80 عاماً من الدم والغدر (12) ((عين الشيطان)) تغتال الشيخ العالم

نشر في 14-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-07-2015 | 00:01
خرج شكري مصطفى من السجن عام 1971، لا تشغله إلا فكرة واحدة هي تطبيق ما آمن به من أفكار داخل السجون، بالعمل على تطبيق أفكار التكفير على المجتمع، والبدء في الهجرة، استعداداً للمعركة الختامية التي تقضي على النظام المصري، لتعلن على جثته قيام دولة شكري مصطفى، ومن أجل هذا الهدف بدأ النشاط سراً، وحشد الأنصار من حوله استعداداً لتحديد الهدف الذي يعلن من خلاله أفكاره وأهدافه على المجتمع المصري.

لم يكن من الممكن لشكري مصطفى أن يمارس نشاطه بيسر إلا في إطار لعبة أنور السادات، التي كان أول من دفع ثمنها، ففي إطار انقلابه على ميراث سلفه جمال عبدالناصر، عمد إلى التحالف مع التيار الإسلامي من أجل ضرب التيار القومي الناصري، وتحجيمه، في وقت مال السادات إلى إلقاء 99 في المئة من أوراق لعبة الشرق الأوسط في يد الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني الانقلاب على التحالف القائم بين مصر والاتحاد السوفياتي وقتها، تمهيداً للدخول في أحضان العم {سام».

كانت السجون تضم عند وفاة الزعيم جمال عبدالناصر 118 من أبناء التيار الإسلامي منهم، 80 من الإخوان المسلمين في مقدمتهم عمر التلمساني، ومحمد قطب، ومصطفى مشهور، و38 من جماعات التكفير أبرزهم علي عبده إسماعيل، وشكري مصطفى.

طلب السادات ملفات المتشددين وقرر الإفراج عنهم في صفقة سياسية بدون مقابل ومن طرف واحد، رغم تحذير جميع الأجهزة الأمنية من خطورة هؤلاء، كانوا جميعاً مصنفين {خطر جداً}، لكنها دراما التاريخ جعلته يوقع بيده قرار إعدامه.

لم يستجب السادات وفتح القمقم مرة واحدة، فخرجت الصقور الجائعة دفعة واحدة وانتشرت في ربوع مصر... واتجه شكري مصطفى إلى أسيوط وبقي الآخرون في قلب القاهرة، وبدأت خطة الانتشار والتسلل والاختراق في القلب والأطراف.

ويقول وكيل جهاز مباحث أمن الدولة اللواء فؤاد علام في مذكراته التي ضمها كتابه {الإخوان وأنا} عن بداية تنظيم {التكفير والهجرة}: {شكري أحمد مصطفى، تم الإفراج عنه في صفقة السادات السياسية عام 1971، خطط لإقامة الدولة الإسلامية، بعد أن تخرج جيوشه من منطقة شعاب اليمن لتطهر العالم من الفساد والكفر، وانتشر التنظيم في عدة محافظات أبرزها المنيا وأسيوط، وتدربوا على الأعمال العسكرية في منطقة جبلية بالبر الغربي لمحافظة المنيا، كنا في ذلك الوقت نرصد الخيوط، ولكننا نعمل بدون غطاء سياسي، وأبلغنا أحد الخفراء السريين أنهم حاولوا قتله أثناء مروره مصادفة في المنطقة، ولكنه نجح في الإفلات، وتم ضبط المجموعة بالكامل، وكان أول تنظيم لجماعة التكفير والهجرة وقدموا للمحاكمة في القضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا، ولكن لم تكن الأدلة قوية لإدانتهم وكانت الأحكام الصادرة مخففة جداً».

السقوط الأول

يكشف علام عن كيفية الكشف عن أول تنظيم تابع لجماعة {التكفير والهجرة}، قائلاً: {في الربع الأول من سنة 1974 كان أحد الخفراء يمشي مصادفة في ناحية البر الغربي من مدينة المنيا، وشاهد مجموعة من الشباب يتدربون على بعض الألعاب الرياضية ويتخذون من المنطقة الجبلية هناك مقراً لإقامتهم، وما إن شاهدوه حتى أطلقوا عليه بعض الأعيرة النارية، الأمر الذي حدا به إلى الإسراع بالهروب وقام بإبلاغ الشرطة بما حدث، وتمت مداهمة الموقع وضبط الموجودين وما فيه ومعهم بعض الأسلحة، وأغلبها كان من السلاح الأبيض.

كانت هناك معلومات عن تحركات شكري مصطفى التنظيمية ولما تم ضبط هذه المجموعة تبين من الكشف على أسمائهم بأرشيف مباحث أمن الدولة أن بعضهم من أعضاء هذا التنظيم، وهنا اكتشفنا أن التنظيم لم يكن محترفاً بالقدر الكافي، حيث كانت مفاجأة لنا أنهم قاموا بتسليح أنفسهم وأنهم أعدوا هذا الموقع لمعسكر لهم يقيمون فيه ويتدربون بدنياً وعسكرياً، وظهر أن فكر التكفير قد تغلغل في نفوسهم إلى حد كبير.

وشكلت مجموعات للتحقيق مع من تم ضبطهم تحت إشراف العقيد نديم حمدي، والذي كان من أكفأ ضباط مباحث أمن الدولة في هذه المرحلة، وكشفت التحقيقات أبعاد التنظيم بالكامل ومخططاتهم وأهدافهم، ولم تكن الأدلة كافية لإدانتهم بتهمة محاولة تغيير نظام الحكم بالقوة، لذلك فقد رؤي الاكتفاء بتقديم عدد منهم للاتهام وحكم عليهم بأحكام تراوحت بين السنة والثلاث سنوات، وظهر جلياً أن المشكلة التي يجب أن نواجهها فوراً، هي مواجهة هذا الفكر التكفيري الخطير الذي يمكن أن يكون سبباً في إحداث فتنة بين المسلمين.

ويستطرد علام: قمت بالاتصال بالمسؤولين في المؤسسات الدينية المختلفة، {الأزهر والأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية)، واطلعناهم على مضامين ما يطرحه الأعضاء من أفكار، كما اتصلنا بالمركز القومي للبحوث الجنائية، وطلبنا منهم مساعدتنا في إجراء دراسة علمية عن أسباب انتشار مثل هذه الأفكار في أوساط الشباب.

وأشار علام إلى أنه تمت الاستعانة بإخواني تائب يدعى محمد علي الأسود، والذي قام بدراسة الأفكار التكفيرية لأعضاء التنظيم، وتفنيد أدلتهم الدينية، بالتوازي مع جلسات بين رجال الأمن والمتهمين أدت في النهاية إلى قناعة بأن {القضية إنما هي قضية فكر بالدرجة الأولى، وأن السبيل الأمثل لمواجهتها هو الحوار المباشر لمقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، وأن الأمر يحتاج إلى ضرورة مشاركة مختلف المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية لمواجهة هذه الموجة العاتية من الأفكار الشاردة والبحث عن وسائل أخرى لجذب الشباب لحظيرة الإسلام الصحيح، وأن الإجراءات الأمنية البوليسية لن تكون سبيلاً ناجحاً للمواجهة بغير مساندة هذه الجهات، ونتيجة لهذا فقد قمنا بإعداد دراسة بوجهة نظرنا وباقتراحتنا في هذا الشأن، ولكن بكل أسف لم ينفذ منها شيء».

ورغم إلقاء القبض على شكري، فإن الرئيس السادات خرج في 21 أبريل 1974، بعفو رئاسي لشكري وأعضاء تنظيمه، في إطار تحالفاته مع الإخوان المسلمين، راسماً الطريق الذي أودى بحياته في نهايته.

اختطاف الشيخ

تصدت وزارة الأوقاف برئاسة الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي {مواليد 1915}، لأفكار شكري مصطفى المنحرفة، وأصدرت الوزارة كتابا في 68 صفحة، يضم كتابات لـ19 من رموز الدعوة الذين تصدوا لهذه الأفكار التكفيرية، وكتب الشيخ الذهبي مقدمة الكتيب، الذي حمل عنوان {قبسات من هدي الإسلام}، وقد نشر عام 1975. وقال الذهبي في التقديم: {يبدو أن فريقاً من المتطرفين الذين يسعون في الأرض فساداً، ولا يريدون لمصر استقراراً، قد استغلوا في هذا الشباب حماس الدين، فآتوهم من هذا الجانب، وصوروا لهم المجتمع الذي يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر، تجب مقاومته ولا تجوز معايشته، فلجأ منهم من لجأ إلى الثورة والعنف، واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين، وآووا إلى المغارات والكهوف، ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذي ينتمون إليه، لأنه في نظرهم مجتمع كافر يجب مقاومته».

ورغم محاولة الشيخ الذهبي التزام الهدوء واستخدام لهجة تلتزم أدبيات الحوار الإسلامي، فإن جنون العظمة واللوثة العقلية التي ضربت عقل شكري مصطفى جعلته يعلن حرباً لا هوادة فيها على الشيخ الجليل، ولا يكتفي بأقل من رأسه ثمنا لتجرؤه على توجيه سهام النقد لتنظيم مصطفى وجماعته، لذلك أصدر النائب الأول لشكري مصطفى، ابن شقيقته ماهر عبدالعزيز، الأوامر باختطاف الذهبي.

ويسرد فؤاد علام وقائع هذه العملية الإرهابية التي تمت في 4 يوليو 1977- قائلاً: {تبلغ للإدارة من مديرية أمن القاهرة بأن اثنين من الشباب قد توجها إلى منزل الشيخ الذهبي بحلوان، وادعيا أنهما من رجال الشرطة، وقاما باصطحاب الشيخ الذهبي {رحمه الله}، غير أن طريقة التنفيذ أثارت شكوك أهله، مما جعلهم يستغيثون بالأهالي، وكانت هناك حراسة على منزل الشيخ الذهبي، ولما حاولت الحراسة اعتراض المختطفين قاموا بإطلاق أعيرة نارية تجاههم، الأمر الذي أكد أنهم ليسوا رجال الشرطة، وتمكن المختطفون من وضعه في سيارة والإسراع بها، وشاء القدر أن السيارة الأخرى التي كانت معهم تعطلت، فتمكن حرس الشيخ الذهبي من القبض على قائدها وسلموه لرجال مباحث أمن الدولة عند وصولهم إلى مكان الحادث.

ويضيف علام: {عاد اللواء حسن أبوباشا مدير مباحث أمن الدولة من ألمانيا بعد ارتكاب الحادث بيومين، وفور وصوله للمطار أُبلغ بالحادث، فأمر وهو موجود بالمطار بتشكيل مجموعة عمل من عشرين ضابطاً، وأسند إليّ {أيّ فؤاد علام}، مهمة رئاسة هذه المجموعة، وحدد لنا تكليفات مضمونها سرعة الوصول إلى مكان احتجاز الشيخ الذهبي وكشف غموض الحادث وتصفية التنظيم الذي أعد لهذه العملية».

وتابع علام: أعلن المختطفون مطالبهم عبر وكالات الأنباء العالمية، والتي تنحصر في الإفراج عن جميع المضبوطين من أعضاء الجماعة، مع دفع مبلغ مئة وخمسين ألف جنيه للجماعة، تعويضاً عما أصابها من أضرار بسبب الإجراءات الأمنية السابق اتخاذها حيالهم، مع اعتبار القضايا السابق اتهام أعضائها بها كأن لم تكن.

شكل علام مجموعة عمل من رجال الأجهزة الأمنية، بهدف كشف غموض الحادث، وتجميع المعلومات الدقيقة حول أعضاء التنظيم، وتفتيش الشقق المفروشة على مستوى الجمهورية، والتركيز على منطقة القاهرة الكبرى، خصوصاً المناطق النائية، مع وضع المراقبات الدقيقة على سيدات الجماعة حيث كان قد ظهر اعتماد الجماعة على قيامهن بعملية الاتصالات بين أعضاء تنظيم {التكفير والهجرة}، فضلا عن استدعاء طلال الأنصاري الذي كان محكوماً عليه في سجن طرة في قضية {الفنية العسكرية}، لأنه كان من قيادات جماعة {التكفير والهجرة} في فترة سابقة، ويعلم الكثير عن أعضائها ومقار أوكارهم، وقد أدلى للأجهزة الأمنية بمعلومات مهمة في هذا المجال، ما أسفر عن سقوط العديد من عناصر التنظيم في قبضة الأمن.

وتوصلت الأجهزة إلى معلومة أن شقيق صفوت الزيني الصغير، والذي لم يكن يتعدى العشر سنوات في هذا الوقت، هو حلقة الاتصال بين شكري مصطفى وباقي أعضاء الجماعة فوضعت خطة لمراقبته بدقة شديدة طوال 24 ساعة، وأسفرت مراقبته عن تردده على بعض المواقع أحدهما بشارع الملك فيصل، بجوار المسجد الذي كان يخطب فيه الشيخ عبدالحميد كشك، وعند مداهمته وجد ما يدل على وجود شكري مصطفى في المقر قبل اقتحامه بيوم، حيث عثر على عدد من صحيفة الأهرام، وعلى خطاب أعده شكري مصطفى ليرسله لبعض عناصر التنظيم بتعليمات تخص تحركهم المطلوب الإعداد له.

وتمكنت قوات الأمن من ضبط أحد عناصر التنظيم بناحية الهرم، وأثناء ضبطه حاول ابتلاع ورقة تمكن الضابط من استخراجها من فمه بالقوة، وتبين أنه مكتوب عليها الآتي: إلى أبومصعب عليكم نقل الخضار في عربة يد، بعد أن تضعوا فيه كمية وافرة من النشادر، وأن تتوجهوا به إلى ترعة المريوطية وتلقوه بها، التوقيع أبوسعد.

اتضح من هذه الرسالة أن احتمالية مقتل الشيخ الذهبي كبيرة، خصوصاً أن من يتكنى بـ}أبي مصعب} تبين أنه عضو جماعة {التكفير والهجرة} محمد عبدالمقصود غازي، والذي كان تم ضبطه من قبل، فتم استجوابه من جديد في سجن القلعة، وبعد أربع ساعات اعترف بوجود الشيخ الذهبي في شقة بأحد الشوارع الجانبية بشارع الهرم، على الفور قامت قوات الشرطة بمداهمة المكان، وعثرت على جثة الشيخ الذهبي ملقاة على أحد الأسرة مصاباً بطلق ناري في عينه اليسرى، أصابت المخ وتسببت في الوفاة مباشرة في الساعة 10 من مساء 5 يوليو 1977، وأن من تولى تنفيذ أمر الإعدام الذي أصدره شكري مصطفى هو ضابط شرطة سابق يدعى طارق عبدالعليم، وكان شكري مصطفى يفتي بأن العين اليسرى هي العين التي ينظر منها الشيطان، وكأنه قتل الذهبي من عين الشيطان.

سقوط أمير التنظيم

كان الشغل الشاغل لأجهزة الأمن المصرية العثور على رأس الأفعى، أمير تنظيم {التكفير والهجرة}، شكري مصطفى، الذي بدأ رحلة اختفاء عن الأنظار تاركاً أفكار التكفير خلفه، وباستمرار المراقبة تم تحديد محل إقامته في شقة بمنطقة عزبة النخل ناحية المرج (شمال شرقي القاهرة)، وأعدت القوات المناسبة، التي اقتحمت الشقة، حيث تم ضبطه في حوالي الساعة 10 صباحاً، وتم اصطحابه إلى قسم الزيتون، وإخطار القيادات الأمنية التي حضرت على الفور بقيادة اللواء نبوي إسماعيل واللواء حسن أبوباشا، حيث قاموا بمحاولة سريعة لاستجواب شكري مصطفى، والذي امتاز بالغرور {حتى أنه أعلن أمامهم أنه سيرث الأرض وما عليها، وأن لا أحد من الناس يمكنه أن يمسه بسوء، لأنه محفوظ بالعناية الإلهية، وصور في حديثه أنه المهدي المنتظر الذي سيحرر العالم الإسلامي من العبودية وسيعيد للإسلام مجده، وسيقيم الخلافة مرة أخرى}، بحسب ما جاء في كتاب {الإخوان وأنا} لفؤاد علام.

ويسرد لنا ملف القضية الخاصة بتنظيم التكفير والهجرة، اللحظات السابقة على إلقاء القبض على شكري مصطفى في منطقة عزبة النخل، وتقول السجلات: {في ظهر يوم 8 يوليو 1977، كان سري عبدالمحسن عطا من إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن القاهرة، وهو من أهالي المنطقة نفسها، يجلس بمحل ترزي مجاور لهذا المنزل، وحوالي الساعة الواحدة ظهراً شاهد رجلاً وامرأة، المرأة منتقبة والرجل ملثم، والمرأة تحمل طفلا على كتفها، والرجل يحمل حقيبتين كبيرتين، وعندما اقتربا من المنزل رقم 18 ظهرت إحدى المنتقبات من الشباك وأشارت إليهما بالابتعاد، ولكن المخبر والترزي لحقا بهما.

وجرى الحوار التالي وفق ما هو مثبت في محضر التحقيقات:    

المخبر: أنت مين؟ ومخبي وشك ليه؟

الملثم: أنا زين، عاوزين ايه؟

المخبر: عايزين بطاقتك.

الملثم: انتم مين؟ وفين بطاقاتكم؟

المخبر: إحنا مباحث، فين بطاقتك؟

الملثم: أنا معرفش أي حاجة ولا أعترف بالبطاقات! لو سمحتم، لا يجوز أن تكون هناك عورة بيننا، الست حتدخل وأنا هأرجع لكم.

دخل الملثم مع المرأة المنتقبة ثم عاد وحده، وبعد قليل عاد وقام المخبر بتفتيشه فعثر معه على 24 جنيهاً، وتذكرة قطار قادم من بنها، ثم قال الملثم: انتو عايزين مني ايه أنا ماعنديش بطاقة؟

المخبر: اسمك أيه؟

الملثم: اسمي زين.

المخبر: أنت من جماعة {التكفير والهجرة} اللي قتلت الشيخ الذهبي؟

الملثم: الجماعة مقتلتش حد.

المخبر متسائلاً: أنت من الجماعة؟

الملثم منفعلاً: أنا شكري مصطفى، عايزين ايه؟ عايزين ايه؟ عايزين ايه؟

ساد الصمت لحظات، فالمخبر أدرك أنه وقع على الصيد الثمين، الرجل الذي يشغل بال المصريين جميعا، وتبحث عنه الداخلية من أكبر قيادة فيها إلى أصغر مخبر، كان وحده بلا سلاح أمام الرجل الذي يدعي أنه خليفة المسلمين القادم، أمير تنظيم التكفير والهجرة، سقط في يد المخبر، لذلك حاول تمالك نفسه وقال في هدوء: {مش عايزين حاجة اتفضل ادخل نام».

طلب المخبر من الترزي التوجه إلى أقرب تليفون للإبلاغ عن مكان وجود شكري مصطفى، فيما ظل المخبر أمام المنزل خشية هرب أمير التكفيريين، وعلى الفور وصلت قوة ضخمة من الشرطة حاصرت المكان، وألقت القبض على شكري مصطفى، ليخرج بعدها مساعد وزير الداخلية حينذاك اللواء النبوي إسماعيل، ليعلن على وسائل الإعلام أن القبض على شكري مصطفى يمثل نقطة تحول مهمة في مواجهة تنظيم {التكفير والهجرة} باعتبارها نقلت أجهزة الأمن من مرحلة مواجهة الجماعة إلى مرحلة تصفيتها.

دارت العجلة، وسقط التنظيم الإرهابي سريعاً على الرغم من محاولة أعضائه الضغط بتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المواطنين الأبرياء، مثل تفجير سينما {سفنكس} بحي {المهندسين} في محافظة الجيزة، ما أسفر عن إصابة 25 شخصاً، والفشل في محاولة تفجير محطة حافلات العتبة، فضلا عن إحباط محاولة نسف مقار مباحث أمن الدولة.

النهاية

حلت النهاية سريعاً، ففي 6 يوليو 1977، أصدر الرئيس المصري أنور السادات القرار الجمهوري، والذي جاء نصه: {بعد الاطلاع على الدستور، وعلى القانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، وعلى قانون الأحكام العسكرية، وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 1337 لسنة 1967 بإعلان حالة الطوارئ... يحال إلى القضاء العسكري القضية 205 حصر أمن دولة عليا لعام 1977، الخاصة بخطف ومقتل الدكتور محمد حسين الذهبي وما ارتبط بها من جرائم أخرى، وكذلك الجرائم المتصلة بتنظيم جماعة التكفير والهجرة وما ارتكب أفرادها من جرائم أخرى لم يتم التصرف فيها بعد».

وبعد دفاع شكري عن نفسه، قضت المحكمة العسكرية بتنفيذ حكم الإعدام على شكري أحمد مصطفى، وماهر عبدالعزيز بكري، ومحمد عبدالمقصود السيد غازي، وأحمد طارق عبدالعليم، كما صدرت أحكام على باقي أعضاء التنظيم بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن سنة.

ورغم تنفيذ حكم الإعدام في شكري ورفاقه في 30 مارس 1978، فإن التنظيم لم يمت معه، فأفكار التكفير كانت كنبت الشيطان، ما إن تسقط رأسها حتى تظهر غيرها، أضعافا مضاعفة، فرغم الضربة الأمنية فإن بعض العناصر هربت واحتفظت بفكرة التكفير وعملت على تطويرها ومد الخيط على امتداده، فانضموا للكثير من التنظيمات التكفيرية الموجودة بكثرة في فترة السبعينيات، في ذلك الوقت كان هناك تنظيم آخر بدأ يحظى بالكثير من الشهرة والجاذبية بين أوساط التكفيريين، كان ذلك تنظيم {الجهاد الإسلامي}، والذي اجتذب بعض أعضاء تنظيم {التكفير والهجرة} المتداعي، ازدهار تنظيم {الجهاد}، كان يعني أن ساعة السادات قد اقتربت.

back to top