دوستويڤسكي وتولستوي

نشر في 11-10-2022
آخر تحديث 11-10-2022 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم قرأتُ كتاب رؤية دوستويڤسكي للمفكر الروسي نيقولاي بريائف، الذي قارن في أحد فصوله بين دوستويڤسكي وتولستوي، فوجدت أنه من المناسب أن تتجدد ذاكرة عشاق الأدب الروسي من قراء جريدة «الجريدة» بسطورٍ قليلة من تلك المقارنة.

فالمعروف أن ذكاء دوستويڤسكي كان خارقاً للعادة، ومدعاة للانبهار، وهو في هذا يختلف اختلافاً شديداً عن تولستوي الذي كان يُعدّ - بكل تأكيد - فناناً أكثر منهُ مُفكراً، فناناً تُثير آراؤه الدهشة، فإذا عقدنا بينهما المقارنة، فقد تُرجح الجوانب الفكرية العظيمة عند دوستويڤسكي؛ بينما الإبداع في الوصف الإنساني البديع عند تولستوي.

***

فثمّة تضاد بين دوستويڤسكي وتولستوي، فالأول هو الكاتب المبشّر بالروح القوية والطبيعية الدينامية إلى أقصى حدّ، أما تولستوي فلم يكن قَطُّ ثورياً، بل كان مصوراً للكائن الاجتماعي كما هو كائن، مُتجهاً به نحو الماضي.

- دوستويڤسكي كثيراً ما يُبرهن على الطبيعة العميقة التي تعتمل في الأغوار الموغلة بأعماق الروح البشرية، بينما تولستوي يكون منقاداً كالأعمى في دوامةٍ خالية من الحركة.

- كان دوستويڤسكي يتحرك في المجال «الروحي»، ومنه يلحظ كل شيء، أما تولستوي فقد كان مُعتصماً بالمجالين النفسي والجسدي، فلا يستطيع أن يُدرك ما يعتمل في أعماق النفس الإنسانية.

ربما كان تولستوي فناناً بلغ من الكمال ما لم يبلغه دوستويڤسكي، وربما كانت روياته أفضل من حيث هي روايات، فقد كان مصوراً عظيماً، أما دوستويڤسكي فلم يكُن يُشغل باله إلا بالصيرورة، ولهذا فمن اليسير إدراك الكمال على المادة الساكنة لا على المتطورة، بيد أن دوستويڤسكي مفكر أعظم من تولستوي.

- كان دوستويڤسكي يدرك الحياة نفسها في علاقاتها بالروح الإنسانية المتأججة المشاعر، لكن الحياة عند تولستوي كانت صادرة عن الطبيعة، فلم يكن يرى فيها غير السائل الحيوي الذي يسري باستمرار خلال النبات والحيوان.

- والمعروف عن تولستوي أنه كان طوال حياته يبحث عن الله في أعماله، بينما كان دوستويڤسكي أقل انشغالاً بالإله منهُ بالإنسان ومصيره، وبلغز الروح، وكانت الأنثربولوجيا هي التي تطارده.

- كان تولستوي لاهوتياً رديئاً، وكان يبحث في الوثنية، وفي الإنسان القريب من الطبيعة، بينما كان دوستويڤسكي مُهتماً بالفكر الثيوقراطي الذي تتميز به الأرثوذكسية الروسية.

وقد احتوى الكتاب على الكثير من المقارنات، لكنّ المجال لا يتسع لحصرها في هذه الزاوية، إلا أنه من المؤكد أن دوستويڤسكي وتولستوي كانا من عمالقة الأدب الإنساني الخالد.

***

أعرف الكثيرين ممن أغرموا بقراءة الأدب الروسي في الخمسينيات وحتى التسعينيات، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتوقُّف المكاتب الثقافية الروسية عن نشاطاتها، تراجعت قراءة كتب الكتلة الشرقية.

د.نجم عبدالكريم

back to top