بعد {بوكر العربية} 2014... جدل حول اسم {فرانكنشتاين}

نشر في 02-05-2014 | 00:02
آخر تحديث 02-05-2014 | 00:02
بعد فوزه بجائزة {بوكر العربية} في دورتها السابعة عن روايته {فرانكشتاين في بغداد}، حصل أحمد سعداوي على مبلغ نقدي قيمته 50.000 دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنكليزية. عنوان الرواية أثار جدلاً في الوسط الأدبي حول أحقية الكاتب، من عدمها، في حذف النون من {فرانكنشتاين}، وهو اسم الشخصية الأدبية الرئيسة في رواية {فرانكنشتاين» التي كتبتها المؤلفة البريطانية ماري شلي عام 1818.
فازت رواية {فرانكشتاين في بغداد} بجائزة {بوكر العربية} باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر خلال الاثني عشر شهراً الماضية، وجرى اختيارها من بين 156رواية مرشحة تتوزع على 18 بلداً عربياً. علّق الناقد والمفكر السعودي سعد البازعي نيابة عن لجنة التحكيم على الرواية بقوله: «جرى اختيار «فرانكشتاين في بغداد» لأسباب عدة، من بينها مستوى الابتكار في البناء السردي كما يتمثل في شخصية «الشسمة». وتختزل تلك الشخصية مستوى ونوع العنف الذي يعانيه العراق وبعض أقطار الوطن العربي والعالم في الوقت الحالي. في الرواية أيضاً مستويات عدة من السرد المتقن والمتعدد المصادر. وهي لهذا السبب وغيره تعد إضافة مهمة إلى المنجز الروائي العربي المعاصر».

واللافت أن الجدل حول الرواية في الـ{فيسبوك} كان في مكان آخر، تجلى أولاً في أن كثيراً من الكتاب لا يعرفون قواعد الجائزة حتى الآن، ومن بينهم من لا يعرف أنها تعطى للرواية وليس لكاتب محدد، وثانياً يبدو أن العرب لم يعتادوا على مثل هذه الجوائز، فغالبية كتاباتهم، عما يحصل في كواليس الجائزة أو الروايات المرشحة لها، يأتي من خلفيات {ثقافة العلاقات العامة}، فإن فاز الكاتب المرشح بها يمجدها وإن خسر يتهمها بالتغريب وما شابه من ألفاظ ممجوجة بالنقد.

 وحصل جدل كبير حول بوكر لهذا الموسم، ربما علينا أن نتأمل في جزء منه ترافق مع إعلان اسم الفائز بها. فقد لوحظت حماسة الكتاب العراقيين في القول {مبروك للأدب العراقي} في زمن بات يعيش اندثار الهوية الأدبية وفي زمن كسرت الرواية جدران ما يسمى {الأدب الوطني} و{الأدب القطري}، وكلها شعارات مستلة من زمن الأدب الملتزم والواقعية الاشتراكية والعروبة، كتبت رجاء غانم: {فوز أحمد السعداوي بجائزة البوكر العربية عن روايته {فرانكشتاين في بغداد} فرحة عراقية بامتياز رغم أنني أنظر إلى العمل الأدبي عموماً وأقيمه بعيداً عن الانتماءات القطرية والضجيج الوطني. العراقيون مشتاقون للأدب والشعر والفرح بعدما أنهكت أرواحهم الويلات والحروب والتفجيرات الإرهابية... العراقيون المكللون بميراث الحزن والبكاء فرحوا لفوز أحمد اعترافاً بموهبته وجدارته بالفوز وأيضاً لعودة العراق المغيب والموجوع إلى صدارة الأحداث الثقافية وهو الذي كان مفتاح الثقافة العربية بكل تنوعاتها. فرحة لأجلهم وفرحة لأجلك أحمد ألف مبروك... لا تستكثروا الفرحة على العراقيين لأنها تليق بهم}.

 كان تعليق ناشر رواية سعداوي على الاندفاع بالاحتفال بالأدب العراقي جديراً إذ كتب: {لا تهمني قومية المسألة، لا تهمني عراقية البوكر، تهمني سعداويتها... لا أدري قد لا تتفقون معي لكنني لا أحب هذه النزعة الوطنية والقومية في الاحتفال بالمنجز الأدبي، يبقى الفعل الإبداعي فردياً وقد يأتي من أي أمة وأي مجتمع، أنا فرح لسعداوي... وفي السنة المقبلة حين ينالها شخص ليس عراقياً ويستحقها لن ينقص من شأن الرواية العراقية، كما لم ينقص من شأن الرواية العراقية السنوات السابقات التي لم ينلها فيها روائي عراقي، وفوز سعداوي بها لا ينقص من شأن الروائيين الذين معه في القائمتين الطويلة والقصيرة، ولا من رواية وأدب بلدانهم}... الجدل حول الهوية العراقية أمتد الى الهوية السورية، إذ علقت إحدى الكاتبات السوريات بأنها لا تؤمن بالجوائز كلها ولكنها تمنت لو أن الروائي السوري خالد خليفة فاز بها بسبب الأوضاع الاجتماعية والمأسوية التي يعيشها الشعب السوري. وكتب الصحافي رائد وحش: {أعجبني كثيراً توحّد العراقيين، على الـ{فيسبوك}، احتفالاً بفوز أحمد سعداوي بـ{بوكر 14}... كانوا كأنهم يشكرونه لأنه عراقي. هل كان السوريون سيفعلون مثلهم لو ذهبت الجائزة إلى خالد خليفة؟}.

جدل الاسم

ذهب الجدل في بيروت إلى مكان آخر غير متوقع، كتب الباحث الاجتماعي أحمد بيضون على صفحته الفيسبوكية: {كان المأمول ألا يخطئ الروائي العراقي أحمد سعداوي، في كتابة اسم الشخصية الروائية التي اعتمدها كنايةً عن الشخصية التي تدور حولها روايته. فقد جعل عنوان روايته {فرنكشتاين في بغداد}، والصحيح {فرنكنشتاين...} بنونٍ بين الكاف والشين. فهذا هو اسم الشخصية التي أنشأتها البريطانية ماري شلي في أوائل القرن التاسع عشر. والخطأ في كتابة الاسم يدلّ على أن الروائي لم يفتح قاموس أعلام ولا طرح سؤالاً على غوغل ليعرف قصة هذه الشخصية التي استعار اسمها وصورتها... وإنما اكتفى بما سمعه عرضاً عنها هنا أوهناك مستعيداً خطأً في اللفظ يرتكبه بعض العرب... هذا مؤسفٌ حقّاً...}.

يُذكر أن اسم فرنكنشتاين يكتب في معظم البلدان العربية فرنكشتاين وفرانكنستين. وحصد التعليق البيضوني على مئات اللايكات، ورد عليه الناشر خالد المعالي: {الأستاذ أحمد... الروائي يستعمل طريقة نطق الاسم باللهجة العراقية... والتزمنا هذه الطريقة}... وسرعان ما رد بيضون على الرد قائلا: {ليس للمسألة كلها صفة مصيرية يا أستاذ خالد. ولكن طريقة النطق التي تشير إليها ليست خاصة بالعراقيين ولا هي تعمّ العراقيين، على ما أقدّر، لتصح نسبتها إلى لهجتهم. هذا اسم أجنبي فريد تعرفه أو لا تعرفه، في نهاية المطاف. وهذه الشخصية معروفة بشيء من التحديد في الأوساط المتعلمة حصراً ويتعذّر افتراض شهرة {شعبية} لها، عراقية أو لبنانية أو غير ذلك. دراكولا أوسع شهرة، على الأرجح، ولكن شهرته تبقى محصورة أيضاً. بعض من يعرف فرانكنشتاين من المتعلمين العرب وأنصافهم يلفظ الاسم كما هو وأكثرهم يخطئ في لفظه. هذه حدود المسألة. وأما {الشعوب} فأرجّح أنها بريئة من الموضوع كله هي ولهجاتها. المصحح يبقى، في رأيي، أولى من {الشعب} بمعالجة هذا النوع من المسائل. وفوق كلّ ذي علمٍ عليم}.

الأرجح أن أحمد بيضون فتح جدلاً حول ترجمة الأسماء في العالم العربي، وهو جدل حول مسار اللغة كلها. فقد فككت التحولات الاجتماعية نسيج اللغة وعربت هذه الكلمة أو جعلت بعض الكلمات العربية أعجمية، لم يعد ممكنا حراسة اللغات في العالم. ربما يدرك من يراجع كتاب نادر سراج عن الشباب ولغة العصر ما آلت إليه أمور اللغة في هذه الزمن، ومن البديهي أن يتحول اسم فرنكنشتاين بالعربية ويطير منه حرف النون، ومن البديهي أن يضعه أحمد سعداوي كما هو وإن كان خطأ. وفي هذه السياق كتبت الروائية سحر مندور (نترك التعليق كما ورد في الفايسبوك): {مع كامل الحب والاحترام للدكتور أحمد، ما عندي هالمشكلة ولا حسيتها غلط ولا اتضايقت منها. يكتبها متل ما بيلفظها، كلنا فهمنا المقصود. وأنا بحب هيك تحويرات للكلمات، متل كأنه عطاها حياة تانية. كتير في حالات لكلمات نميت خارج أحرف اسمها الأولى. ممكن تكون المسألة حلوة، أو غنيّة. أنا ما شايفة فيها شي مزعج أو مؤسف، وأكيد لا يختصر اسم فرنكشتاين، كيف ما انكتب، نقاش الرواية}.

الكتب

 جدل آخر أشار إليه الكاتب اليمني جمال جبران ويتعلق بمصائر الكتب، كتب جبران على صفحته: {وصلت حدود الصفحة 170 من رواية أحمد سعداوي {فرانكشتاين في بغداد}. أول مرة أقرأ لهذا الكاتب العراقي. هذا من فوائد الجوائز الكبرى. الرواية متينة وممتعة وتدفعك للتقدم في صفحاتها. لا يمنع هذا من ميل ذائقتي لرواية {لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة}. لكن لا بد من وجود فائز واحد في النهاية. هذه شريعة المسابقات وقواعدها. لكن الغريب، وأنا أقرأ {فرانكشتاين في بغداد} غرقت في نوبات ضحك متواصلة وأنا أفكّر في جريمة تنزيل الكتب مجاناً من شبكة النت. أقرأ وأضحك على الرغم من جو الرواية الكئيب. وأفكر في الصديق خالد المعالي صاحب دار {الجمل} التي طبعت الرواية وحجم الخسائر التي سيتكبدها جرّاء التحميل وإعادة التحميل}.

المعضلة باتت في القراءة في زمن الإنترنت، والمعضلة الأهم في حقوق الكاتب الذي يكد لسنوات ويأتي من يقرصن له نتاجه الفكري بكبسة زر، فمعظم الكتب المهمة باتت متوافرة بنسخات {إنترنتية}، وهذا الأمر يساهم مع الوقت في تلاشي حماسة أي كاتب لإصدار أي كتاب.

 

تحكي {فرانكشتاين في بغداد} قصة هادي العتاك، بائع العاديات في حي شعبي في بغداد والذي يقوم بتلصيق بقايا بشرية من ضحايا الانفجارات في ربيع 2005 ويخيطها على شكل جسد جديد، تحل فيه لاحقاً روح لا جسد لها. لينهض كائن جديد. يسميه هادي {الشسمه}. أي الذي لا أعرف ما هو اسمه. وتسميه السلطات بالمجرم أكس. ويسميه آخرون {فرانكشتاين}. ويقوم هذا الكائن بقيادة حملة انتقام من كل من ساهم في قتله. أو على الأصح من قتل الأجزاء المكونة له.

back to top