80 عاماً من الدم والغدر (2) صندوق الـ«بندورا» الذي كشف أسرار «الجماعة»

نشر في 04-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 04-07-2015 | 00:01
جاء اغتيال رئيس الحكومة أحمد ماهر، ليشعل الأمور في قاهرة الأربعينيات من القرن الماضي، حيث تبادل فرقاء السياسة التهمة، وإن كان القصر والحكومة السعدية، استقر في يقينهم أن جماعة «الإخوان» تقف خلف الجريمة، في وقت سعت الجماعة الى ترسيخ نفوذها في شارع السياسة المصرية متحدية القصر، ما أدى إلى تفجر الصراع بين القصر وحكوماته غير المنتخبة، وبين جماعة «الإخوان»، التي لجأت إلى سلاحها المفضل، الإرهاب، ما فتح أنهار الدماء من جديد.

تحكي الأسطورة اليونانية القديمة أن بندورا (حواء اليونانية)، حصلت على هدية خبيثة من كبير الآلهة زيوس، تمثل في صندوق مغلق، حذرها بروميثيوس، الجبار الذي أحب البشر فأهداهم سر النار، من خطورة فتح الصندوق، لكن الفضول غلب الحذر، ففتحت بندورا الصندوق فخرجت جميع الشرور التي يعج بها العالم الآن، هذه الأسطورة تحولت إلى واقع مع الإخوان، فأسرار الجماعة كشفت مرة واحدة، بمحض المصادفة، لأن صندوق بندورا الإخوان تمثل في سيارة «جيب» كشف سقوطها في قبضة الأمن المصري حقيقة التنظيم الإرهابي.

الخبير الأمني خالد عكاشة، يقول في كتابه «أمراء الدم» إن انكشاف تنظيمات الإخوان المسلحة تزامن مع توتر الأجواء بين حسن البنا وجماعته، والقصر ورئيس الحكومة الجديد محمود فهمي النقراشي، صديق أحمد ماهر الذي قضى على يد الإخوان، فرغم ادعاء القاتل الانتماء للحزب الوطني، ليبعد الشبهة عن البنا ورفاقه، فإن الأجواء توترت بعدما بدأ التنظيم الخاص بقيادة عبدالرحمن السندي في تنفيذ عمليات تصفية جسدية لمخالفي الجماعة.

وبات المراقب للعلاقة بين القصر والإخوان يؤمن أنها علاقة حكمتها قاعدة بندول الساعة، من النقيض إلى النقيض، علاقة تحكمها النفعية، القصر يريد استخدام الجماعة لتحجيم نفوذ «الوفد»، ما يسمح للقصر باحتكار السلطة بشكل مطلق، بينما ترغب الجماعة في استغلال علاقتها بالقصر لتوفير غطاء يسمح لأنصارها بممارسة جميع المخالفات دون ملاحقات.

كل من المؤرخ ريتشارد ميتشل وعبدالعظيم رمضان أكدا في دراستيهما عن الإخوان أن التقارب بين القصر والإخوان بات القاعدة مع وصول إسماعيل صدقي باشا إلى رئاسة الوزراء في فبراير 1946، وهو الرجل سيئ السمعة والمعروف بأنه رجل القصر القوي، ورغم رفض مختلف القوى الوطنية لقرار الملك تعيين صدقي، فإن الإخوان أبدوا ترحيبهم بقرار الملك، وخرجت المظاهرات الإخوانية المؤيدة، بل إن زعيم الإخوان داخل الجامعة المصرية (جامعة القاهرة فيما بعد)، علق على وعد إسماعيل صدقي بعدم استخدام العنف ضد طلاب الجامعة، مستشهدا بالآية القرآنية: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54].

وحصل الإخوان على ثمن تأييدهم لقرار الملك فاروق، فوفقا للمؤرخ ميتشل في دراسته المرجعية عن {الإخوان}، حصلت الجماعة على ترخيص بإصدار صحيفة باسم الجماعة، ظهرت بالفعل في مايو 1946 باسم {الإخوان المسلمين}، مع امتياز شراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية، امتياز لم تحصل عليه الصحف القاهرية على اختلاف مشاربها، والتي اضطرت لشراء ورق الطباعة من السوق السوداء بأثمان باهظة، كما منحت الحكومة المصرية لجوالة الإخوان بعض الامتيازات المتعلقة باستخدام المعسكرات الحكومية، ومنحها قطع أرض لبناء مبان للجماعة في المناطق الريفية، فضلاً عن تقديم معونات حكومية للجماعة بوصفها مساعدات لخدمات تعليمية واجتماعية!

وتم تفعيل التحالف بين القصر والإخوان عبر تصدي الجماعة لتحركات الوفد والقوى الوطنية، وبلغ الأمر مداه باستخدام الإخوان العنف لمطاردة أعضاء القوى الوطنية حماية للقصر ورئيس الحكومة إسماعيل صدقي، وبلغت الجرأة بأعضاء الجماعة حدا دفعهم لتحدي قرار الحكومة بمنع تسيير أي طوابير أو مواكب في الشارع، ونظموا مسيرة أمام قسم شرطة الخليفة (وسط القاهرة) نهاية عقد الأربعينيات، ما أدى إلى اشتباكات مع مأمور القسم ورجاله، لكن الحكومة عادت ووبخت مأمور القسم، وسوت الموقف بالسماح للإخوان بتنظيم احتفالية ضخمة أمام قسم الخليفة تأكيدا على انتصار الجماعة.

في تلك الأجواء تخلص حسن البنا من رفيق دربه أحمد السكري، الذي تجمع الكثير من المصادر والشهادات الموثقة على أنه المؤسس الحقيقي لجماعة {الإخوان}، فتم طرد السكري من الجماعة سنة 1947، وعين صالح العشماوي رئيسا للتنظيم السري خلفا للسكري، ثم آلت القيادة الفعلية إلى عبدالرحمن السندي الذي أشرف على الشق العسكري للجماعة، في ظروف يكتنفها الغموض.

في وقت بدأت الجماعة تكثف من التدريبات العسكرية لأعضائها بحجة المشاركة في حرب تحرير فلسطين، وهو ما اعتبره ميتشل {حجة لم تفعّل قط}، وكل ما حدث هو تنفيذ عدة عمليات إرهابية ضد اليهود المصريين، فتم نسف محل شكوريل، ثم وقع انفجاران في حارة اليهود (شرق القاهرة)، وتوالت التفجيرات، وكان أكبرها ما وقع بشركة {الإعلانات الشرقية}، التي أشيع مساندتها للنشاط الصهيوني، في 22 نوفمبر 1948، ما أدى إلى تصدع جميع المنازل والمحال القريبة من موقع الانفجار.    

ومع تزايد وتيرة التفجيرات الإخوانية، سقط بعض شباب الإخوان في قبضة قوات الأمن، وجرت محاكمتهم أمام القاضي أحمد الخازندار، الذي سبق له أن حاكم قاتلاً شغل الناس في مصر وعرف بـ{سفاح الإسكندرية}، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، لكنه حكم على المتهمين الإخوان بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات، كان الحكم اختبارا لقوة الجماعة، وتوجهت الأنظار إلى حسن البنا لمعرفة الرد.

رسالة تهديد

    

  تسرع حسن البنا وعبدالرحمن السندي في جني ثمار العمل السري الممتد منذ سنة 1928، حيث أرادا أن تصل رسالتهما واضحة إلى الجميع، من ليس معنا فمصيره القتل، كان شعورهما بالقوة يتعاظم، أدركا أن اللعب على نغمة الجهاد ضد المستعمر يجني فوائده، تقاربا مع بعض القوى السياسية على خلفية مواجهة المحتل، كما أكسبهما التحالف مع القصر غطاء من المشروعية في العمل، ومنح الإخوان حرية في شراء السلاح وجمعه.

ووفقاً لرفعت السعيد، ترك البنا الحبل على غاربه لأعضاء التنظيم السري لممارسة العنف وإرهاب جميع الخصوم، وجاءت لحظة الحقيقة عندما حكم الخازندار بإدانة شباب الإخوان، ما اعتبرته الجماعة بمثابة الإهانة وإلقاء لقفاز التحدي، فجاء قرار تصفية الخازندار، وأعطى البنا مشروعية لعملية الاغتيال، قائلاً فور سماعه بالأحكام :}لو ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله}، وهو ما اعتبره عبدالرحمن السندي بمثابة حكم بالإعدام على القاضي الجليل، ليقرر الدفع ببعض شباب التنظيم لتصفية الخازندار، ما كان مؤشراً على قرب نهاية {التحالف التاريخي} بين القصر والإخوان، بحسب توصيف المؤرخ رؤوف عباس حامد.

وتروي مجلة {آخر ساعة} في عددها الصادر في 24 مارس 1948 التفاصيل الدقيقة للدقائق الأخيرة في حياة الخازندار، في يوم 22 مارس 1948م، فقد استيقظ القاضي يوم مقتله في الخامسة والربع صباحا وهو الوقت الذي اعتاد أن يستيقظ فيه، وبعد أن راجع بعض أوراق قضاياه بدأ يرتدي ملابسه، ثم اتجه إلى مكتبه وظل فيه إلى الساعة السابعة والثلث، وعاد إلى المنزل مرة أخرى فلم يقض فيه إلا دقائق قليلة ثم خرج في السابعة والنصف تقريبا ليلحق بقطار اللوكس السريع في حلوان في الساعة الثامنة.

 وبعد خروجه من منزله وعلى بعد أمتار قليلة ظهر من العدم محمود سعيد زينهم (يبلغ من العمر 22 عاما لحظة وقوع الجريمة) وحسن عبدالحافظ ( يبلغ من العمر24) من شباب الإخوان اللذين انهالا على جسد الخازاندار رميا بالرصاص حتى بلغ عدد الرصاصات التي أُطلقت عليه 14 رصاصة، استقرت منها سبع في جسد الشهيد.

ترصد {آخر ساعة} بقية أجواء الجريمة قائلة إن منفذي العمل الإجرامي طاردهم أهالي حلوان وأصحاب المحلات، بل وأطفال المدارس، ما أدى إلى ارتباك الجناة واضطرارهما إلى الهروب إلى الجبل بديلا عن الذهاب إلى المدينة كما هو متفق عليه لسهولة التخفي، لحق البوليس بالجناة وبعد تبادل قصير للنيران استسلم الإخوان الجناة، وبدأت التحقيقات التي أشرف عليها النائب العام –وقتذاك- محمود باشا منصور، قدم المتهمان إلى محكمة الجنايات وقام رئيس محكمة الجنايات المستشار عبدالفتاح بك البشري، بمحاكمة الجناة بنفسه وأصدر حكمه عليهما بالسجن المؤبد نتيجة لفعلتهم الشنعاء.

وكان للحكم وقعه على المتهمين فترصد لنا صحف ذلك العصر أن {محمود سعيد زينهم} قفز في قفص الاتهام، قفزة طاول بها سقف القاعة، أما {حسن عبدالحافظ} فقد انطلق في ضحك هيستيري، فطبقا للمؤرخ عبدالرحمن الرافعي كان ظن الجناة أن المحكمة ستحكم بإعدامهما، فما كادا يسمعان الحكم حتى قابلاه بالبشر والفرح العظيم وتعانقا وتبادلا التهاني كأنما قد حكم ببراءتهما، ما حدث بالفعل بعد نحو 4 أعوام ومع وصول الضباط الأحرار إلى سدة الحكم، كانت العلاقات الودية مع {الإخوان} مسيطرة، حيث أفرج {الأحرار} عن جميع المسجونين من {الإخوان} في السجون المصرية على رأسهم محمود سعيد زينهم.

ارتباك القيادات

جن جنون الحكومة المصرية بقيادة فهمي النقراشي، الذي تولى رئاسة الحكومة بعد إقالة إسماعيل صدقي، وبدأ في دراسة إجراءات متشددة ضد الإخوان، فالنقراشي قبل التحدي وقرر مواجهة إرهاب الإخوان بكل حزم، ما أصاب قيادات الإخوان بالارتباك، لدرجة أن البنا فور تنفيذ عملية الاغتيال وسقوط الجناة في قبضة الأمن، صلى العشاء ثلاث ركعات وسها في الركعة الرابعة، وهي المرة الوحيدة التي شاهده فيها أعضاء الجماعة يسهو في صلاته، ووفقًا لشهادة عضو التنظيم الخاص، الدكتور عبدالعزيز كامل، في كتابه {في نهر الحياة}، أنه دخل في نقاش حاد مع البنا والسندي، حول جريمة الاغتيال.

وقال كامل للبنا: هل أصدرت أمرا صريحا لعبدالرحمن السندي باغتيال الخازندار، وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟

قال البنا: لا.    

فقال كامل: إذاً فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسؤولية هذا العمل أمام الله؟

فأجاب البنا: نعم.    

توجه كامل بأسئلته إلى السندي بعد استئذان البنا، قائلاً: ممن تلقيت الأمر بهذا؟

السندي: من الأستاذ حسن البنا.

كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟

رد السندي: لا.

كامل: إذاً من يتحمل مسؤولية الشباب الذين دفعتم بهم إلى مقتل الخازندار؟

السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر.

كامل: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة.

وسأل كامل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هي عليه أم تحتاج منك صورة جديدة للقيادة وتحديد المسؤوليات؟

فرد البنا: بل لابد من تحديد المسؤوليات.

وفقا لشهادة كامل فتلك الواقعة كشفت عن عمق الخلافات بين البنا والسندي، ومدى شعور الأخير بالقوة لرئاسته التنظيم الخاص، وانتهاجه لمنهج أكثر دموية، فيما كان البنا يرغب في مزيد من التدرج والتراجع خطوات، والبعد عن الاصطدام المباشر مع القصر والحكومة، بعدما استشعر أن اندفاعه عرض الجماعة كلها للخطر، لكن خيوط لعبة العنف والقتل التي أطلقها البنا من قبل، أفلتت بالكامل من بين يديه، فلم تعد تخضع له بقدر ما بات يخضع هو لها، تقوده أنى شاءت.

سقوط {الجيب}

في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، وصلت العلاقة بين الإخوان والدولة المصرية إلى نقطة الصدام، تم إلقاء القبض على البنا لكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة ضده، في وقت بدأ القصر وحكومة النقراشي في استشعار خطر جماعة {الإخوان} التي تحولت إلى كيان مواز للدولة المصرية، دولة داخل الدولة، لا تعلم الدولة المصرية عنها شيئا.

كان أكثر ما يخشاه القصر، وفقا لكتاب ريتشارد ميتشل، أن يعلن الإخوان الثورة على النظام القائم، رأى القصر أن عملية رعاية الإخوان ودعمها في مواجهة الوفد، انتهت بتحويل الإخوان إلى خطر لا يقل خطورة عن الوفد، فتقاربت وجهات النظر بين القصر وحكومة النقراشي بضرورة توجيه ضربة قاصمة، لكن نقص المعلومات حول التنظيم وقف حائلا أمام التحرك ضد الإخوان.

ويقول عبدالعظيم رمضان إن القدر حل إشكالية القصر وحكومة النقراشي، ففي يوم 15 نوفمبر 1948، وأثناء قيام عدد من أعضاء النظام الخاص بنقل أوراق فائقة السرية وبعض الأسلحة والمتفجرات في سيارة جيب من إحدى شقق الإخوان السرية إلى شقة أخرى بحي العباسية (شمال القاهرة)، اشتبه الأمن في السيارة التي لم تكن تحمل أرقاما، ومع توقيف السيارة عثرت قوات الأمن على كنز معلوماتي تمثل في أسماء 32 قياديا من قيادات التنظيم الخاص، الذي لم تكن سلطات الأمن تعلم عنه شيئا، فضلا عن وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله.

 وحتى ذلك التاريخ لم يكن الأمن المصري يعلم شيئا عن التنظيم الخاص، ففي يناير 1948 اكتشفت قوات الأمن وجود مخزن سلاح في جبل المقطم، يحتوي على 165 قنبلة ومجموعة ضخمة من السلاح، وعند إلقاء القبض على من تواجد في المكان، قالوا إنهم يجمعون السلاح لحرب تحرير فلسطين، فتم الإفراج عنهم، على الرغم من أن  قائدهم كان سيد فايز، القيادي بالتنظيم السري، فالمعلومات كانت معدومة عن هذا التنظيم المسلح قبل واقعة الجيب.

وفي مساء ذلك الیوم كانت إحدى عربات الجیب تتأهب للوقوف أمام أحد المنازل بالقاهرة في نفس اللحظة التي تصادف فيها مرور قوة من رجال البولیس، وعندما لاحظ رجال الشرطة أن العربة غیر مطلیة بأي دهان وأنها محملة بالأقفاص، ذهبوا لمواجهة الرجلین اللذین هبطا منها ولاذا بالفرار في الحال، إلا أن الأهالي الذين تجمعوا بعد أن أخذ رجال الأمن في الصیاح: {صهاینة.. صهاینة}، أوقفوهما على بعد مسافة قصیرة.

 وخلال لحظات قلیلة كان رجل ثالث یحمل حافظة جلدیة یسیر في طریقة إلى المكان المحدد للقاء- قد أثار الشبهات وأوقف هو أیضا عن طریق الأهالي، وكشف تفتیش شقة الشخص الثالث- والتي كانت هي المكان المحدد للقاء بين رجال التنظيم- عن ثلاثة آخرین من المجموعة، وخلال ساعات قلیلة وصل عدد المقبوض عليهم إلى 32 شخصا، ومن خلال الأوراق والوثائق التي عثر علیها في السیارة الجیب والحافظة الجلدیة وملفات المذكرات والأجندة ومحفظة الجیب والسجلات الشخصیة الأخرى التي عثر عليها في منازل المقبوض عليهم، انكشف أمر الجهاز السري للإخوان المسلمین.

بعدما وضعت حكومة النقراشي يدها على تلك الوثائق بدأت في إجراءات حل جماعة {الإخوان}، وفي 28 نوفمبر ألقي القبض على حسن البنا، الذي أمضى نحو شهر في الحجاز لأداء فريضة الحج، لكن أفرج عنه بعدها، وحاول البنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومحاولة تأجيل لحظة مواجهة العاصفة.

لكن الأحداث بسرعتها طوت الجميع، فأثناء تظاهرات للطلبة من جميع التيارات داخل الجامعة المصرية ضد قبول الهدنة في حرب فلسطين، خرجت قوات الشرطة بقيادة حكمدار القاهرة، سليم زكي، وخلال المعركة الساخنة بين الطرفين، ألقيت قنبلة على زكي أودت بحياته، وعلى الفور تم اتهام الإخوان بالوقوف خلف الجريمة.

حاول البنا، وفقا لرفعت السعيد في كتابه {الإرهاب المتأسلم}، التدخل بكل السبل لفتح خط اتصال بالملك والقصر، بذل ماء الوجه، ذكّر بالتحالفات القديمة، حاول التواصل مع رئيس الديوان الملكي إبراهيم عبدالهادي، لكنه لم يحصل على أكثر من كلمات مبهمة من صديقه وكيل وزارة الداخلية، عبدالرحمن عمار، بأن شيئا ما سينقذ الموقف، وكان ذلك في 8 ديسمبر 1948.

انتظر حسن البنا تحرك القصر في مقر الجماعة، بعد ساعات من مكالمته مع عمار، استمع البنا ورفاقه إلى نبأ عاجل على الراديو بصدور قرار من وزارة الداخلية بحل جماعة {الإخوان المسلمين} بكل فروعها في عرض البلاد وطولها، الغريب أن القرار جاء بناء على مذكرة أعدها عبدالرحمن عمار نفسه.

وفي الحال أحاطت قوات الشرطة بمقر الجماعة الرئيسي وألقي القبض على الجميع باستثناء البنا، الذي ترك وحيدا في مقر الجماعة يشاهد والحسرة تأكل قلبه انهيار ما بناه في نحو عشرين عاما، حاول البنا أن يستجدي النقراشي لكن الأخير رد بقسوة قائلا: {لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك}، فالتنظيم الخاص كان انهار بعد سقوط معظم قيادته –وفي مقدمتهم السندي نفسه- في قبضة الأمن، ما مكن الدولة المصرية من فصل قيادات الإخوان عن قواعدها التنظيمية فسادت الفوضى صفوف الجماعة.

وحاولت الجماعة التخلص من أوراق قضية سيارة {الجيب} بأي وسيلة ممكنة، ووصل الأمر إلى محاولة تفجير محكمة الاستئناف (13 يناير 1949) لإتلاف أدلة الاتهام ضد قيادات الجماعة وتدمير جميع المستندات التي عثرت عليها الشرطة في سيارة {الجيب}، لكن أمكن ضبط المتفجرات وتم إخراجها خارج المحكمة، حيث انفجرت وأسقطت 25 مواطناً بجروح مختلفة

... يتبع

back to top