الشراكة الأميركية - الهندية أكثر أهمية من أن تُهمَل

نشر في 13-10-2022
آخر تحديث 13-10-2022 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت تشكل الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند أهمية بالغة للحفاظ على توازن القوى في منطقة الهادي الهندي المترامية الأطراف وموازنة طموحات الهيمنة الصينية، فالولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري للهند، ويُـعَـد تعميق العلاقات بين البلدين بين السياسات الخارجية النادرة المتفق عليها بين الحزبين في واشنطن اليوم.

الواقع أن التدريبات العسكرية المشتركة المرتقبة من 18 إلى 31 أكتوبر والمعروفة باسم «تدريب الحرب»، والتي ستُـجرى على منطقة مرتفعة تبعد أقل من 100 كيلومتر (62 ميلا) عن حدود الهند مع الصين، تسلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية المتنامية التي اكتسبتها هذه الشراكة، حيث تُـجري الهند تدريبات عسكرية سنوية مع الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى، حيث تسعى كل من القوتين إلى تحسين قدرة قواتها على التشغيل البيني، فعلى حد تعبير رئيس العمليات البحرية الأميركية الأدميرال مايكل جيلداي مؤخرا، فإن الهند «شريك بالغ الأهمية» في مواجهة صعود الصين.

لكن القرار الذي اتخذه الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من أفغانستان وتسليم البلاد فعليا إلى ميليشيا إرهابية ترعاها باكستان، بالإضافة إلى التوترات المرتبطة بغزو روسيا لأوكرانيا، أدى إلى توتر العلاقات بين الديموقراطية الأعظم قوة والديموقراطية الأكثر سكانا في العالم.

مثلها كمثل العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل وتركيا، اتخذت الهند موقفا محايدا بشأن الحرب في أوكرانيا، وما أثار استياء الولايات المتحدة وأوروبا أن الهند استمرت في شراء النفط بأسعار مخفضة من روسيا، رافضة عرض إدارة بايدن الذي يسمح لها بالاستعاضة عن النفط الروسي بإمدادات أميركية، وبدلا من ذلك زادت الهند وارداتها من الخام الروسي.

في صميم قرار الهند يكمن الخوف من الخسارة أمام الصين، فمنذ عام 2019، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية لحرمان الهند من النفط الإيراني الأرخص، وبالتالي تحويلها إلى أكبر سوق لصادرات الولايات المتحدة من الطاقة، والمستفيد الرئيسي من العقوبات هو الصين، التي زادت مشترياتها من النفط الإيراني بأسعار مخفضة وأنشأت شراكة أمنية مع الجمهورية الإسلامية دون أن تواجه أي رد انتقامي من جانب الولايات المتحدة.

برغم أن الولايات المتحدة تجاوزت روسيا بالفعل باعتبارها أكبر مورد للأسلحة للهند، ينظر قطاع الدفاع الأميركي إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا على أنها «فرصة عظيمة» لزيادة مبيعات الأسلحة إلى الهند، وعلاوة على ذلك، حث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن المسؤولين الهنود على تجنب شراء المعدات الروسية وشراء أسلحة أميركية الصنع من الآن فصاعدا.

مع ذلك، قد يؤدي تركيز بايدن القاطع على معاقبة روسيا إلى تفاقم التحديات الأمنية التي تواجهها الهند، وخاصة إذا عملت الجهود الدولية للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دون قصد على تمكين الصين التوسعية، الواقع أن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة وتحول أوروبا بعيدا عن الطاقة الروسية يضعان فعليا روسيا- الدولة الأكثر ثراء بالموارد في العالم- في جيب الصينيين المتعطشين للموارد. سمح التحالف مع روسيا للصين ببناء شبكة أمان للطاقة من خلال زيادة الواردات البرية، والتي على عكس الشحنات المنقولة بحرا، لا يمكن اعتراض طريقها إذا قرر الرئيس الصيني شي جين بينغ غزو تايوان.

في ذات الوقت، تسببت الصفقة الأميركية الأخيرة بقيمة 450 مليون دولار لتحديث أسطول باكستان من الطائرات (إف16)- التي كُـشِـفَ عنها بعد أيام من مساعدة الولايات المتحدة باكستان على تجنب عجز وشيك عن سداد الديون من خلال خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي- في استحضار ذكريات مريرة مثل تسليح الولايات المتحدة باكستان ضد الهند ودعم التطوير الأولي لبرنامج الأسلحة النووية الباكستاني أثناء الحرب الباردة.

كان ادعاء إدارة بايدن المخادع بأن تحديث أسطول طائرات (إف16) المقدم من الولايات المتحدة من شأنه أن يساعد في تعزيز مكافحة الإرهاب سببا في استفزاز استجابة حادة من جانب الهند، وأثناء زيارة قام بها مؤخرا إلى واشنطن، أدان وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار هذه الصفقة علنا، قائلا إن التفسير الأميركي «لا يخدع أحدا»: إذ إن باكستان ستستخدم هذه الطائرات المقاتلة المطورة ضد الهند.

على هذه الخلفية، أعاد بعض المراقبين إحياء النظرية القديمة التي تزعم أن العلاقات بين الولايات المتحدة والهند تكون أفضل حالا في ظل الإدارات الجمهورية. فقد ازدهرت العلاقات الثنائية بين البلدين أثناء حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي اعتمدت بشدة على الهند في تطوير استراتيجية الهادي الهندي. أسس ترامب سياسات أميركية جديدة في التعامل مع الصين وباكستان، اللتين زادت شراكتهما المتزايدة التقارب من احتمال خوض الهند حرب على جبهتين، وفي تحول كبير في السياسات، أنهى ترامب سياسة مساعدة صعود الصين التي دامت 45 عاما، كما قطع ترامب المساعدات الأمنية عن باكستان بسبب امتناعها عن قطع علاقاتها مع الجماعات الإرهابية.

من ناحية أخرى، استأنف بايدن تدليل أميركا لباكستان، وجعل التواصل مع بكين أولوية قصوى، ولم ينبس ببنت شفة عن تغلغل الصين في الأراضي الهندية في منطقة الهيمالايا، ولكن من خلال التصادم مع الصين في مواجهة عسكرية استمرت ثلاثين شهرا، تحدت الهند صراحة القوة الصينية بطريقة لم تفعلها أي قوة عالمية أخرى في هذا القرن.

لا شيء يوضح إهمال بايدن للعلاقة مع الهند أكثر من حقيقة أنه منذ تولى منصبه، لم يكن هناك سفير أميركي في نيودلهي، ومن ناحية أخرى، تسبب السفير الأميركي إلى باكستان، دونالد بلوم، في إحداث ضجة أثناء زيارة قام بها إلى الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، والتي أسماها بمسماها الباكستاني- «جامو وكشمير أزاد (المحررة)»- بدلا من «كشمير التي تديرها باكستان»، كما تسميها الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، كانت إدارة بايدن تحاول استغلال قضايا حقوق الإنسان ضد الهند، وفي أبريل زعم وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين «ارتفاع انتهاكات حقوق الإنسان» في الهند، مما دفع جايشانكار إلى الرد بأن الهند قلقة بالمثل بشأن حالة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. على نحو مماثل، لا يستطيع أعضاء بارزون في الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة إلا بالكاد إخفاء عدائهم لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونزعته القومية الهندوسية.

بالنظر إلى أن كلا من الولايات المتحدة والهند ديموقراطية مستقطبة بشدة، ينبغي للمسؤولين أن يتجنبوا التصريحات التي قد تؤدي إلى تأجيج التوترات المحلية، وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة في تحويل تركيزها الاستراتيجي إلى منطقة الهادي الهندي، فيتعين عليها أن تعمل على تحسين العلاقات مع أهم الحلفاء الاستراتيجيين في آسيا،و لتحقيق هذه الغاية، يتعين على بايدن أن يتجنب إهدار الفرصة التاريخية السانحة لتشكيل تحالف «ناعم» مع الهند، وإذا كان للولايات المتحدة أن تنتصر في تنافسها المتصاعد مع الصين وروسيا وأن تتجنب تشتيت جهودها الاستراتيجية، فإنها تحتاج إلى الهند أكثر من أي وقت مضى، ولكن في غياب الاحترام المتبادل، يُـحـكَـم على الشراكة الثنائية بالفشل.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، وهو مؤلف كتاب «المياه والسلام والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية».

* براهما تشيلاني

Project Syndicate

back to top