وجهة نظر: ليدفع تحالف «أوبك» ثمن تناقضات الاتحاد الأوروبي

نشر في 20-10-2022
آخر تحديث 20-10-2022 | 00:15
 د. عبدالسميع بهبهاني بتقييم سوق الطاقة الحالي نجده متأثرا بالحرب الروسية، فمعدلات التضخم تجاوزت 10 في المئة، فضلا عن مخاوف الركود الاقتصاد العالمي، وقوانين التغير المناخي، أما العوامل المباشرة المؤثرة حالياً على أسعار النفط للأشهر المقبلة فهي تطورات الحرب الروسية- الأوكرانية التي انتقلت إلى مرحلة جديدة من الصدام، وما يتبعه من مشاكل النقل والتمويل.

والعامل الآخر هو مخزونات الاتحاد الأوروبي للطاقة لموسم الشتاء المقبل، ومن المؤثرات المتوقعة قريبا أيضا عودة الصين إلى الانفتاح، بعد إغلاقات مشروع التصفير وباء «كورونا»، ومن وجهة نظري أن السبب الأساسي لأزمة الطاقة العالمية هو قرارات الاتحاد الأوروبي المتناقضة، التي سببت مشاكل الطاقة لديه بالذات، فعندما تصدر قوانين تهاجم فيها الطاقة الاحفورية لتقلصه بقوانين (التصفير)، ومقاطعة الغاز الروسي ثم شراؤه من البنوك، ومقاطعة النفط الروسي من الناقلات فقط، ووضع سقف لسعره (لتتأثر به شركاتها أيضا)، وحث دول النفط لزيادة الإنتاج (وأخذ المخاطرات الرأسمالية)، ومنع شركاتها من الاستثمار بقوانين البيئة، وتناقض دراسات الإنتاج والمخزونات لديها، والتغاضي عن مشاكل البيئة حاليا لمحاسبة دول تحالف «اوبك» مستقبلا، عندما تقنن اوروبا ذلك يكون الاتحاد هو المتضرر الأكبر بل الأوحد منها.

إن طاقة إنتاج تحالف «أوبك» لم تتغير، ومع اغلاقات مصانع الاتحاد الأوروبي ودول التعاون الاقتصادي التي تجاوزت 60 في المئة، يعني ان الفائض في الإنتاج تحول إلى تخزين، وهذا الذي تخشاه «أوبك»، من فلتان المتحكم المستقبلي لأسعار الطاقة، وصرح بذلك، على استحياء، بعض المؤسسات الاقتصادية المهنية أن العرض يفوق الطلب الحالي بـ 3 ملايين برميل يوميا فأين يذهب هذا الفائض؟ إنه في خزانات الصين بمدنها المغلقة، وخزانات أوروبا المتعثرة، ودول التعاون الاقتصادي الراكدة، فأكثر من 90 في المئة من قدرة هذه الخزانات قد امتلأ.

والمؤسسات الاقتصادية (التي يفترض أنها علمية بحتة) توجه الاتهام إلى تحالف «أوبك» بشح العرض لرفع أسعار الطاقة. وهذا بحد ذاته كلام متناقض اقتصاديا، لأنه لو كان ارتفاع الأسعار سببه زيادة الطلب عن العرض ونقص الإمداد، فإنه يفترض أن موازنة العرض والطلب لا تقلل سعر البرميل، بل يزيده، فالطلب على البرميل هو الذي يحدد سعره، وعدم الحاجة له هو الذي يخفض سعره، ومن الواضح ان الضغط الجيوسياسي على تحالف «أوبك» لرفع الإنتاج انما هو لقصد خلق فائض نفطي لا حاجة له لينخفض سعره.

وهذا مناقض لأسس التجارة العالمية من قوانين التلاعب بالمنتج بقصد التأثير على الأسعار بما يضر المستهلك والمنتج، وهو ما تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضه على «أوبك» لتحاسبه غدا على تناقضاتها من غرامات البيئة واحكام الاحتكار ومخاطر الصرف الرأسمالي دون مردود.

ان استراتيجية «أوبك» الحالية ومنذ عشر سنوات هي توازن أساسيات العرض والطلب للحفاظ على معدلات الاستثمار في الطاقة بما يواءم قوانين البيئة والحاجة الجغرافية لتوزيعها وبمراعاة قدرة أعضائها لزيادة الإنتاج وتحمل المخاطر. ان معدل الإنتاج الحالي فيه فائض في السوق يقدر بثلاثة ملايين برميل يوميا، (إدارة معلومات الطاقة الأميركية IEA) وهذا النقص في انتاج «أوبك» في الأشهر الثلاثة الماضية عن السقف الذي حددته بـ 3 ملايين برميل يوميا. ويبدو أنها قننت هذا العجز بالقرار الأخير (خفض مليوني برميل يوميا لشهر نوفمبر)، ولكن وازنت قرار الخفض بحسومات على أسعار البرميل الرسمية (OSP) إلى أوروبا.

لا أعتقد أن مشاريع قوانين الاحتكار (نوبك)، كارتيل المشترين، وقوانين البيئة والمتجددة، أضف إلى ذلك التهديدات الجيوسياسية، لا أعتقد أنها جادة ومؤثرة، لأن عواقبها ستؤثر على الدول الصناعية وشركاتها الكبرى المنتشرة في دول «أوبك» الحقيقة الكبرى والمؤلمة التي يتحاشى الاتحاد الأوروبي ذكرها في قوانينها المتناقضة، إنها أدت الى خفض الاستثمار في الاستكشافات النفطية بأكثر من 60 في المئة، وهذا سيؤدي إلى عواقب أكثر إيلاماً خلال السنتين المقبلتين.

* خبير نفط

د. عبدالسميع بهبهاني

back to top