تداعيات استراتيجية إيران في تصعيد جهودها النووية

نشر في 20-12-2019
آخر تحديث 20-12-2019 | 00:04
مفاعل بوشهر النووي الإيراني
مفاعل بوشهر النووي الإيراني
ربما يظن البعض أن شبح فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة على إيران سيدفعها إلى التوقف عن سلوكها التصعيدي في المنطقة؛ لكن هذه الثقة قد تكون في غير محلها، لأن حكومة طهران ترغب بشدة في المجازفة، ويؤكد ذلك استمرارها في انتهاك الاتفاق النووي.
عاودت إيران لعبتها النووية التي يتوقع أن تستمر بها في العام المقبل أيضاً.

وقد أرفقت طهران تصعيدها النووي التدريجي بإجراءات عسكرية واسعة في المنطقة، وهي تهدف من خلال ذلك الى جر الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة الى معترك التوترات المستمرة هناك، ولتظهر لقادة تلك الدول أنه ليس في وسعهم البقاء مراقبين سلبيين لسياسة واشنطن المتشددة ازاء ايران، وأن عليهم الانخراط في اللعبة سواء أحبوا أم لا. واستهدفت طهران بشكل خاص ناقلات النفط الأوروبية واليابانية والخليجية اضافة الى انتاج النفط في المنطقة. وكانت رسالة ايران واضحة: اذا لم تتمكن طهران من بيع نفطها فلن يتمكن شركاء الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتحالفة معها من ذلك.

وبرهن هذا الأسلوب على شعبية في أوساط النظام الايراني وقدم للرئيس حسن روحاني دعماً هو في حاجة ماسة اليه كما أنه كان مؤشراً على نفاد صبر طهران الاستراتيجي حول الاتفاق النووي، أو ما يعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

ويمكن أن تكون عملية اتخاذ القرار ازاء القضايا الحساسة مثل البرنامج النووي غامضة ولكن من الواضح أن كل القرارات التي اتخذتها طهران حول التزاماتها بالاتفاق النووي خلال الأشهر الستة الماضي قد صدرت عن أعلى مستويات الحكم.

وبشكل إجمالي، تظهر ايران درجة واضحة تماماً من الانضباط، وبدلاً من تقويض الاتفاق النووي كما وعد خامنئي قبل انسحاب الولايات المتحدة تتخذ طهران خطوات محسوبة بعكس الأسلوب الأميركي الذي يفتقر الى استراتيجية محكمة ومتماسكة. ومنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لم تتخذ أي خطوة واضحة لتخفيف خطر السعي الى احتواء برنامج ايران النووي وقد أفضى ذلك الى فقدانها لتأثيرها وضاعف من صعوبة قدرة واشنطن على تحقيق أهدافها في السياسة الخارجية.

وعلى سبيل المثال، في شهر مايو الماضي وبعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بدأت ايران بتخفيف التزاماتها بموجبه كل شهرين. واعتباراً من الشهر الحالي انتهكت ايران حدود مخزونها من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب ورفعت النسبة الى أعلى من المسموح بها في الاتفاق النووي، كما تجاوزت القيود على بحوثها المتعلقة بأنشطة التطوير واستأنفت العمل في منشأة فوردو وهي كلها خطوات تهدف الى تحقيق ضغط تدريجي على الولايات المتحدة والدول الأوروبية من خلال استهداف ركائز الاتفاق النووي.

جوانب الأسلوب الإيراني

وقد تغيرت بعض جوانب الأسلوب الايراني على أي حال منذ شهر مايو الماضي ومنها على سبيل المثال كيفية التراجع أو موعده. وفي ذلك الشهر أعلنت طهران أنها سوف تتجاوز سقف التخصيب ولكنها لم تفعل ذلك حتى شهر يوليو، كما أنها أجلت الخطوة الأولى لمدة 60 يوماً من أجل اعطاء الدول الأوروبية الوقت الكافي للتصرف رداً على اعلانها السابق. وعلى العكس من ذلك فإن الحكومة الايرانية لم تقدم أي انذارات حقيقية الى الدول الأوروبية حول استئناف العمل في منشأة فوردو قبل الاعلان عن قيامها بذلك.

وفي حقيقة الأمر، وقبل أيام قليلة من ملاحظات الرئيس روحاني حول منشأة فوردو أعلنت ايران عن اجراءات جديدة تتعلق بالبحث والتطوير اعتبر كثيرون – داخل وخارج ايران - أنها تشكل الخطوة الرابعة.

وهكذا تفادت طهران تحجيم قدرة وصول برنامجها النووي الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاعتراف بتغطية أنشطتها عن المجتمع الدولي حول صنع قنبلة نووية. وكان اعتقال ايران لمفتش دولي في الشهر الماضي قد أثار الشك حول نيتها المضي في هذا الطريق، كما أثار السؤال حول امكانية مضايقتها للمفتشين الدوليين في المستقبل.

خطط إيران النووية

ليس من الواضح في الوقت الراهن ما هي خطط قادة ايران للمضي على المسار النووي ولكن توجد أسباب تحير المحللين فقد توقعت قلة منهم فقط أن تقوم ايران في شهر سبتمبر الماضي بتوجيه ضربة الى الأراضي السعودية اضافة الى الاجراءات التصعيدية في منطقة الخليج في ربيع وخريف العام الجاري.

وربما يظن البعض أن شبح عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة قد يدفع ايران الى التوقف عن سلوكها التصعيدي في المنطقة، ولكن هذه الثقة قد تكون في غير محلها لأن حكومة طهران ترغب بشدة في المجازفة ويؤكد ذلك استمرارها في انتهاك الاتفاق النووي.

يضاف الى ذلك كله أن ايران قد حذرت من أنها في حال اعادة فرض العقوبات لن تقف مكتوفة الأيدي، وصرح نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي أخيراً في مؤتمر صحافي في موسكو بأن مكافأة ايران بعد سنوات من المفاوضات والتعاون كانت اعادة فرض العقوبات الأممية عليها، مما قد يحملها على التحرك بعيداً عن الخطوات التكتيكية، والتوجه نحو مراجعة استراتيجية أوسع لالتزاماتها النووية.

واذا تقيدت ايران بموعدها بعد 60 يوماً فسوف يكون أمامها 6 فرص جديدة من أجل خفض التزاماتها النووية قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبينما يوجد الكثير من الخيارات للعمل فإن 4 منها تستدعي القلق بشكل حقيقي.

سبق أن هددت ايران أكثر من مرة بأن في وسعها استئناف التخصيب حتى 20 في المئة – وهي خطوة مهمة نحو خفض التزاماتها كما أن في وسع ايران أيضاً زيادة انتاج القوة النابذة واضافة المزيد في ناتانز ونشر أعداد كبيرة متقدمة أو توسيع جهود التخصيب في منشأة فوردو.

واختارت ايران أيضاً خفض قدرة وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسوف يمثل انهاء تطبيقها المؤقت للبروتوكول الاضافي خطوة استفزازية، لكن ذلك سوف يقلص قدرة الوكالة الدولية على كشف الأنشطة غير المعلنة، ولدى طهران كذلك آلية تهدف الى تقليص امكانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة انتاجها للقوة النابذة أو منع المفتشين من الوصول الى أنشطة الانتاج.

وقد تجعل هذه الاجراءات وغيرها من الخطوات المرافقة من الصعب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشف تحويل هذه المعدات أو المواد لأغراض سرية واقامة قاعدة بيانات جديدة لمثل هذه الأنشطة اذا أمكن انقاذ الاتفاق النووي أو التوصل الى اتفاق جديد.

الطريق إلى القنبلة

في وسع ايران اطلاق تصريحات حول طرق اخرى تفضي الى صنع القنبلة أو خطوات نحو انتاج سلاح نووي – على الرغم من أن حكومة طهران لن تقر على الأرجح مثل هذه الحقيقة، وتستطيع ايران، على سبيل المثال، أن تختار الاعلان عن أنها لم تعد ملزمة بالقيود المتعلقة بأنشطة التصنيع الخاصة بانتاج قنبلة نووية. وبينما لن يشكل ذلك خطراً مباشراً حول تطوير سلاح نووي فإنه سوف يمثل خطوة استفزازية نظراً لأن ارتباطه بأسلحة نووية سوف يثير مخاوف من تغير نوايا ايران في المستقبل، ثم إن التخلي عن الالتزامات المتعلقة بأنشطة التسلح سوف يثير درجة كبيرة من القلق نظراً لعدم الحاجة الى مواد نووية وربما تعتبر ايران أنه ليس من حق الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من وجود أو عدم وجود تلك الأنشطة بموجب الاتفاق النووي.

وفي ما يتعلق بالخيار النووي يقال بأن ثمة أصواتا في ايران تدعو الى الانسحاب من الاتفاق النووي كما أن المسؤولين هددوا حتى بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي في حال اعادة فرض العقوبات الأممية.

وتجدر الاشارة الى أن الانسحاب الاحادي الجانب من الاتفاق النووي سوف يجبر ايران على التخلي عن موقفها المتقدم على المسار الدبلوماسي، وإذا تم نسف ذلك الاتفاق فإن ايران تفضل قيام الجانب الأوروبي بتلك الخطوة. ومما لا شك فيه أن الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي هو أكثر خطورة كما أنه يثير المخاوف من قيام ايران بصنع قنبلة وهو ما يستدعي وجود ضغط دولي، بما في ذلك توجيه ضربة عسكرية محتملة قبل أن تتمكن طهران من انتاج ردع نووي يحول دون امكانية القيام بمثل تلك الخطوة التي سوف تكون ضرورية مع وجود الكثير من الأوراق لدى ايران.

*إريك بريور وأريان طبطبائي

إيران بعثت برسالة واضحة إلى العالم بأنها إن لم تتمكن من بيع نفطها فلن تمكّن شركاء الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتحالفة معها من بيعه

منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لم تتخذ أي خطوة واضحة لتخفيف خطر السعي إلى احتواء برنامج إيران النووي
back to top