ما السبيل إلى تجنُّب الحرب بسبب تايوان؟

نشر في 21-10-2022
آخر تحديث 21-10-2022 | 00:00
تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن بسبب تايوان
تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن بسبب تايوان
في ظل تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن بسبب تايوان، يبدو أن الخبراء الاستراتيجيين من جميع الأوساط نسوا الاستنتاج الذي توصّل إليه الخبير الاستراتيجي الأميركي، توماس شيلينغ، منذ سنوات: لمنع الخصوم من اتخاذ خطوة ممنوعة، تبرز الحاجة إلى خليط من التهديدات الجدّية والضمانات الجديرة بالثقة، لكن بدل الاستفادة من ذلك الدرس، يدعو عدد متزايد من المحللين والمسؤولين الأميركيين الولايات المتحدة إلى التعامل مع تايوان وكأنها دولة مستقلة، والتخلي عن سياسة «الغموض الاستراتيجي» القائمة منذ وقت طويل، وتفضيل «الوضوح الاستراتيجي» الذي يشير إلى التزام غير مشروط باستعمال القوة العسكرية للدفاع عن الجزيرة في حال تعرّضت للهجوم من بر الصين الرئيسي. تصاعدت هذه الدعوات منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى أن بعض المحللين دعا إلى الاعتراف رسمياً بتايوان كبلد مستقل، ودعا آخرون أيضاً إلى نشر قوات أميركية دائمة في تايوان للتأكيد على جدّية الأميركيين حين يهددون بالرد عسكرياً على أي هجوم صيني، وفي السنة الماضية، أدلى إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون أمن المحيطين الهندي والهادئ، بشهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي، فألمح إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح لبكين يوماً بالسيطرة على تايوان لأن هذه النتيجة تمنع الدفاع عن حلفاء واشنطن في آسيا.

لكن قد يؤدي تعديل السياسة الأميركية وزيادة تركيزها على دعم انفصال تايوان الدائم عن بر الصين الرئيسي إلى افتعال هجوم ضد تايوان بدل منعه على الأرجح. يتطلب الردع مستوىً من المصداقية في عنصرَيه الأساسيَين: التهديد والضمانات المُطَمْئِنة، ويستلزم التهديد الكشف عن تكاليف أي تحرك شائك والتعبير عن إرادة سياسية كافية لفرض تلك التكاليف، أما المواقف المُطمئنة، فهي تتطلب إقناع الطرف المستهدف، بطريقة جديرة بالثقة، بأنه لن يتعرض للاستغلال إذا امتنع عن اتخاذ الخطوة الشائكة. لا بد من ردع جميع الأطراف المعنية إذاً لتجنب الحرب في مضيق تايوان، وفي الحد الأدنى، يجب أن تمتنع تايوان عن إعلان استقلالها رسمياً، ويُفترض ألا تعترف واشنطن بتايوان كدولة مستقلة أو تُجدّد تحالفها الرسمي مع الجزيرة، أما بكين، فيجب أن تمتنع عن استعمال القوة العسكرية ضد تايوان لضمّها بالإكراه، ويُفترض ألا تواجه تلك الأطراف التهديدات عند تجاوز هذه الخطوط الحمراء فحسب، بل يجب أن تتأكد أيضاً من أن مصالحها لن تتكبّد خسائر كارثية إذا امتنعت عن اتخاذ تلك الخطوات الشائكة، فقد نجح الردع الثلاثي، لأكثر من 40 عاماً، في الحفاظ على السلام في أنحاء مضيق تايوان، لكنّ زيادة التوتر في الفترة الأخيرة أمعنت في إضعاف هذا الترتيب الهش أصلاً. للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان إذاً، يجب أن تسترجع الولايات المتحدة مصداقيتها لإطلاق التهديدات وفرض تكاليف معينة على بكين إذا قررت أن تهاجم تايوان، ويُفترض أن تقدّم ضمانات صادقة أيضاً لمنع تضرر مصالح بكين هناك، إذا امتنع بر الصين الرئيسي عن إطلاق هجوم مماثل، ولطرح تهديد جدّي، يجب أن تعيد الولايات المتحدة صياغة مكانتها العسكرية في شرق آسيا، وبدل الاتكال على حاملات طائرات هشة وعدد ضئيل من القواعد الجوية والبحرية الكبيرة والمُركّزة، يُفترض أن تكتسب واشنطن مكانة أكثر مرونة وقوة لدرجة أن تُصعّب على بكين عمليات الهجوم والتدمير.

سبق أن بدأت الولايات المتحدة تسير في هذا الاتجاه، فقد تبنّت مجموعة جديدة من العقائد على مستوى الجيش والقوات البحرية والجوية، واشترت كميات كبيرة من الصواريخ طويلة المدى والمضادة للسطح والسفن، ويستطيع عدد كبير منها أن يتفوق على الأنظمة الصينية، لكن يجب أن يتمكن الجيش الأميركي أيضاً من الوصول إلى مواقع إضافية في المنطقة كي يطلق منها عملياته ويرسّخ مكانة منشآته لتخفيف فرصة تعرّضها لضربات استباقية، ومتابعة تلقي الذخائر وإمدادات أخرى في المنطقة، وتقوية خطوط إمداداته العسكرية من الولايات المتحدة.

لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تتابع الولايات المتحدة إقناع حلفائها الإقليميين بأنهم سيستفيدون من إقامة علاقات سلمية ومستقرة في أنحاء المضيق، وتدعوهم إلى المشاركة في الاستراتيجية الأميركية المعتدلة والمسؤولة لردع أي أعمال عدائية من بر الصين الرئيسي، وفي الحد الأدنى، يُفترض أن يتمكن الجيش الأميركي من الوصول إلى مواقع أكثر تنوعاً في اليابان لتحسين موقعه وتصعيب استهدافه، لكنه بحاجة إلى بلوغ بلدان أخرى أيضاً، بما في ذلك الفلبين، ويجب أن تحاول الولايات المتحدة، قدر الإمكان، أن تعزز التعاون مع الحلفاء استعداداً لإطلاق ردود عسكرية مشتركة أو منسّقة على أي صراع محتمل بسبب تايوان، وفي الوقت نفسه، يُفترض أن تتابع واشنطن جهودها الدبلوماسية العالمية لإقناع بكين بالتكاليف الاقتصادية والدبلوماسية المترتبة عليها في حال اندلاع الصراع.

في المقابل، يجب أن تضطلع تايوان بدور مهم لمنع أي هجوم من بر الصين الرئيسي، فتثبت قدرتها على التماسك خلال أي حصار محتمل، وتفرض تكاليف عالية على أي قوة صينية غازية، كذلك، يُفترض أن توسّع تايوان مخزون مواردها الاستراتيجية، مثل الوقود والمواد الغذائية، في حال قررت بكين أن تحاصر الجزيرة بدل غزوها، وعلى الولايات المتحدة أن تتابع الضغط على تايوان لإنشاء دفاعات ساحلية متنقلة وأكثر قوة، فتتحوّل بذلك إلى مساحة شائكة وقادرة على إحداث أضرار كبرى في صفوف الجيش الصيني المعتدي، على عكس أوكرانيا التي تتقاسم حدوداً برّية مع حلفاء واشنطن، يصعب على الولايات المتحدة أن تعيد تزويدها بالإمدادات خلال الصراع، ولهذا السبب، يجب أن تخزّن تايوان الإمدادات، وتتدرّب مسبقاً على استعمال الأسلحة التي تحتاج إليها، وتُوسّع قدراتها الدفاعية المدنية لطرح تهديد دفاعي عميق على الجيش المعتدي وتوزيع الموارد الأساسية على عامة الناس خلال فترة الحصار، فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تشارك في الدفاع عن تايوان إذا لم تدافع الجزيرة عن نفسها.

لكن لن يكون التهديد الجدّي كافياً لمنع الحرب، ويجب أن تُجدّد الولايات المتحدة أيضاً تطميناتها الجديرة بالثقة، فتحرص على إقناع تايبيه وبكين معاً بأنها لا تريد استقلال تايوان بل ترغب في إرساء السلام والاستقرار في المضيق ككل، ويجب أن توضح واشنطن أنها لا تدعم استقلال الجزيرة، بل تعارض أي تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن وتؤيد أي نتيجة يوافق عليها الطرفان سلمياً. لطالما كان الموقف الأميركي الرسمي يصبّ في هذه الخانة، لكن أصبحت المقاربة الأميركية موضع شك بسبب مجموعة من المواقف التي أطلقها أو أغفل عنها القادة السياسيون في واشنطن، مع أن التحركات الأميركية تخالف تلك المواقف في بعض الحالات. من واجب المسؤولين في إدارة بايدن إذاً أن يتكلموا ويتصرفوا بدرجة متزايدة من الانضباط والتماسك في ملف تايوان، ويُفترض ألا يتكلم كبار المسؤولين عن تايوان كبلد بحد ذاته أو يعلنوا أن الجزيرة تملك الحق في نيل الاستقلال بطريقة أحادية الجانب، وكأن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على هذا القرار.

على الولايات المتحدة أن توضح أيضاً أنها لا تحاول منح تايوان صفة الدولة المستقلة، حتى لو كانت تمارس الضغوط لضم الجزيرة إلى منظمات دولية لا تفرض على أعضائها أن تكون دولاً مستقلة، أو لإشراك تايوان في منظمات غير حكومية تشترط أن يكون أعضاؤها دولاً بحد ذاتها، مثل منظمة الصحة العالمية أو منظمة الطيران المدني الدولي، أو للتفاوض على اتفاقيات تجارية واستثمارية ثنائية لتقوية العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وتايوان، كذلك، يجب أن تتابع إدارة بايدن الضغط على بكين كي تشارك في نقاشات مباشرة مع قيادة تايبيه المُنتخَبة ديموقراطياً وتحاول التوصل إلى حل طويل الأمد للخلافات في أنحاء المضيق، بما يتماشى مع إرادة الشعب التايواني.

أخيراً، يجب أن تتجنب الولايات المتحدة أي خطوات سياسية رمزية قد تستفز بكين بلا مبرر، فتُركّز على اتخاذ تدابير فاعلة لتقوية تايوان والقوات الأميركية المنتشرة في آسيا، ويعني ذلك أن يمتنع المسؤولون والسياسيون الأميركيون، بما في ذلك أعضاء الكونغرس الأميركي والمرشحون للمناصب الرسمية، عن الإدلاء بتصريحات مفيدة سياسياً لكن مسيئة استراتيجياً حول تايوان، فلن تسهم الدعوات الأخيرة إلى الإعلان عن التزام أميركي واضح بالدفاع عن تايوان في زيادة مصداقية الردع الأميركي، لأن بكين تتوقع أصلاً أن تتدخل واشنطن في أي صراع عبر المضيق، مع أنها لا تعرف إلى أي حد سيكون التدخّل الأميركي قوياً أو ناجحاً. لكن قد يُضعِف أي التزام أميركي دفاعي عنصر الطمأنة الأساسي في نظام الردع، فيوحي بأنه يعيد ترسيخ تحالف واقعي بين الولايات المتحدة وتايوان، ويعطي بذلك كامل الصلاحيات إلى السياسيين المستقبليين في الجزيرة لإعلان استقلال تايوان بحكم القانون، كذلك، قد توحي خطوات معيّنة بأنها تهدف إلى تقوية نظام الردع خلال أي صراع في المضيق، منها الدعوة إلى الاعتراف رسمياً بتايوان كدولة مستقلة، كما فعل وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، أو الدعوة إلى نشر قوات أميركية واسعة في الجزيرة في زمن السلم، كما فعل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، أو اعتبار تايوان «حليفة أساسية من خارج الناتو»، كما اقترح النص الأصلي لقانون سياسة تايوان في عام 2022، لكن في حال تبنّي هذه السياسات فعلاً، فلا مفر من أن تُضعِف الضمانات التي تتلقاها بكين وتشكّل عنصراً أساسياً من نظام الردع، مما يؤدي إلى زيادة احتمال الصراع في مضيق تايوان بدل تخفيضه.

* د توماس كريستنسون وم. تايلو ر فرافيل وبوني س. غلاسر وأندرو ج. ناثان وجيسيكا تشين ويس

Foreign Affairs

back to top