نسخة دونالد ترامب في جنوب إفريقيا؟

نشر في 27-09-2022
آخر تحديث 27-09-2022 | 00:05
يستميل نهلانهلا «لوكس» موهلولي الناخبين السود الفقراء في جنوب إفريقيا عبر تأجيج مشاعر الكراهية تجاه الأجانب… يبدو أن خطته بدأت تنجح!
راح نهلانهلا «لوكس» موهلولي يرقص بجزمة الجيش الثقيلة وزيّه العسكري وسترته المضادة للرصاص في شوارع جوهانسبرغ، في 27 مايو. حذا مناصروه حذوه، وراحوا يؤدون الرقصة الاحتجاجية المعروفة في جنوب إفريقيا وهم يرتدون الزي العسكري أيضاً. كانت وجوه البعض خفية وراء الأقنعة، وحمل البعض الآخر الأغلال، وراحوا يُطلقون هتافات مُعادية للمهاجرين، ويحملون رايات كُتِب عليها «جنوب إفريقيا أولاً».

كان لوكس، القائد الكاريزماتي الثلاثيني المسؤول عن «عملية دودولا» (حركة جديدة في جنوب إفريقيا تهدف إلى ترهيب المهاجرين القادمين من الدول المجاورة ونشر مشاعر الكُره تجاه الأجانب)، قد مَثُل أمام المحكمة للتو، بتهمة نهب منزلٍ تُباع فيه المخدرات، وفق بعض المصادر. قاد لوكس مسيرة احتجاجية باتجاه منزله في بلدة سويتو، بعد تلك العملية.

خطابات لاذعة

بدأ هذا الشاب، البالغ من العمر 35 عاماً، يكسب الشعبية في جنوب إفريقيا، بسبب خطاباته اللاذعة ضد المواطنين الأفارقة الأجانب، فهو يلومهم على سرقة فرص العمل من السكان المحليين وارتفاع معدل الجرائم العنيفة. تستهدف حركة «عملية دودولا» الأماكن التي يعمل فيها أشخاص من زيمبابوي وموزمبيق ودول أخرى، وغالباً ما تتخذ عملياتها منحىً عنيفاً.

بلغت نسبة البطالة رسمياً 35 في المئة، وتصل بطالة الشباب إلى 64 في المئة، وتستفحل مظاهر الفقر، ويبحث سكان جنوب إفريقيا عن سبب لمشاكلهم. يلوم البعض حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، لأنه فشل في تحقيق وعوده.

بعد 28 سنة على تأسيس جنوب إفريقيا غداة حقبة الفصل العنصري، ينتظر عدد كبير من المقيمين في الأكواخ خطط الإسكان التي وعدت بها الحكومة. كذلك، انهارت شركة الكهرباء الرسمية «إيسكوم»، لدرجة أن يتكرر انقطاع الكهرباء في هذه المرحلة، حتى ان المسؤولين اختلسوا ملايين الدولارات المخصصة لمحاربة أزمة كورونا. لكن يستعمل الكثيرون المهاجرين (حوالى 5 في المئة من السكان) ككبش محرقة.

طريقة روبن هود

نشأ لوكس في بلدة سويتو، حيث ربّته أم عازبة، بعد انفصالها عن والده، الذي كان سارق بنوك على طريقة «روبن هود»، إذ يقول لوكس إنه كان يوزع مكاسبه غير المشروعة على أعضاء «المؤتمر الوطني الإفريقي» في المنفى. لكن يصعب التأكد من صحة هذه الادعاءات، فقد تكون هذه الحكاية مجرّد وهم في خياله.

حين كان لوكس في المدرسة، كان يضطر للسفر لممارسة الرياضة، كما يزعم، فزار الصين وبلداناً أخرى، لكنه لم يكن من محبي هذه النشاطات فيقول: «يتكلم الناس الإنكليزية في تلك الأماكن، لكنهم غريبو الأطوار. لا يمكننا سماع نصف ما يقولونه». لكنه عاد وتخصص في العلاقات الدولية في جامعة جوهانسبرغ، ثم رفع سقف طموحاته لاحقاً، وتدرّب كي يصبح طياراً.

الهيب هوب

لكن كيف تحوّل شاب يحب الهيب هوب التقليدي ويقرأ رواية بقلم باولو كويلو راهناً إلى زعيم حركة كارهة للأجانب؟ يقول لوكس إن كل شيء بدأ بسبب نشاطاته الاجتماعية: «لقد قصدتُ مدارس أفضل من غيري، بفضل المِنَح الدراسية، واكتشفتُ هناك عالماً مختلفاً وفاحش الثراء. في المقابل، ثمة عالم فقير جداً وهو المكان الذي آتي منه أنا».

سرعان ما قرر لوكس مساعدة الأولاد في سويتو، التي كانت تفتقر إلى الفرص، فراح يؤمّن لهم أحذية كرة القدم ويعلّمهم الرياضيات.

زاد تأثير لوكس في مجتمعه منذ يوليو 2021، حين شهدت جنوب إفريقيا موجة من أسوأ أعمال العنف في حقبة ما بعد الفصل العنصري.

أحزاب المعارضة

كما حصل في بلدان أخرى، حيث أبعدت حركات يمينية متطرفة ناشئة الناخبين عن الأحزاب الراسخة، يحاول سياسيون آخرون مواكبة هذه التطورات اليوم. بدل استنكار ما تفعله «عملية دودولا»، يفضّل الكثيرون تطبيق نهجها، ولا يقتصر الأمر على أحزاب المعارضة الصغيرة، بل تمتد هذه النزعة إلى حزب «المؤتمر الوطني الإفريقي» الحاكم أيضاً.

في الشهر الماضي، لام وزير النقل فيكيلي مبالولا «الأجانب غير الشرعيين» على ارتفاع مستوى البطالة في البلاد. وحين طُلِب من وزير الشرطة، بيكي سيلي، أن يستنكر الهجوم على مهاجرين مثل نياتي، عبّر عن موقف مشابه لتصريحات لوكس، فقال إن التركيز يجب أن يصبّ أولاً على سكان جنوب إفريقيا الذين تعرضوا للقتل. يثبت رفضه إدانة مظاهر كره الأجانب أن الحكومة تخشى أن تخسر دعم المواطنين إذا عارضت «عملية دودولا» بدرجة مفرطة.

اعتقال جاكوب

توسّعت أعمال الشغب، بسبب اعتقال الرئيس السابق جاكوب زوما، فترة وجيزة، بتهمة الازدراء بالمحكمة، وسرعان ما انتشرت هذه الأعمال في أجزاء متعددة من البلد، وتحولت إلى عمليات نهب واسعة للمتاجر والشركات. يقول لوكس إنه قرر في تلك اللحظة استدعاء أصدقاء له ممن يملكون الأسلحة مثله لحراسة مركز «مابونيا» التجاري في سويتو وحمايته من اللصوص.

اعتُبِر هؤلاء الشبان أبطالاً، ثم انبثقت حركة «عملية دودولا» بشكلها الراهن من تلك الحملة المضادة للسرقة، مع أنها تحولت منذ ذلك الحين إلى جماعة معادية للمهاجرين. برأي لوكس، حصل هذا التحول لأن سكان جنوب إفريقيا قد يتعرضون للاعتقال إذا سرقوا الطعام ليأكلوا، بينما يتورط الأجانب في تجارة المخدرات ومعظم الجرائم العنيفة.

موجة الغضب

من المبرر أن يشعر سكان جنوب إفريقيا بالسخط إزاء مستويات الجريمة في بلدهم، الذي يسجّل أعلى معدلات جرائم القتل في العالم. ومن الواضح أن لوكس يستغل موجة الغضب هذه، مع أن الإحصاءات تكشف أن الأجانب يشكّلون نسبة صغيرة من السجناء.

لكن إلى أي حد سيتمادى لوكس بتحركاته؟ هو يجيب قائلاً: «هذا بلدنا، ونحن نريد أن نعطي الأولوية لأبناء البلد في جنوب إفريقيا. سنواجه القوة بالقوة... إذا قتلتمونا، سنضطر في مرحلة معينة لإطلاق العنان لغريزتنا الحيوانية للدفاع عن حياتنا».

وأضاف بأسلوبه المتغطرس المألوف: «أنا لا أخاف أحدا. أنا ابن سويتو، وقد شاهدتُ عدداً لا يُحصى من الأشخاص وهم يموتون أمامي».

أطراف كثيرة

ورداً على سؤال حول مصدر أمواله وطريقة تمويل «عملية دودولا»، يبقى جواب لوكس مبهماً. هو يقول إنه يملك عدداً من الشركات، لكنّ عملها مُعلّق في الوقت الراهن. أما تمويل الحركة، فهو يتوقف على مشاركة أطراف كثيرة.

في 6 أبريل الماضي، زار لوكس وأعضاء من «عملية دودولا» مستوطنة فقيرة وغير رسمية اسمها «ديبسلوت»، حيث تمتد أكواخ الحديد المموجة على مد النظر، ويعيش السكان في خوفٍ دائم من الجرائم العنيفة، ويلوم الكثيرون الأجانب على هذه المشكلة.

في تلك الليلة، أقدم رجل عصابات من جنوب إفريقيا على إضرام النار في إلفيس نياتي، وهو رجل من زيمبابوي عمره 43 عاماً وأب لأربعة أولاد كان يعمل كبستاني ويقيم في جنوب إفريقيا منذ ست سنوات، فأحرقه حياً. يتنقل رجل العصابات نفسه بين الأكواخ دوماً، ويطالب برؤية تراخيص الإقامة التي يحملها الأجانب المقيمون هناك.

حين سُئِل لوكس عن تحمّله مسؤولية موت نياتي وشعوره بالأسف تجاه عائلته، أجاب بكل وضوح: «لا أملك معلومات كافية كي أشعر بالشفقة على زوجة إلفيس. أنا منشغل بالحداد على أرواح سكان جنوب إفريقيا الذين قُتِلوا على يد الأجانب».

ردود حقودة

بعد جريمة القتل تلك، عادت عائلة نياتي إلى زيمبابوي، لكنها أقامت أولاً مراسم تأبين بمركز اجتماعي في جوهانسبرغ. تثبت الردود الحقودة التي تلقيتُها حين كتبتُ تغريدة عن مراسم التأبين مدى انتشار مشاعر كره الأجانب في جنوب إفريقيا، بما في ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

خلال مراسم التأبين، لم تستطع زوجة نياتي أن تردّ على الأسئلة. لكن وصف نسيبه فيليمبيني ندلوفو ما حصل في «ديبسلوت» عشية الهجوم، فقال إن مجموعة بلباس مدني حضرت إلى كوخ العائلة وطلبت رؤية أوراقهم الثبوتية وطالبتهم بدفع 300 راند (حوالي 20$). أعطتهم العائلة 50 رانداً، وهو كل ما تملكه. عمد المعتدون حينها إلى ضرب نياتي وزوجته.

أضاف ندلوفو بكل مرارة: «ثم أخذوا الزوج وتابعوا ضربه ثم أحرقوه حياً... هكذا قُتِل نسيبي بسبب 250 رانداً».

خدمات التأمين

كانت مراسم التأبين متواضعة، فراح المشاركون ينشدون الترانيم مع مُنشِد ديني يرتدي لباساً ذهبياً لامعاً، فيما عُرِضت نبذة عن حياة نياتي على غطاء سرير مُعلّق في جوار المسرح. على المدخل، استغلت شركة اسمها «زورورو بومولاني لخدمة الجنازات» الفرصة لتسويق خدمات التأمين التي تقدّمها.

طوّقت الشرطة المنطقة، لمنع أي اعتداءات ضد الأجانب خلال مراسم التأبين على الأرجح، لكنها اضطرت في نهاية المطاف لحماية سفير زيمبابوي لدى جنوب إفريقيا من أبناء بلده.

عندما نهض السفير ديفيد همادزيريبي لإلقاء كلمة، تعرّض لصيحات استهجان وطالبه المهاجرون الغاضبون بالنزول عن المسرح، لأنهم يلومون حكومة زيمبابوي وسياساتها الاقتصادية الكارثية على اضطرارهم للمجيء إلى جنوب إفريقيا. شعر همادزيريبي بالذهول في تلك اللحظة، ثم هرب من المبنى بحماية الشرطة، ورحل بسيارته التي تحمل لوحة دبلوماسية.

منصة سياسية

فشل الحزب الحاكم في زيمبابوي في استخدام تلك المناسبة كمنصة سياسية، لكن نجحت جماعات أخرى في تحقيق أهدافها. حضر وفد من جماعة «المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» بقيادة جوليوس ماليما. يطرح هذا الحزب نفسه كخصم لحركة «عملية دودولا». استعمل أعضاء هذه الجماعة مراسم التأبين كمنبر للاحتجاج على أعمال العنف بين أصحاب البشرة السوداء.

صناديق الاقتراع

حين يقصد الناخبون في جنوب إفريقيا صناديق الاقتراع في عام 2024، سيحاول حزب «المؤتمر الوطني الإفريقي» أن يلهيهم عن إخفاقاته الهائلة. بما أن قاعدة الناخبين التقليديين في الحزب بدأت تتقدم في السن، فمن المتوقع أن تبحث الجماعات التي «وُلدت حرّة» في جنوب إفريقيا، أي تلك التي لا تتذكر النضال لإنهاء حقبة الفصل العنصري، عن سياسيين جدد ومُلهِمين بدل «الديناصورات» التي يتكلم عنها لوكس في إشارة إلى المشرّعين الحاليين.

يبحث هؤلاء عن شبّان مثله. قد يعتبر المسؤولون في الحكومة لوكس مجرّد مهرّج، لكنهم سيتحمّلون تداعيات هذا الموقف. الوضع مشابه لاستهزاء النُخَب الحاكمة في الولايات المتحدة بنرجسي آخر لم يتوقع أحد فوزه في عام 2016.

في النهاية، يقول لوكس: «أنا أقود الناس بكل بساطة، وأقود العالم الحر، وأقود كل من هو خارج معترك السياسة، أي أغلبية الناس في البلد. لهذا السبب، يشعر السياسيون بالخوف. إذا قلتُ إننا سنتحول إلى حزب سياسي وإن حركتنا أصبحت واسعة جداً، فسيتغير المشهد الداخلي حتماً. كل شيء سيتغير».

الطبقة العاملة

يفضّل جزء كبير من سياسات ماليما الانتهازية على الأيديولوجيا، وهو يغيّر توجهاته بحسب الظروف المتبدلة. يقول ماليما إنه يدافع عن الطبقة العاملة، مع أنه يرتدي ملابس من ماركات مشهورة مثل «غوتشي» و»لوي فيتون». كان يرفض في البداية المشاركة في حملات كره الأجانب ولطالما أدان الاعتداءات ضد المهاجرين، فطرح نفسه كزعيم إفريقي شامل.

لكن بعدما أطلق لوكس حملة تجبر الباعة الأجانب على إخلاء الأرصفة في سويتو بفترة قصيرة، قام ماليما بزيارة حصلت على تغطية إعلامية واسعة إلى مطاعم جوهانسبرغ لاحتساب عدد العمال المحليين نسبةً إلى العمال الأجانب. هو لم يعتبر تلك العملية تعبيراً عن كره الأجانب، بل طريقة لحماية الأفارقة من الاستغلال. لكن أعطت الصور المأخوذة في تلك المناسبة الأثر المنشود وسط مناصري حزب «المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية»، فقد كان هؤلاء يعتبرونه ضعيفاً في موقفه من المهاجرين وكانوا ليفكروا بدعم جماعات أكثر تطرفاً مثل «عملية دودولا».

السياسة العالمية

يميل لوكس من جهته إلى استعمال الاستعارات في كلامه، لذا قارن زعيم حزب «المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» بهاتف «نوكيا»، بمعنى أنه كان رائجاً في مرحلة سابقة لكن لم يعد أحد يريده بعد اختراع جهاز «آي فون». يمكن اعتبار «عملية دودولا» أشبه بمنتج متطور من شركة آبل، بحسب رأيه. لكن من هو الزعيم الذي يعجبه في السياسة العالمية؟ إنه دونالد ترامب الذي يشبهه في خطاباته وتوجهاته.

يقول لوكس: «لا أعرف إذا كنتُ معجباً بذلك الرجل، لكني أحببتُ وجهات نظره طبعاً. من المنطقي أن يبدي الأميركيين على الآخرين في الولايات المتحدة ويعطي الأولوية للأميركيين، لا الأجانب غير الشرعيين. إنها مسألة بديهية. هذا ما تفعله عملية دودولا».

يميل لوكس إلى مقارنة نفسه دوماً بشخصيات أسطورية في تاريخ النضال لتحرير جنوب إفريقيا، وهو جدّي في مواقفه. لكنه يؤكد أنه لا يستعمل «عملية دودولا» كمنصة لدخول معترك السياسة، مع أن الناس يضغطون عليه كي يترشّح لمنصب عام. لكن تبدو تصريحاته ماكرة في جميع الحالات، ومن الواضح أن شهرته السريعة رفعت مستوى طموحاته السياسية.

* كيت بارتليت – Foreign Policy

البطالة بجنوب إفريقيا بلغت 35% وبطالة الشباب 64% ومظاهر الفقر تستفحل والسكان يبحثون عن سبب لمشاكلهم

حين يقصد الناخبون في جنوب إفريقيا صناديق الاقتراع عام 2024 سيحاول حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أن يلهيهم عن إخفاقاته الهائلة

من المبرر أن يشعر سكان جنوب إفريقيا بالسخط إزاء مستويات الجريمة في بلدهم الذي يسجِّل أعلى معدلات جرائم القتل في العالم

يميل لوكس إلى مقارنة نفسه دوماً بشخصيات أسطورية في تاريخ النضال لتحرير جنوب إفريقيا وهو جدّي في مواقفه

قاعدة الناخبين التقليديين في الحزب بدأت تتقدَّم في السن ومن المتوقع أن تبحث الجماعات التي «وُلدت حرَّة» بجنوب إفريقيا عن سياسيين جدد ومُلهِمين
back to top