بكاء السفّاح!

نشر في 24-07-2012 | 00:01
آخر تحديث 24-07-2012 | 00:01
كنتُ في الولايات المتحدة الأميركية، ضمن بعثة من ضباط المباحث يترأسهم العقيد فادي الحبشي، الذي تشرَّفت بالعمل معه قبل هذه البعثة وبعدها لسنوات طويلة... أثناء وجودنا في أميركا لم تكن تصلنا أخبار حوادث القتل المجهولة والمتكررة والمزعجة، والتي كان يشهدها بعض المناطق العشوائية، وقد كانت قليلة السكان في ذلك الوقت من عقد الثمانينيات، مثل عين شمس والمطرية والمرج!

عدنا إلى القاهرة ففوجئ العميد فادي الحبشي باستدعاء من اللواء عصام نجم، رئيس مباحث القاهرة، وتكليفه برئاسة قطاع شرق القاهرة لكشف غموض أسرار حوادث السفاح الذي أطلقت عليه الصحف «سفاح المطرية»، بعدما وصلت جرائمه إلى 18 جريمة قتل، خلال ثلاثة أشهر!! كان المعدل مخيفاً ومفزعاً: قتيل في الأسبوع، وأحياناً قتيلان كل عشرة أيام! وعلى رغم أن العميد فادي لم يعمل منذ تخرجه في أي من أقسام شرق القاهرة على الإطلاق، فقد وافق بعدما نقل إليه اللواء عصام نجم ثقة اللواء وزير الداخلية فيه وترقيته قبل عودته من أميركا كي يعود مباشرة للاستفادة منه في وقف نزيف دم الضحايا في المنطقة الممتدة من عين شمس وحتى المرج وحدود محافظة القليوبية! ونقلت أنا معه وفي أول اجتماع لفريق البحث وضع العميد فادي خطته التي ركزت على محاور عدة:

أولاً: إيقاف جرائم القتل، حتى يهدأ المواطنون وتخف حملات الصحافة ونلتقط أنفاسنا للبحث عن الجاني!

ثانياً: تكثيف الدوريات الأمنية الراكبة والراجلة وتوجيه نصائح إلى المواطنين بألا يسير أحد بمفرده قدر الإمكان، وتنبيه الشرطيين السريين بمفاجأة أي شخصين يسيران معاً بسؤالهما إن كان بينهما شخص لا يعرف الآخر أم لا. فالواضح من دراسة الجرائم أن الجاني يختار ضحيته من البسطاء، وبعدما يمثل عليه دور المخبر يتظاهر بأنه يقوده إلى القسم ثم يطلب منه أن يسير أمامه وفي منطقة زراعية أو مهجورة يفاجئه من الخلف فيقوم بخنقه، بعدما تنبطح الضحية أرضاً، فإذا فارقت الحياة استولى على ما معها من نقود أو ساعة يد وكل ما يثبت شخصيتها كي لا تتعرف الشرطة إلى شخصية القتيل؟! بالتالي، فإن مفاجأة أي شخصين يسيران معاً قد تكشف شخصية الجاني لو أن أحدهما قال عن الآخر إنه مخبر ويقتاده إلى القسم!

ثالثاً: التنبيه على أصحاب الأراضي الزراعية بتعيين خفير مسلح على كل أرض والإبلاغ عن أي جثة يتم العثور عليها، خصوصاً أن بعض الجثث السابقة تم اكتشافه بعد أيام عدة من تحللها، ما يصعِّب من مهمة الطب الشرعي والمعمل الجنائي؟

رابعاً: حصر الهاربين من مستشفى الخانكة للأمراض العقلية لاحتمال أن يكون الجاني مجنوناً وغير مسؤول عن أفعاله، ويربك بتصرفاته العشوائية فريق البحث الجنائي، كذلك حصر المفصولين من جهاز الشرطة من جنود ومخبرين لسوء سلوكهم، ما دام استقر في وجدان فريق البحث أن الجاني يمثِّل دور المخبر فليس هناك ما يجبر أحد البسطاء أو الفقراء على إطاعة الأمر والسير بالطريقة التي يحددها الجاني، إلا إذا كان الجاني اعتمد على بساطته وألقى في روعه أنه أحد أفراد الشرطة السريين!

فعلاً، توقفت جرائم الجاني. نجح الجزء الأول من الخطة بعدما أصبح التواجد الأمني منتشراً والأراضي الزراعية يحرسها خفراء مسلحون، لكن بقي الجزء الأهم والأخطر وهو ضبط الجاني، ثم الحصول على أدلة جرائمه مصحوبة باعترافه!! خصوصاً أن جرائم هذا السفاح كافة تمت بطريقة واحدة، الضحية يتراوح عمرها بين الثلاثين والأربعين ويتم العثور على جثته وهو منبطح أرضاً على وجهه نتيجة مهاجمته من الخلف، ثم خنقه وتجريده من إثبات الشخصية ونقوده وساعة يده وأي شيء كان يحمله!!

رسام خاص!

أول الغيث قطرة كما يقولون، فقد عثر أحد الخفراء أثناء مروره على حدود الأرض الزراعية، التي يحرسها على شخص يحتضر وتنطبق عليه مواصفات باقي الضحايا. أسرعنا بنقله، وطلبنا أن يوضع تحت إشراف كبار الأطباء، كي نستفيد منه بأي معلومة. كنا نضع أيدينا فوق قلوبنا، والمجني عليه داخل غرفة العناية المركزة خوفاً من أن يفارق الحياة، وتضيع فرصة العمر في التعرف منه إلى أوصاف الجاني. لكن كان القدر رحيماً بنا... بصعوبة بالغة وتحت إشراف الأطباء أعطانا المجني عليه أوصاف الجاني وكنا قد استدعينا أحد أمهر الرسامين ليرسم ملامح الجاني طبقاً لما يدلي به المجني عليه، وفعلاً تم تنفيذ اللوحة التي أقر المجني عليها أنها تشبه ملامح الجاني تماماً!

وكانت المفاجأة حينما توقفت إحدى الدوريات أمام شخص يتشاجر مع آخر في منطقة عرب المطرية... وداهمت الدورية المكان وسألت الشخص الأول عن سبب المشاجرة فإذا به يخبر رجال الدورية بأنه كان في طريقه لمحطة القطار حينما فوجئ بالشخص الذي يتشاجر معه يطلب منه إثبات الشخصية وأن يرفع يديه لأعلى حتى يفتشه ثم عاد وطلب منه أن يصطحبه إلى قسم الشرطة، وأضاف هذا الشخص أنه من رجال الجيش، ورفض أن يعامله مخبر سري بهذه الطريقة!! فوراً وطبقاً لتعليماتنا، أقتيد الشخصان إلى فريق البحث، أخلينا سبيل الأول واحتجزنا الثاني الذي كانت ملامحه شديدة الشبه بالملامح التي تخيلها الرسام! لكنه رفض بشدة الاعتراف بأية جريمة وأنكر أنه السفاح، ولم يكن بإمكاننا تقديمه على أنه الجاني لأن النيابة ستخلي سبيله فوراً، وفوجئنا بالعميد فادي الحبشي يطلب منا أن نتركه له ولا يتعامل معه أي ضابط آخر!!

فوجئنا بأن المتهم راح يشتم مفتش المباحث، الذي كان يتمالك أعصابه، ويأمر رجاله وضباطه أن يحتفظوا مثله بأعصابهم، فالمتهم يريد أن يتعرض للضرب ثم يطلب من النيابة توقيع الكشف الطبي عليه، وإثبات الاعتداء ليصنع خصومة بينه وبين ضباط المباحث لصرف النظر عن التحقيق معه في جرائم القتل التي ارتكبها!

مرّت عدة أيام... وبدأ شهر الصوم الكريم!

كان فريق البحث برئاسة العميد فادي يقيمون بشكل مستمر في مقر فرقة شرق القاهرة في قسم شرطة عين شمس ومعهم المتهم الذي يصر على الإنكار!

جلسات طويلة عقدها مفتش المباحث مع المتهم من دون جدوى، حتى بدأ مفتش المباحث يغير من أسلوبه مع بداية شهر رمضان: الضابط يحضر في المساء، وفي الثانية صباحاً يطلب مفتش المباحث إحضار المتهم لتناول السحور معه، من دون أن يناقشه في القضايا أو الاتهامات، وبعد السحور يعود إلى محبسه حتى يرتفع صوت المؤذن لصلاة الفجر... فيأمر مفتش المباحث بإحضار المتهم مجدداً ليؤدي صلاة الجماعة مع الضباط والمخبرين، أحد الضباط يقوم بالإمامة، ويقف مفتش المباحث إلى جوار المتهم في الصف الأول، ثم باقي الضباط والمخبريين! كان المشهد غريباً على رجال الشرطة وعلى المتهم أيضاً، فلا المفتش يناقشه في الاتهامات ولا المتهم يتكلم، والضباط يتهامسون في ما بينهم: هل تركوا بيوتهم ليتناولوا السحور مع السفاح ثم يصلون الفجر معه؟

المفاجأة

بعد أيامٍ قليلة، وبمجرد إحضار المتهم من محبسه لآداء صلاة الفجر، طلب المتهم أن يتحدث مع مفتش المباحث! اصطحبه إلى مكتبه في حنو، وحرص المفتش على أن يظل صامتاً حتى بادر المتهم بالنظر إلى الضابط، وبدأ حديثه بسؤال: «بصراحة يا أفندم... أنا عاوز أتعلَّم الصلاة. أنا عمري ما دخلت مسجد، ولا وقفت على سجادة صلاة! وكنت مكسوفاً وأنا واقف معاكم على سجادة الصلاة، ممكن أتعلم؟».

وافق مفتش المباحث، وسأل المتهم عما يحفظه من القرآن، ردّ المتهم بأنه لا يحفظ سوى الفاتحة والتشهد. تهلل وجه مفتش المباحث، واطمأن المتهم بأنه يستطيع الصلاة بما يحفظ، وبدأ في تعليمه الركوع والسجود والجلوس للتشهد. فرح المتهم بعدما أصبح يجيد الصلاة بمرور نصف ساعة فقط... بعدما كان في الأمس يقلد المصلين فحسب!

مرت ثلاثة أيام... ثم كانت المفاجأة الجديدة!

مضت هذه الأيام الثلاثة على وتيرة واحدة وسط ذهول الضباط المستمر من الأسلوب الذي يتبعه مفتش المباحث مع المتهم في صبر لم يتعوده أحد منهم... يتناولان السحور معاً وكأن صداقتهما تزداد يوماً بعد يوم، ثم يؤديان صلاة الفجر جماعة بعد ساعتين من دون أن يشعر المتهم أنه تحت الحراسة. هكذا أمر مفتش المباحث بأن يحس المتهم أنه حر حينما يكون في مواجهة الله!

في اليوم الثالث أثناء سجدة الجميع في الركعة الثانية من صلاة الجماعة فجراً، فوجئوا بصوت يجهش بالبكاء يكاد يصيبهم بالارتباك في الصلاة!

انتهى الإمام من الصلاة، واتجهت الأنظار نحو مصدر الصوت... اكتشفوا أن  المتهم غارق في البكاء. التقط مفتش المباحث يده واصطحبه إلى مكتبه من دون أن يحدثه بكلمة. فتح المتهم عينيه بصعوبة ليسأل مفتش المباحث:

• تفتكر يا باشا إن ربنا ممكن يغفر لواحد قتل ناس كتير؟!

• لو كانت التوبة صادقة ومن القلب.

• يعني ممكن؟

• طبعاً ممكن... ربنا إللي قال كده.

•• طب شوف يا باشا. أنا عاوز أعترف، أنا خسرت الدنيا، ومش عاوز أخسر الآخرة. أنا أول مرة سجدت فيها لربنا شعرت بأني حقير ومنبوذ، ولما اتعلمت الصلاة شعرت براحة عجيبة، أنا دلوقت مش خايف من المشنقة، أنا خايف من ربنا، ويمكن لما آخذ جزائي من العدالة يرحمني ويغفر لي.

شعر مفتش المباحث بفرحة غامرة، لكنه ركَّز مع المتهم على أن مغفرة الله له مضمونة بالكتاب والسنة لو أخلص نيته لله، وامتلأ قلبه بمشاعر الندم على ما فعله، ثم سأله مفتش المباحث فجأة:

•• ليه عملت كده؟!

ورد السفاح في مفاجأة من العيار الثقيل قائلا :

• يا باشا أنا خلاص ها تكلم. يا باشا افتح محضر علشان أحكي لسيادتكم على كل جريمة على حدة!

وبدأت أخطر اعترافات يُدلي بها سفاح طواعية، قال:

•• كنتُ أعمل مخبراً سرياً في مباحث بني سويف، ولأنهم ضبطوني أكثر من مرة أدخن الحشيش وألعب القمار فصلوني من العمل. لم تكن معي نقود وكل أصحاب الأعمال رفضوا توظيفي فقررت أن ألجأ إلى السرقة. فعلاً نفذتُ جريمتي الأولى في بني سويف، من دون قتل المجني عليه. فقدم بلاغاً ضدي وشرح أوصافي فتم التعرف إلى شخصيتي، ما سهل القبض عليّ وتقديمي إلى المحاكمة وصدر ضدي حكم بالحبس ستة أشهر. بعدما نفذته وخرجت تكررت المشكلة نفسها: من أين أنفق على نفسي؟! سرقت شخصاً آخر من دون أن أقتله أيضاً وكانت النتيجة عينها، أدلى المجني عليه بأوصافي فضبط للمرة الثانية وسجنت ستة أشهر أخيرة... زملاء السجن سخروا مني لسهولة وقوعي في يد الشرطة. فكرت في طريقة جديدة أخدع بها المباحث، وتوصلت إلى أن المجني عليه هو الذي يرشد عني فلماذا لا أقتله وأجرده من كل ما يثبت شخصيته فلا يتعرف إليه أحد ولا تصل إلي الشرطة! كي تنجح خطتي الجديدة، كان لا بد من تغيير المكان. لذا ذهبت إلى القاهرة واخترت منطقة بين القاهرة والقليوبية قليلة السكان نسبياً... ولا يتردد عليها أشخاص كثيرون... المهم أن يبدأ نشاطي من مكان شعبي مثل حي عين شمس وأحدد الضحية بعناية من خلال خبرتي كمخبر سابق!! وأصطاد الضحية من أحد المقاهي وأحياناً تكون سائرة بمفردها، وبسهولة أسيطر عليها كرجل شرطة وأقتادها إلى القسم وفي الطريق أقنعها بأننا إذا اقتربنا من القسم. ترفع يديها إلى أعلى وتمشي أمامي، حتى إذا شاهدها رئيس المباحث مطيعة يخلي سبيلها. كان كل واحد منهم يصدقني وينفذ ما أطلبه بدقة حتى يسترضي الضابط!

على مائدة القمار!

سأله العميد فادي عن السهولة التي كان يسيطر بها على ضحاياه... وعدم خوفه من أن يقع في يد الشرطة فرد السفاح بإجابة في غاية الغرابة أدهشتنا جميعاً. قال:

•• عندما أصبحت لا أعاني من مشاكل مادية أدمنت لعب القمار مع أصدقاء تعرفت إليهم في حي عين شمس. وكثيراً ما كنت أشترك معهم في الحكايات عن السفاح الذي أصاب المنطقة بالذعر. وذات ليلة خسرت كل ما في جيبي على مائدة القمار فاستأذنت من الحاضرين لإحضار نقود من صديق لي واتجهت إلى الشارع واخترت ضحية جديدة ومشيت به حتى منطقة المباني تحت الإنشاء بحي المطرية وتعاملت معه بنفس الأسلوب وبعد أن قتلته وجدت في جيبه عشرة جنيهات أخذتها ورجعت بسرعة إلى أصدقاء المائدة لنستكمل لعب القمار!!

المثير أن المتهم الذي تجلى في اعترافاته فاجأ العميد فادي الحبشي قائلا:

•• تحب أديك هدية يا باشا؟!.. أنت ضابط محترم وعلشان كده هاعترف لك بجريمة غير الـ18 جريمة إللي بتحقق معايا  فيهم.. ما هو إللي قتل واحد زي إللي قتل ألف.. كلها إعدام!.. بس أنا ارتحت لك.. ولي عندك رجاء!!

• أأمر..!

•• عاوز أنام ساعتين والصبح أرشدك عن مكان الجثث إللي لسه ماحدش يعرف مكانها.. والضحية الجديدة إللي اعترفت لك بيها دلوقتي!

يسأله العميد فادي مرة أخرى:

• وكيف كنت تخنق الضحايا؟!

•• كنت أستخدم الشال الذي أضعه على كتفي!!

• هل كان معك سلاح غير العصا؟!

•• أيوه يا أفندم.. مسدس صوت كان الضحايا بيتخيلوا أنه حقيقي!!.. بكره الصبح ممكن أرشد عن مكانه وتروح معايا أسلمه لك!

طبعاً الفرحة لا توصف في مبني مباحث عين شمس الذي اتخذه مفتش المباحث مقرا له. التف الضباط حول مفتش المباحث يستمعون إلى سياسته التي أثبتت نجاحاً باهراً. قال لهم، وكنت أحد ضباط هذا اللقاء:

• في الجنايات لا يمكن الضغط على متهم أو إكراهه على الاعتراف. كل إنسان داخله خير وشر. وهذا المتهم بالذات لم يكن يعترف أبدا لأنه مليء بالشر، ومستعد لمواجهة العنف بالشر الذي في داخله. لهذا كان لا بد من إيقاظ الخير الكامن في أعماقه، ولذا عاملته كإنسان يتناول السحور معنا ويصلي الفجر جماعة ويعيش جو رمضان الذي لم يعشه سابقاً. وبعد أيام انحسر الشر داخله، وبدأ يراجع نفسه كإنسان!

العاشرة صباح اليوم التالي، وعلى رغم الصيام وعدم النوم، اصطحب المفتش السفاح إلى الأماكن التي أرشد عنها وارتكب فيها جرائمه. ثم إلى الأماكن التي كان يخبئ فيها بعض متعلقات لبعض المجني عليهم داخل عشة، خشبية بالقرب من محافظة القليوبية، والعصا التي كان يحملها في يده وأحيانا يستخدمها في ضرب المجني عليهم! أما الأخطر والأهم، فكانت موافقته على كشف الأماكن التي دفن فيها بعض ضحاياه ، وهنا أقنعه العميد الحبشي بأن يستدعي النيابة لتحضر هذا الاعتراف والإرشاد، كان الحبشي من سعادته يخشى أن يتراجع المتهم عن اعترافاته ولو بنسبة واحد في المائة، ووافق المتهم وانتقل وكيل النيابة مع الضابط والسفاح، لكشف قبور الضحايا، الذين تبين فيما بعد أن أغلبهم كان من عمال التراحيل الوافدين من صعيد مصر، بحثاً عن لقمة العيش!!

أمرت النيابة بحبس المتهم، وأحيل إلى الجنايات حيث كرر اعترافاته. في النهاية، صدر الحكم بإعدامه. وفور النطق بإعدامه لم يهتز مثلما هي حال معظم المتهمين، بل طلب الكلمة من المحكمة، وطلب تدوينها في محضر الجلسة، ووافق رئيس المحكمة. وكنت أيضاً حاضراً هذه الجلسة، قال السفاح:

** يا سيادة المستشار عاوز أسجل في محضر الجلسة أن مفتش المباحث سيادة العميد فادي الحبشي صاحب الفضل في اعترافاتي. وأقسم لكم إنني لم أكن اعترف أبدا حتى لو وضعتم السيف فوق رقبتي. لكن هذا الضابط عاملني كإنسان وخلاني نفسي أعيش محترم. وعلمني أصلي وطمأني أن رحمة ربنا واسعة. بس كده... هو ده  كل إللي كنت عاوز أقوله قبل ما أموت!

بعد عام، أعدم سفاح المطرية ذات صباح داخل سجن الاستئناف في القاهرة، ومفتش المباحث كان منشغلاً بقضية جديدة تتعلق بمحاولة تهريب آثار! لكننا تعلمنا منه درساً مهماً أن الوصول إلى أعماق المجرم واحترام آدميته، سيأتي بنتائج لا يأتي بها الكرباج أو أي وسيلة تعذيب أخرى!

back to top