وجهة نظر: العلاقة بين الأدب المكشوف والعري السياسي

نشر في 14-10-2022
آخر تحديث 14-10-2022 | 00:08
 صالح غزال العنزي أذكر أني قرأت كتاباً لحفيد عبود الكرخي عن الأشعار الماجنة التي كتبها جده، ورغم أن الكرخي أحد مشاهير الشعر الشعبي في الوطن العربي فإن ما قاله من شعر مكشوف لم يكن يعني الأدب من قريب أو حتى بعيد، ولم يكن يشبه ما كان ينشره في جريدة «حبزبوز» من هجاء ضد الحكومة ووزرائها من أشعار مثيرة كانت حديث التجمعات السياسية والأدبية، بل كان أدبه المكشوف قريباً بشدة من قلة الأدب.

ولعل روايتي «الخبز الحافي» و«الشطار» كانتا مليئتين بقلة الأدب، وقد نال بسببهما الروائي المغربي محمد شكري شهرة كبيرة دون أن ينال قيمة أدبية أو تصنيفاً مهماً لموهبته، حيث اختفى بعدهما هذا الشكري ولم نقرأ له (شي عليه القيمة).

ويمكن ملاحظة أن هذا النوع من الأدب أو قلة الأدب يمكن أن يحقق من خلاله الأديب (إن صح الوصف) شهرة في مجتمع الغرائزيين والمرضى سلوكياً والمراهقين والمتسكعين في شوارع الضياع، لكن شهرة الرواية الواحدة أو القصيدة الواحدة التي تقوم على الغريزة فقط تبقى كما قالت العرب قديماً (بيضة العقر)، حيث يكتب الكاتب رواية ويختفي، أو يقول الشاعر قصيدة ثم يلوذ في عالم النسيان إلى الأبد، فمن يروي حدثاً حقيقياً ماجناً دون أن يمتلك إمكانية الاستمرار ليس مثل الذي يصنع من خياله حدثاً خيالياً مشبعاً بالشخوص والصور والأفكار، حيث يعتمد الأول على محتوى الذاكرة القائم على التجارب المحدودة، فيخاطب غرائز القراء، في حين يعتمد الثاني على إمكانات الموهبة وسعة الخيال فيخلق الأحداث والشخوص والصور ويخاطب كل عواطف ومشاعر وأفكار القارئ بلغة راقية. وقد تتشابه حالات قلة الأدب في الحقل الأدبي بحالات الخطابات العارية في ميادين السياسة، فمثلما يخاطب الأدب المكشوف الغرائز فإن الخطاب السياسي العاري يخاطب الغرائز أيضاً، وكل صياد يرمي شبكته بالطريقة التي يجيدها ليصطاد الفريسة التي يستهدفها، حيث يتسم العري السياسي بخطاب يركز على الأشخاص لا الأحداث، وينتقد الشكل لا الجوهر من خلال بعص الأوصاف الكاريكاتورية التي تتميز بالسخرية، وتستهوي جماهير الغرائز ومراهقي الشأن العام. وقد رأينا أو سمعنا بعض أشكال الخطابات العارية في الانتخابات الأخيرة، حيث حاول البعض دغدغة العواطف والغرائز من خلال تسليط الضوء على الزوايا المستورة في سلوك الأشخاص ومحاولة كشفها، فلم يتركوا رأساً أو ذيلاً إلا حاولوا تعريته أمام الناخبين، ولم يتركوا وهماً أو كذباً إلا مدحوا به أنفسهم لعلهم ينالون أصواتهم، وقد تناسى ممارسو الخطاب العاري أن متعة الاستماع تنتهي لحظة دخول الناخب إلى المدرسة لاختيار ممثله، وقد اتضح ذلك من خلال مخرجات الانتخابات حيث اقتصرت شهرة أرباب العري السياسي على الندوات، ولم يستطيعوا إقناع الناخب بأنهم غير (عرايا). ومثلما يذهب كتاب الأدب المكشوف إلى عالم النسيان فإن نهاية أرباب العري السياسي دائماً ما تقف بهم في دائرة النسيان أيضاً، فالبقاء دائماً للأنفع والديمومة للموهوبين في السياسة والأدب ومختلف المجالات، أما العرايا أدباً وسياسةً فكما يقول الغربيون «يذهبون إلى الجحيم».

● صالح غزال العنزي

back to top