتائج الأسوأ لمشروب يحمل شعار الدماغ ويدّعي أنه أعد خصوصاً لتعزيز التركيز والتنبه. فقد استخلص فريق الباحثين، الذي ترأسه تشارلز والترز، أنهم {لا يستطيعون أن ينصحوا زملاءهم الطلاب بتناول NeuroSonic على اعتبار أنه مشروب يحسن القدرات المعرفية}.

تأثير سلبي

لمَ أخفقت هذه الدراسة في التوصل إلى أي فوائد لمشروب NeuroSonic في حين أن المنشورات العلمية الأوسع تشير إلى أن تركيبة الكافيين ول-ثيانين تعزز الأداء الفكري؟

يوضح الباحثون أن كميات ل-ثيانين في NeuroSonic أدنى مما استُخدم في الأبحاث السابقة، بخلاف كميات الكافيين الأكبر. وقد يعود التأثير السلبي في الذاكرة القصيرة إلى ارتفاع معدلات الكافيين كثيراً عند المشاركين. فقد طُلب من هؤلاء عدم تناول الكافيين قبل الدراسة، إلا أن الباحثين لم يتولوا ضبط هذه المسألة. لذلك تناول عدد كبير ممن شربوا NeuroSonic، على الأرجح، كوب شاي أو قهوة. ولكن إذا كان هذا سبب التأثير السلبي، فهو ينطبق على المستهلكين عموماً.

لا شك في أن هذه الدراسة لا تحسم أمر مشروبات صُممت لتعزيز قدراتنا الفكرية. لكنها أحد أعمال قليلة تقدم أدلة فعلية. من المزعج حقاً اختطاف العلوم العصبية للترويج لشتى أنواع المنتجات (بما فيها التطبيقات الموسيقية) والخدمات المحترفة (مثل {القيادة العصبية})، وخصوصاً عندما تكون هذه الادعاءات مزعومة وغير مثبتة علمياً (وفي هذه الحالة تظهر تجارب أن المشروب يحقق فعلاً ما يدعيه).

لكن هذه المسألة تحمل خبراً جيداً واحداً على الأقل. تشعر من خلال هذه الدراسة أن الطلاب لم ينجحوا في مهمتهم فحسب، بل استمتعوا فيما اكتشفوا فرح العلم.

تختم الدراسة: {صحيح أن الباحثين لا يستطيعون اعتبار NeuroSonic وسيلة لتحسين الوظائف المعرفية، إلا أننا ننصح باعتماد نموذج هذا المشروع الدراسي كطريقة لتشجيع طلاب الجامعات على القيام بأبحاث في مجال العلوم العصبية}.

قد تحمل هذه المسألة وجهاً إيجابياً آخر. عند الاطلاع على موقع مؤسَّسة Neuro الإلكتروني، تلاحظ أنها تذكر أنها تتبرع بملايين الدولارات للقضايا الإنسانية الدولية. وإن كانت أرباح NeuroSonic تُستخدم حقاً لأغراض مماثلة، فمن يأبه إن كان هذا المشروب يجعلك أكثر ذكاء أو لا.

back to top