الكاممبير اللذيذة... فخّ المذاق

نشر في 26-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 26-07-2007 | 00:00

تشتعل الحرب الأهليّة في حقول النورماندي المنخفضة الخضراء والهادئة عامّة. ثمّة كلمات مثل «غشّ» و{خيانة» و{غدر» تخترق الأسوار والأشجار. متى لا تكون جبنة الكاممبير كاممبير؟ هل يجب إلغاء 200 عام من التقليد المحلي لصناعة الأجبان ورميها طيّ النسيان في براميل المصانع الفرنسيّة التسويقيّة؟ أو هل يمكن لجبنة الكاممبير التقليديّة والرائعة المذاق أن تتسبب أحياناً بالمرض؟ تتخطّى المعركة الحدود المحليّة. ليست سوى جزء من حرب عالميّة بين الأصلي والمسوّق، حرب المحافظة على الوجه الأصلي الفريد في عالم يتحوّل فيه «الخيار» أكثر فأكثر نحو تقليد إحدى الماركات المختلفة. معركة بين فرنسا الحقيقيّة وفرنسا التقليد محورها تصرّف فرنسا الغريب وهي تدافع عن التقاليد الوطنيّة الأصيلة. مع ذلك تعمد إلى القضاء عليها.

تعدّ الأجبان رمزاً تقليدياً للأصالة الفرنسيّة. تلخّص تعدّدية أنواع الأجبان الفرنسية التي تتخطّى الـ700 نوع العناد الفرنسي والمخيّلة الغنيّة في عالم المطبخ. إلى ذلك يتعرّض تقليد صناعة الجبنة الفرنسية الأصلي المعتمد على الحليب الأصلي غير المبستر لخطر الزوال منذ سنوات. أما الأجبان المصنوعة من الحليب غير المبستر فلم تعد تشكل سوى نسبة 5% من السوق الفرنسية (رغم الارتفاع البطيء للمبيعات مجددّاً).

آراء مختلفة

إلى وقت ليس ببعيد ضمّت النورماندي عشرة معامل لجبنة الكاممبير بالحليب غير المبستر، متبعة الأساليب القديمة في حين أن أكثر الكاممبير المباع في العالم، حتّى في فرنسا، تقليد للأصلي ومبستر، مصنّع ولونه باهت. لا يتغيّر مذاق الكاممبير المبستر ويبدو نظيفاً ومرتّباً كما يكلّف أقلَّ من يورو من الكاممبير المصنوع من الحليب غير المبستر. أمّا الكاممبير الأصلي الذي يستحق تسمية كاممبير نورماندي فشكله مجعّد وغير مرتّب بينما تختلف مذاقاته بحسب تاريخ صنعه. ولا أجد سبباً يمنع وجود نوعي كاممبير لاحترام الأذواق والموازنات كافة. المشكلة هي في رغبة نصف مالكي معامل الكاممبير «التقليديّين»، المتمثّلين في تعاونية كبيرة وشركة أجبان، في تغيير قواعد اللعبة. يطالب المصنّعون التقليديون للكاممبير بإجازة الغشّ. يعترف بعضهم بأنّه يعتمد الغشّ منذ سنوات عبر تدفئة الحليب أو تصفيته. يريدون بكل بساطة تعديل القوانين لتتلاءم وطريقة عملهم. في جهة مقابلة يدحض المتمرّدون (الذين يسخدمون الحليب غير المبستر بنسبة 75 % في صناعة الكاممبير التقليدي) بغضب هذه الادّعاءات إثر استنتاجهم على مضض أن أنواع الكاممبير التقليدية غير آمنة والحليب غير المبستر المستخدم في صناعة الكاممبير يتسبب بتسمّم غذائي.

أشاد لوك موريلون مدير الاتصالات في شركة «لاكتاليس» إحدى أكبر شركات الأجبان في أوروبا ومدير لجنة الدفاع عن صناعة الكاممبير بالحليب غير المبستر لسنوات مع أن شركته تنتج كميات كبيرة من المبستر للتسويق. يقول: «أجرينا مسحاً شاملاً لأخطار الأجبان التي تستخدم الحليب غير المبستر ولا نودّ تعريض أطفالنا لدخول المستشفيات. هذا الأهمّ». تودّ شركة «لاكتاليس» تعريض الحليب لبعض الحرارة من غير اعتماد البسترة كما في صناعة أنواع الكاممبير الأربعة «Lepetit»، «Lanquetot»، «Jort» و «Moulin de Carel». في حين تفضّل تعاونية كبرى في منطقة ايزينيي (مصنّعة أحد أفضل الأنواع منه) تصفية حليبها بطريقة دقيقة. ويفترض أن تؤدّي الطريقتان إلى إزالة الميكروبات الخطيرة. لكن وفق التقليديين سيقضي ذلك على تنوّع المذاقات. تثير الغضب والقرف مطالبة شركتي «لاكتاليس» و»ايزيني» بحق تسمية أجبانهما في السوق «كاممبير نورماندي الأصلي». تثير هذه «الخيانة» غضب أصحاب معامل الكاممبير الأصلي الخمسة الباقية المستقلّة إذ يعارضون أي تغيير في القواعد، لذا شكّلوا لجنة دفاع خاصة بهم. يقولون «في إمكانكم تسخين الحليب وتصفيته قدر ما تشاؤون لكن لا تربكوا المستهلك عبر اعتبار أجبانكم أصلية». حتّى الآن يلقى هؤلاء مساندة المنظّمة الفرنسيّة التي تعنى بالماركات المسجّلة. ثمّة تحقيقات في الدعاوى وتلك المضادة لدى الفريقين يتوّقع أن تصدر تقريراً في نهاية العام. يدير لوران فليشار (36 عاماً) شركة «غييّو» وهي الأكثر تصنيعاً لجبنة الكاممبير التقليدية في قرية سانت هيلير دو بريوز. رجل شغوف ومحدّث موهوب مع وجه مستدير مثل قوالب الأجبان التي يصنّعها. يمكن لشركة «غييّو» أن تدعي صناعة أفضل كاممبير وأحد أفضل أجبان العالم. حصدت الميدالية الذهبية في مسابقة « Paris Concours Agricole» 13 مرّة من أصل 29 من ضمنها ميداليّة العام الجاري.

يقول: «لا تشكّل الأجبان المصنوعة من الحليب غير المبستر أي خطر. تبيّن الدراسات، في حال احترمت المعايير الصحيحة، أنها أكثر سلامة من الأجبان المبسترة. في هذه الأخيرة يتم القضاء على الميكروبات كافّة، الجيّدة منها والسيئة. في حال تعرضت الجبنة لهجوم ميكروبات إثر مغادرتها المعمل لن تملك أي وسيلة للدفاع. أمّا في الأجبان غير المبسترة فثمّة توازن طبيعي وجيّد بين الميكروبات الجيّدة والسيّئة. يحميك الجيّد منها من خطر السيّئ».

وفقاً للقواعد الراهنة يجب أن تحترم الجبنة عدداً من المعايير لتستحق تسمية كاممبير نورماندي. يفترض تصنيعها في جنوب نورماندي، في أحد أقسام كالفادوس أو أورن أو مانش. مصدر الحليب ينبغي أن يكون من أبقار ترعى على مسافة 20 كيلومتراً من المعمل، وأكبر نسبة منه يجب أن يكون مصدرها الأبقار السمراء الأصلية المرقّطة بالأبيض والأسود من النورماندي. ينبغي وضع الحليب في قوالب على خمس مراحل مختلفة تفصل بينها 45 دقيقة وبشكل يدوي أو بواسطة آلات معيّنة. تبقى المرحلة الأخيرة الأبرز: عدم تصفية الحليب أو رفع حرارته بما يفوق حرارة جسم الإنسان (أي 37 درجة مئوية). لا تواجه شركتا «لاكتاليس» و«ايزنيي» مشاكل في احترام باقي القواعد أو حتّى التشديد عليها بل تطالب بحقّ تسخين الحليب أو تصفيته وبيع الجبنة على أنّها كاممبير أصلي. هل سيشكّل ذلك فرقاً كبيراً؟ يشدّد فليتار على «نعم» جازمة. سيؤدّي ذلك إلى القضاء على الميكروبات السيّئة في الحليب غير أنه سيقضي على الميكروبات النباتيّة التي تعطي الكاممبير الطعم الفريد والنوع الجيد. تُدخل هذه الميكروبات في صناعة الكاممبير المبستر لاحقاً غير أنّ ذلك يوحّد مذاقاتها.

خطورتها

يضيف فليتار: «يختلف مذاق الكاممبير المصنوع في هذا المكان عنه وفق الأساليب ذاتها في معمل آخر. ما إن تتناول الكاممبير من شركة «غييّو»، حتى يلذها طعم عشب منطقة أورن الغني الذي يوحي طعماً مختلفاً عن عشب مانش أو كالفادوس. ولو عالجت الحليب فسوف تخسر هذا الطعم المحلي الفريد». هل يمكن أن نثق بكلام غييّو أن الجبنة غير المبسترة آمنة؟ عبر السنوات، شُخّص عدد من الإصابات الناتجة عن الأجبان المبسترة تفوق تلك الناتجة عن الحليب غير المبستر. في المقابل سُجل عدد من الحوادث الناتجة عن الحليب غير المبستر. كما أعلنت سيلفي لونتال (مديرة مختبر الأبحاث العلمية عن الحليب والبيض في مدينة رين) أن الحليب غير المبستر المستخدم في صناعة الكاممبير لا يشكّل سوى خطر ضئيل على صحّة الإنسان. لكنّها تشدّد على فكرة مختلفة إذ يؤدّي التطور التقني إلى إمكان إدخال البكتيريا المحليّة الجيدة إلى الجبنة بعد إتمام تصفيتها. «يعني ذلك أنّه يمكنك استعادة مذاق الأجبان غير المبسترة وان ما من طريقة كاملة، إلى ذلك من المحتمل توحيد الطعم بما أن الميكروبات النباتية لم تعد بالتنوّع ذاته».

ويبقى لبّ المسألة: هل يبرّر احتمال الإصابة بالمرض هدم 200 عام من تقليد صناعة الكاممبير؟ لو أردنا صوغ المسألة بطريقة مختلفة: هل يبرّر الخطر، الضئيل للغاية، صناعة الكاممبير بمزايا أقلّ على اعتباره أصليّاً؟ اختار فليتار طريقه وانضم إليه كثر من محبّي الكاممبير الأصلي غير المبستر. يقول فليتار: «أغرب ما في الأمر أن شركتي «ايزنيي» و«لاكتاليس» أعلنتا تخليهما عن اعتماد الماركة المسجّلة كاممبير حتّى تغيير القواعد غير أنهما لم تلتزما بذلك. بعد أسابيع لا تزال الشركتان تصنعان الكاممبير بالحليب غير المبستر رغم اعتباره خطيراً على صحّة الإنسان. في حال ظنّوا أن الأمر خطير لِمَ لا يزالون يعتمدونه؟». وتندلع الحرب.

صعوبة صناعتها

من المستحيل نفي صعوبة صناعة الكاممبير غير المبستر وخاصة بكميّات كبرى إذ تصبح محاولة مراقبة نوع الحليب غير المبستر أكثر دقّة. تحتاج الأجبان إلى الخضوع للاختبار أكثر من مرة وأحياناً يضطرّ المصنّع إلى التخلّص منها. يوضح فليشار: «هنا يكمن الخلاف، المال والهوامش. يمكنك أن تبيع جبنة كاممبير أصليّة مقابل مبلغ أكبر في حال تمكّنت من خفض كلفة صناعة الجبنة عبر التخلّص من ضرورة استخدام الحليب غير المبستر، مع الاحتفاظ بحق تسميتها كاممبير أصلي وتقليدي، فيمكنك آنذاك تحقيق أرباح كبيرة. نحن لا نقبل وجهة النظر هذه لأننا شغوفون بما نفعل، علماً أن مصنعنا يحب تقديم سلعة ذات نوعية حقيقية وأصليّة لو أردنا الاستمرار. أمّا شركات الأجبان الكبرى فتطالب بكلّ شيء. تودّ السيطرة على السوق والاحتفاظ بتقليد صناعة الجبنة الفرنسية وتاريخها، غير أنها تواجه صعوبات في الحفاظ على هذه التقاليد».

back to top