الحق في الانتخاب

نشر في 05-10-2022
آخر تحديث 05-10-2022 | 00:10
 د. محمد أمين الميداني شهدت الأسابيع القليلة الماضية، وفي العديد من بلدان العالم، ممارسة فعلية للحق في الانتخاب الذي نصت عليه الفقرة (3) من المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والتي جاء فيها: «إرادةُ الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلّى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت». ونصت كذلك الفقرة (ب) من المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، على حق كل مواطن في: «أن ينتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين». ونصت بدورها الفقرة (3) من المادة 24 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004 على حق كل مواطن في: «ترشيح نفسه أو اختيار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث تضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن»، ومن المؤكد ونحن نراجع هذه الوثائق الدولية والإقليمية وغيرها، بأن ممارسة حق الانتخاب هي مظهر من مظاهر الديموقراطية، وتداول السلطة، والمشاركة في الحياة السياسية بمختلف البلدان.

وأظهرت نتائج العديد من الانتخابات الأخيرة بعض المفاجآت أو النتائج المتوقعة، ولعلنا نبدأ بالانتخابات الأخيرة في دولة الكويت، ومشاركة المواطن الكويتي بانتخاب أعضاء البرلمان الكويتي الجديد، لنسجل مظهراً من مظاهر الممارسة الديموقراطية، ولنلفت النظر إلى جانب إيجابي تمثل بوصول سيدتين إلى هذا البرلمان، مما يعزز المشاركة النسائية في الحياة السياسية في الكويت والسماح للمرأة بتأدية دورها وتعزيز مكانتها في السلطة التشريعية إلى جانب مكانتها وأدوارها في السلطتين: التنفيذية والقضائية.

أما في القارة الأوروبية فنود أن نلفت النظر إلى مثال متميز يتعلق بالمشاركة السياسية ومختلف مظاهرها وبخاصة في ممارسة حق الانتخاب في سويسرا، لم تصادق هذه الدولة ولا تلتزم بالبروتوكول الأول لعام 1952 والمضاف إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، على الرغم من أنها صادقت على هذه الاتفاقية وكل البروتوكولات المضافة إليها وعددها حتى الآن 16 بروتوكولا دخلت كلها حيز النفاذ! أما سبب عدم المصادقة على هذا البروتوكول الأول فسببه جملة في المادة 3 من هذا البروتوكول! حيث تنص هذه المادة على ما يلي: «تتعهـد الأطراف السـامية المتعاقدة بأن تنظّم، في فترات معقـولة، انتخابات حرة باقتراع سـري، وبشـروط تضمـن للشـعب حرية التعبير عن رأيه في اختياره للهيئـة التشـريعية». والكلمة المقصودة «سري»، فالانتخابات في سويسرا حرة ولكن تتم باقتراع علني، وقد سمعت في إحدى الدورات التعليمية، القاضية السويسرية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي تسعينيات القرن الفائت، وهي تشرح وتبرر عدم مصادقة دولتها على هذا البروتوكول، وأعتقد شخصيا أن ممارسة الاقتراع بشكل علني في مختلف أنواع الانتخابات رئاسية أو تشريعية هو أكثر شفافية وديموقراطية وجرأة أيضا.

سمحت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أوروبا لليمين المتطرف أن يحقق نجاحات، ويحظى بأغلبية المقاعد في كل من السويد وإيطاليا، ولكن لم تأت الانتخابات التي جرت مؤخرا في بلغاريا بأي جديد ولم تبدل المواقف، وبقيت مقاعد البرلمان البلغاري مفرقة وموزعة بين مختلف الأحزاب.

لكن الأنظار كانت متجهة في نهاية الأسبوع الماضي إلى دولة كبرى في قارة أميركا الجنوبية، ونقصد بها البرازيل، ولم تحسم بدورها نتائج الانتخابات الرئاسية اختيارات الناخب البرازيلي، ولكنها سمحت للرئيس السابق (لولا دا سيلفا) أن يتقدم على منافسه الرئيس المنتهية ولايته (جاير بولسونارو)، وعلى الناخبين البرازيليين التوجه إلى صناديق الاقتراع في نهاية هذا الشهر لاختيار رئيسهم الجديد.

يبقى الحق في الانتخاب، وعلى الرغم مما يؤثر في ممارسته من مخالفات وتجاوزات، حقا أساسيا وضروريا للإنسان يسمح له بالمشاركة في الحياة السياسية، ويشعره بمكانته في بلده، ويقوي انتماءه لوطنه، واعتزازه بكونه واحدا من أبنائه.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

● أ. د. محمد أمين الميداني

back to top