العنف... جرائم غفلت عنها الرقابة

نشر في 02-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 02-02-2013 | 00:01
خطر يتجول بيننا ومعدلات الضحايا في تزايد مستمر مع انحدار السلوك القويم بين الشباب
عبّر العديد من المواطنين عن استيائهم تجاه ما يحدث من جرائم العنف التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وأبرزها مقتل الطبيب اللبناني الذي هز المجتمع الكويتي، ووصل العنف إلى ما يهدد أمن واستقرار البلاد، وتلك الأيام يعيش هؤلاء الشباب أسوأ حالاتهم في ظل تفشي البطالة وانتشار المخدرات وغياب أماكن الترفيه، بعد أن خُصصت معظم الأماكن للعائلات، في ظل عدم الاهتمام بهم وضعف الأنشطة التي يُخرج فيها الشباب طاقاتهم، ما أدى إلى زيادة معدلات العنف والجرائم بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى غياب الرقابة من الأسرة وعدم تفعيل القوانين.

الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام أصبحت تتابع تلك الجرائم على مدار الساعة، إذ وصل معدلها إلى (57 جريمة يومياً)، بعد أن اعتادت صحافتنا إسدال الستار عن جرائم العنف التي كانت تحدث من قبل على مدى سنوات، وإخفاءها بسرية تامة، بحجة أن إظهارها على صفحاتها سيطعن براءة أطفالنا ومجتمعنا العربي، ولكن من الواضح أن إخفاءها يرجع إلى عدم الرغبة في توجيه ضربات قاصمة إلى خصوصيات المجتمع، الذي اعتاد عدم كشف سلبياته حتى أصبحنا نواجه الآلاف من الحالات المعنفة التي قُتلت أو شرع في قتلها، وكل واحدة منها تحتاج إلى دراسة، وأصبح من الواجب على المختصين من كل فئات المجتمع الوقوف على الخطوط الساخنة، التي من خلالها يمكن رسم خارطة طريق الأمان لمجتمع اعتاد الأمان، فماذا يقول الشباب؟ وما رأي المختصين إزاء أحداث العنف؟ وهل سيظل المجتمع يواجه تلك الأحداث أم ستطرح الحلول؟!...

بداية، أكد حمد العصمي (موظف) أن أسباب زيادة العنف واضحة، وأولها البيت الذي يتمثل في تربية الأبناء، والسبب الثاني القوانين الرادعة للعنف وعدم تفعيل جزء كبير منها والقصور في بعضها، وهناك سبب ثانوي هو الفراغ، وهذا ما تسببت فيه الحكومة من قلة توظيف، أو حتى قلة مراكز التدريب والتعليم، لاسيما أن أعداداً هائلة من الشباب تعاني البطالة.

إرشاد وتدريب

ويرى العصمي أن طرق الحد من العنف تبدأ بإرشاد الأسرة من خلال اختصاصين بعلم النفس والاجتماع، وذلك بتثقيفها عن طريق القنوات والندوات، لأن هناك أسراً تجهل أساليب التربية والإرشاد الصحيح للأبناء، بالإضافة إلى دور الحكومة والمجلس في السعي إلى تطبيق وتشريع أو تعديل بعض القوانين، وهذا بدوره يحد من العنف، ولاحظنا في الفترة الأخيرة تصرفات بعض رجال الأمن ومنهم ضباط وأفراد، وهي تصرفات غير لائقة حدت من هيبتهم أمام المجتمع الكويتي.

يا هول ما رأيت!

من جانبه، عبّر نواف السرحان (طالب) عن سخطه وغضبه من تكرار الحوادث المأساوية والجرائم التي يروح ضحيتها الأبرياء، لعدم وجود عقوبات صارمة بحق مرتكبيها، أو مواجهة المتنفذين، مطالباً بضرورة معاقبة كل مجرم، أياً كانت جريمته، خصوصا ما يحدث الآن من عنف جديد على المجتمع الكويتي، ولن أنسى يوم حادث مقتل الطبيب اللبناني في "الأفنيوز" حينما شاهدنا القتيل على الأرض، حيث كانت معالمه مختفية وسط بركة من الدماء، ومن هول ما رأيت لن أستطيع الحركة أو الكلام والتزمت الصمت فترة من بشاعة المنظر والصدمة.

وأضاف السرحان: من الملاحظ زيادة معدل الجريمة هذا العام عن الأعوام السابقة بما يعادل 30 في المئة، وتلك زيادة هائلة لم نتوقعها، فالمفروض مع زيادة الوعي والتقدم تقل معدلات الجريمة، ولكن حدث العكس تماماً، والواقع بالنسبة للشباب أدى إلى وجود العنف والإجرام، لعدم وجود متنفس لطاقاتهم، فأماكن الترفيه أصبحت محدودة، وأغلبية الأماكن مقتصرة على العائلات فقط، و"ممنوع" دخول الشباب فيها، وبعد الحوادث الأخيرة أصبحت القيود أكثر في معظم الأماكن والمتنزهات.

وقدم السرحان اقتراحاً بتسليط الضوء على الشباب وتخصيص برامج وأماكن لهم، ونشر التوعية عن طريق المساجد ووسائل الإعلام التي ربما ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة نسبة العنف بينهم، وتجاهلته، وتهتم أكثر بالبرامج السياسية التي أصبحنا لا نشاهد غيرها.

البطالة والتهميش

من ناحيتها، علقت أم فهد (ربة منزل) على العنف والجرائم، مستنكرة ما يحدث الآن على أرض الكويت، قائلة: إن البلدان الغربية بدأت في سن قوانين صارمة للهجرة إليها والإقامة على أراضيها، وان أدت هذه القوانين إلى تعطيل مبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها تلك الدول، ولابد من الحل الأمني الذي يبدأ أولاً بحسم مشكلة "البدون"، وضبط العمالة الوافدة، والآن أصبحت الأمور واضحة وضوح الشمس، فحل قضية البدون يقلّص نسب الجريمة، حيث إنهم يعانون البطالة والتهميش وأبناؤهم بلا مستقبل، وبالتأكيد ينجرفون إلى الجريمة والعنف، ولكننا لا نتحلى بالجرأة بمصارحة أنفسنا بكيفية حل المسألة حلا جذرياً.

واقترحت أم فهد عمل إحصائيات في البداية لتحديد الجنسيات والأعمار والمستوى التعليمي وكل المعلومات عن مرتكبي الجرائم، وذلك لتحديد الأسباب والدوافع، ومن ثم التعامل بالشكل المناسب.

غياب الرقابة

بدورها، وجهت رئيس قسم علم النفس بوزارة التربية نضال الحداد اللوم إلى الجميع قائلة: للأسف الكل شارك في جرائم العنف الأخيرة (الأسرة، والداخلية والإعلام) سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وارتكبت الجرائم في غفلة من رقابة تلك الجهات، والأطفال في سن صغيرة يشاهدون أفلام الأكشن في منازلهم بلا رقابة على القنوات وألعاب الـ"بلاي ستيشن"، وأصبح الطفل في العاشرة من عمره يقطع الأجساد بالريموت ويرى المشاهد الدموية ويستمتع بالقتل.

تفعيل دور الأسرة

واقترحت الحداد الرقابة المشددة من قبل الأسرة والإعلام وغيرهما، خصوصا على القنوات التي تساهم في نشر العنف، وعلى الأسرة تفعيل دورها تجاه أبنائها خصوصا الأب والأم باعتبارهما مسؤولين أساسيين عن تصرفات أبنائهما وبناتهما وإبعادهم عن أصدقاء السوء، ولا أقصد بكلامي إغفال مسؤولية المدرسة تجاه التلاميذ، ولكن ليست للمدرسة أو المدرسين والمدرسات مهمة غرس القيم والوعي بين الطلاب فقط. كفانا إلقاء اللوم على الآخرين، إذ إن المنزل له دور أساسي في توجيه الأبناء نحو التصرف باحترام مع أفراد المجتمع، فالأسرة والعلاقات الأسرية المتزنة، رغم صعوبة ظروف الحياة، هي التي تعطي الدروس المفيدة والنافعة للنشء.

ومن جانب آخر، أكدت الموجهة بوزارة التربية موزة الجناع أن العنف ليس ظاهرة ولكنه مشكلة تواجه المجتمع الكويتي، ولا نريد أن تستفحل، فالعنف أصبح موجوداً في مجتمعاتنا العربية وفي الكويت، إذ إن الأسرة والمدرسة والإعلام تلعب دوراً مهماً في زيادة العنف ومعدل الجريمة. وأضافت: نلاحظ داخل المدرسة أن الأسرة تعنف الطفل وبالتالي يصبح متعنفاً مع الآخرين، ومهمة وزارة التربية هنا من خلال المدارس استدعاء ولي الأمر للبحث في أسباب العنف الموجود لدى التلميذ والوصول إلى علاج لحالته.

وتابعت: الطفل ليس مذنباً في أسلوب تعامله مع الآخرين، ولكن المسؤولية تقع على عاتق الأبوين، ولدينا العلاج سواء باللعب أو العلاج الفردي والجماعي، ونوجّه الأم إلى تغيير أسلوب معاملتها مع الطفل والابتعاد عن الضرب والإهانة، وأحياناً يكون عنف الطفل نتيجة لتسلط الأب أو قسوته.

استعداد داخلي

كما أشارت الجناع إلى نقطة مهمة هي أن الطفل الذي يُعامل من والديه بقسوة ليس بالضرورة أن يصبح متعنفاً، فهذا يتوقف على استعداده الداخلي ومدى تقبله للعنف، وهناك نوع من الشباب يستخدم العنف كمصدر قوة، اعتقاداً منه انه الأقوى، وهناك من الأهل من يشجع الطفل على أن يأخذ حقه بيده أو يقتدي بأحد، ولم يعد مصطلح الطيبة والسماحة موجوداً لدى المراهقين، فضلا عن تشجعيع الأسرة على الرد بعنف على المدرسين، فهناك فرق شاسع بين الأدب والوقاحة، إذ إن الأسرة هي الأساس في تعليم الطفل هذا الفرق.

جريمة «الأفنيوز»

وجدنا أن الجرائم الأخيرة أغلب مرتكبيها من فئة الشباب، فأين دور أسرتهم؟ والذي ذبح الشاب في "الأفنيوز" ندين أسرته وتربيته، بالإضافة إلى وسائل الإعلام و"الداخلية" والضعف في تطبيق القوانين، وهناك عناصر من "الداخلية" تسيء لغيرها، وفي الفترة الأخيرة فقدت "الداخلية" هيبتها، وبعد أن زادت جرائم القتل والعنف أصبحت أقوم بتوجيه أبناء العائلة إلى كيفية التعامل مع الآخرين، وعدم ترك أنفسهم فريسة للاستفزاز حتى لا يفقدوا احترامهم لأنفسهم.

منظومة متكاملة

كما أكدت الجناع مدى مساهمة الإعلام في تعزيز العنف بما يقوم به من تهويل لبعض الأمور، ولابد من التعاون الكامل بين الداخلية والإعلام والأسرة والمدرسة، لأنها منظومة متكاملة، حتى لا تستمر تلك الممارسات الغريبة على مجتمعنا للحد من عنف الشباب.

الخلل السلوكي

وفي ما يخص أسباب زيادة العنف وطرق الحد منه والتغلب عليه داخل مجتمعنا، قال عضو هيئة التدريس بكلية التربية والاستشاري النفسي والاجتماعي د. حسن الموسوي، إن "الكويت دولة حضارية تحترم الإنسان وتعمل دائماً على تطويره، ولكنْ للعنف سببان أحدهما عضوي والآخر ناتج عن الخلل السلوكي، والسبب العضوي يتعلق بالخلل الموجود في تركيبة الإنسان التي تفقده القدرة على التحمل والتعامل مع الآخرين، أما السبب الثاني للعنف وهو المتعلق بالخلل السلوكي فيكون نتيجة التنشئة الاجتماعية وعدم وجود القدوة، مما أدى إلى تراكم هذه الأمور على شكل شحنات انفعالية فتخرج على هيئة سلوك غير مقبول، وكل منهما يؤدي إلى حالة من العنف.

كما أكد د. الموسوي أن زيادة شكل وأدوات العنف أدت إلى ولادة نوع من الأنانية وحب الذات، بالإضافة إلى وسائل الاتصال الحديثة التي خلقت نوعاً من عدم الاستقرار بجانب الطائفية والقبلية التي ساهمت بشكل كبير في ولادة العنف، وجعلت الإنسان فاقدا القدرة على التحمل والسيطرة.

الحد من عنف الشباب

ووجه الموسوي حديثه عن زيادة ظاهرة العنف إلى فئة الشباب باعتبارهم الأكثر انخراطاً في المشاغبات وارتكاب الجرائم كما رأينا من أحداث خلال الأيام الماضية، والتي مازالت تتكرر على مدار الساعة، وكل ذلك يرجع إلى فقدان القدوة، ووتعاطي الأدوية والعقاقير، مما ساهم في تدمير نفسية الشباب وأخذهم إلى طريق الفشل والإحباط والصراع وعدم إثبات الذات.

سبل القضاء على العنف

وطرح د. الموسوي عدة حلول للقضاء على عنف الشباب أو الحد منه، ومنها على سبيل المثال إعطاء فرصة للشباب بقضاء أوقات فراغهم في ممارسة الأنشطة المختلفة، والاشتراك في عدة برامج تتناسب مع ميولهم وقدراتهم لتفريغ الطاقة السلبية الموجودة بداخلهم، كما نادى بضرورة تطبيق القانون بحزم على كل الفئات ومختلف الأعمار لخلق الوعي في المجتمع، بالإضافة إلى دور الأسرة التي يجب أن تعمل على مراقبة الأبناء وإشباع حاجاتهم النفسية.

كما أشار الموسوي إلى دور الحكومة، الذي يجب أن يتضح من خلال العمل الجماعي مع المؤسسات، وكذلك فرض القوانين الرادعة على الشباب ليسود الأمن والأمان بين كل أطياف المجتمع.

أهمية التربية

ومن جانبه، أكد الوكيل المساعد لقطاع المساجد في وزارة الأوقاف وليد الشعيب الدور التوعوي للمساجد التي تحث كل فئات المجتمع على السلام والبعد عن العنف سواء كانوا صغاراً أم كباراً، وكذلك الدور المهم لبرامج الأنشطة التي تنبذ العنف، وتحث الشباب على اختيار الأصدقاء، ولا ننكر أن دور المسجد مهم في توعية النشء والشباب، ولكن الدور الأسري مهم جداً، لأنه يساهم في إبعاد الأبناء عن كل ما يشدهم إلى العنف وسوء الخلق، خصوصا إذا كانوا من الأصدقاء أو زملاء الصف، وضرورة تربيتهم على القيم والأخلاق، فديننا هو دين التسامح، ولذلك الأسرة هي أساس القيم التي يتعلمها ويتلقاها الطفل منذ نشأته، فيجب على كل أسرة الاهتمام بغرس قيم ومبادئ الدين في نفوس أطفالها، لتنشئة الطفل نشأة دينية قريبة من التسامح بعيدة عن الأنانية والعنف.

الحشاش: العنف يهدد أمن المجتمع

وفي ما يخص دور وزارة الداخلية تجاه الحد من انتشار جرائم العنف التي عمت البلاد في الآونة الأخيرة، أكد مدير إدارة العلاقات العامة والتوجيه المعنوي ومدير إدارة الإعلام الأمني بالإنابة العقيد عادل الحشاش، أن المجتمع الكويتي أصبح يعاني انتشار ظاهرة العنف التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، وتعقد وزارة الداخلية اجتماعات مكثفة مع كل الجهات المعنية، من أجل تضافر الجهود، للسيطرة والحد من تلك الظاهرة المنتشرة في العالم العربي كله.

وأضاف أن غياب دور المدرسة والأسرة تجاه توجيه أبنائها وضعف الدور الرقابي تجاههم من أهم أسباب انتشار الجريمة في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى عدم وجود متنزهات كافية للشباب، وانتشار الأسلحة وأدوات الجريمة ساعد أيضاً على زيادة تهور الشباب رغم جهود وزارة الداخلية وحرصها على مصادرة تلك الأسلحة.

وأشار الحشاش إلى أهمية دور الإعلام في حماية الشباب والحد من العنف والجريمة، ووزارة الداخلية تحرص كل الحرص من منطلق دورها الاجتماعي تجاه قضية العنف على التصدي لتلك الظاهرة.

جريمة كل نصف ساعة

أكدت إحصائية مركز البحوث والدراسات والإحصاء بوزارة الداخلية حدوث أكثر من 57 جريمة متنوعة في الكويت كل يوم منذ بداية 2012، حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي، بواقع جريمتين في الساعة الواحدة، كما أظهرت أن البلاد شهدت (15 ألفا و501 جريمة) متنوعة خلال الأشهر التسعة فقط، بما يعادل (57 جريمة في اليوم الواحد)، وأظهرت الإحصائية أن عدد جرائم الجنايات بلغ 3 آلاف و906 جرائم، في حين بلغت جرائم الجنح (11 ألفا و595)،

فضلاً عن تضاعف بعض أنواع الجرائم الجنائية في البلاد، مثل القتل العمد والسرقة بالإكراه والتهديد، وجرائم الاعتداء على النفس، وزيادة معدلات جرائم حيازة السلاح الناري والذخيرة بلا ترخيص، مما يشير إلى ارتفاع الجرائم في البلاد، ويستلزم كذلك المزيد من الإجراءات الأمنية، ووضع خطة متكاملة، بالتعاون بين الداخلية والجهات المختصة الأخرى، لبحث دوافع الجريمة وسبل الحد منها.

back to top