زينب وأخواتها... حكايات في الصبر والظلم

نشر في 10-10-2022
آخر تحديث 10-10-2022 | 00:07
المواطنة المنقوصة ليست حكراً على النساء في أوطاننا، لذلك تقفز عبارة تلك المتمردة منذ سنين عدة وهي تقول: لا أريد المساواة بالرجل في وطني فهو الآخر دون حقوق.
 خولة مطر تبعد عن الأحلام أو ربما الذكريات وخصوصا الرومانسية والجميلة منها، أو هكذا يخيل لك في حين تفاجئك هي بمطاردات عبر قصاصة ورقة أو بقايا رسائل وصور، ماذا تفعل وهم يقولون إن عوامل «التعرية» أي السن قد بدأت ترسم بعض التغييرات على الجسد والفكر أو العقل، حتى الأمكنة المختبئة بين يافطات مكتظة بكلمات غير اللغة الأم وألوان قد شوهت حتى ما تبقى من الحواري والشوارع والشواطئ التي كانت.

تضيع بين الشوارع التي لا تشبه ما كانت والبشر المختلفين واللغات الصادحة بل هو الصراخ رغم أنك في سيارتك وتلك المحطة الشيطانة ترسل كل الأغاني من ذاك الزمن الجميل، كيف يلتقي كل هذا الصوت الجميل والكلمات والأنغام والموسيقى بكل هذا القبح الخارجي؟ هكذا غدر مدننا ربما في الخليج لكثرة الأغراب الذين لم يندمجوا أبداً، أو هي حتى في بلدان أخرى عربية وأوروبية، حيث كثرت الهجرة وتقوقع المهاجرون أو أجبروا على ذلك، في مناطق معزولة تبدو خارج الجغرافيا والتاريخ معاً.

تبحث عن المكان والوقت يداهمك، فموعد توقيع الكتاب قد اقترب، رغم أنك تعلم أنه ستكون هناك كلمات بالطبع وبعض التقديم وربما حتى ملاحظات سريعة، فموضوع الكتاب هو همٌّ يلازم نساءنا من خليجهن إلى محيطهن مروراً ببحارهن وأنهارهن، مواطنة منقوصة أو هي شكل من أشكال الظلم المتعددة الألوان والأنساق التي تعانيها النساء رغم أن المواطنة المنقوصة ليست حكراً على النساء في أوطاننا، إذ تقفز عبارة تلك المتمردة منذ سنين عدة وهي تقول لا أريد المساواة بالرجل في وطني فهو الآخر دون حقوق.

تضغط على الخروج لتوقف صوت تلك السيدة المزعج من غوغل، وهي تتلفظ بأسماء غريبة لشوارع كانت يوما كلها بأسماء عربية، تحاول أن تتحسس المكان، يختفي مبنى الجمعية النسائية العريقة بين غابة من الكراجات ومطاعم الوجبات السريعة التي تبعث بروائح البهارات والقلي المتكرر! بالطبع سأعرف المبنى هو الأقدم في هذه المنطقة، وتسير بعربتك ببطء خوفا من أن تدهس أحدهم، ففي هذه الأحياء المشوهة لا قوانين تحظر السير في منتصف الطريق الخاص بالعربات وكل يتصرف وكأنه في زقاقه بتلك البلاد البعيدة، هي ربما ثقافات مختلفة وأنماط عيش و... و....

أخيراً تجد ما يمكن أن يكون الممر المؤدي إلى ذاك المبنى إن لم تخنك الذاكرة الباهتة، يمر بعض الوقت والموسيقى تبدأ أغنية «امتى ح تعرف امته إني بحبك إنت» فتسرح بعيداً لذاك الفيلم وتلك الأغنية والزمان الآخر، ولكن ليس لوقت طويل، فقد داهمك أحدهم وأيقظك من أحلام المساء ليشير عليك بأن توقفي عربتك في المواقف القريبة، وإلا ستضطرين للسير لمسافة طويلة وسط كل هذا الزحام، وهكذا جاء الفرج تباعا، فالموقف يعني أن القدر ابتسم لك وسط مدننا المكتظة، وأخيراً تعرفت على المبنى الذي لا يزال في مكانه لم يتحرك، لكن غزته حتى خنقته المباني شبه العشوائية!! تكتشف لاحقا أن الموقف هو للمقبرة القريبة من الجمعية! لا يهم الأموات أكثر سلاما وسكينة من الأحياء، لذلك فمساكنهم هي الأقرب والأكثر هدوءاً.

بالطبع طغى الحضور النسائي رغم أن القضية، وهي منح الأم جنسيتها لأطفالها، ليست قضية نسوية بحتة، ولا هي خاصة بالمرأة والأم فقط، ولكن ككل ما يشبهها تبقى حصراً على فئة بسيطة مما تبقى من النساء المهتمات والمناضلات في مجال حقوق المرأة، رغم ذلك فإن أعداد الرجال بدأت بالتزايد بعض الشيء وفي معظمها هي الأخرى مما يمكن تعريفه بالنشطاء أو المهتمين أو المناضلين السياسيين والحقوقيين، وما يثير ليس عدم حضور أعداد كافية من الرجال والنساء العاديات بل اختفاء الصحافة المحلية المشغولة ربما بمرشحي البرلمان وشعاراتهم المثيرة للتساؤل عن خلفياتهم أحيانا والسخرية في كل الأوقات!!!

هي الدراسة الأولى التي تجمع الكثير من المعلومات والأرقام وتغوص في عمق القضية، أي حق الأم في منح جنسيتها لأطفالها، وتثير الأسئلة وتنبش المسكوت عنه و... و... وما إن بدأت الكلمات التعريفية التي تستعرض كل الجهد الذي بذل حتى زاد عدد الحضور، وانضم له بضع سيدات بدا عليهن بعض الشيء أنهن بعيدات عن أجواء الجمعيات النسائية أو حتى مؤسسات المجتمع المدني أو العمل في الحقل العام، واتضح ذلك مع بداية الوقوف في انتظار توقيع الباحثة وهي فرصة للنقاش أو عرض قضاياهن الخاصة، من بينهن كانت زينب مع حفيدها الصغير وما إن فتح الحديث معها حتى سردت معاناة طويلة بأسلوبها البسيط دون تنميق أو أي تجميل للصورة، ودون أن توجه اتهاماً، فقط تبحث عن حل، هي كنساء كثيرات مثلها ليس في البحرين أو دول الخليج فقط بل كل الدول العربية، إلا تلك التي انتصرت النساء فيها بتغيير قانون الأحوال الشخصية ليعطي المرأة كثيراً من الحقوق التي انتقصت مرة باسم التقاليد والعادات ومرات عديدة باسم الدين والطائفة، فكم هناك من كثيرات الآلاف مثل زينب أتعبهن التوسل والجلوس أمام المحاكم والكتابة للمسؤولين في أوطان تفتخر بعدد النساء في الوزارات والمناصب العليا!! عجبي!!

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية

● خولة مطر

زينب تبحث عن حل كنساء كثيرات مثلها ليس في البحرين أو دول الخليج فقط بل في كل الدول العربية
back to top