«الوطني»: ضرورة مواصلة «الفدرالي» سياساته المتشددة

المؤشرات الأساسية تزداد سوءاً رغم تلاشي الدوافع الرئيسية لارتفاع التضخم

نشر في 19-09-2022
آخر تحديث 19-09-2022 | 00:05
ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة
ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة
عاودت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفاعها مجددا الشهر الماضي، إذ ارتفعت بنسبة %0.1 مقارنة بمستويات يوليو بعد استقرارها دون تغير عن الشهر السابق ومقارنة بالتوقعات المخيبة للآمال بانخفاضها بنسبة %0.1. ومقارنة بالعام السابق، نلحظ ارتفاع الأسعار بنسبة %8.3 بتباطؤ هامشي يعزى إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار البنزين.

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، تأتي البيانات رغم تراجع أسعار اثنين من المنتجات التي ساهمت بشكل كبير في رفع مستويات التضخم خلال العام الماضي، وهي البنزين والسيارات المستعملة. فعلى سبيل المثال، انخفض متوسط تكلفة جالون البنزين في الولايات المتحدة إلى 3.83 دولارات بنهاية أغسطس بعد أن تجاوز 5 دولارات للمرة الأولى في يونيو.

وعلى الرغم من وجود مؤشرات على بدء تلاشي الدوافع الرئيسية لارتفاع التضخم، مثل أسعار البنزين وقضايا سلسلة التوريد فإنه يبدو أن المؤشرات الأساسية تزداد سوءا، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي، الذي يستبعد أسعار السلع المتقلبة مثل المواد الغذائية والطاقة، بنسبة %0.6 مقارنة بمستويات يوليو، وبنسبة %6.3 على أساس سنوي، مسجلا أول معدل نمو سنوي في 6 أشهر، ويؤكد ارتفاع معدل التضخم الأساسي مدى ترسخ التضخم الآن في الاقتصاد، وقفزت تكلفة مشتريات البقالة مرة أخرى الشهر الماضي لترتفع الآن بنسبة %13.5 على مدار العام الماضي، لتسجل بذلك أعلى معدل زيادة منذ عام 1979.

وقد يكون هذا التقرير وخاصة الارتفاع الهائل الذي شهده معدل التضخم الأساسي مؤشرا جديدا على ضرورة مواصلة «الاحتياطي الفدرالي» تبني سياسات متشددة لكبح جماح التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، ومن المتوقع أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس أخرى في اجتماعه المقرر عقده في 21 سبتمبر.

تراجع أسعار الجملة

وانخفضت الأسعار التي يتلقاها المنتجون مقابل السلع والخدمات الشهر الماضي، مما وفر هدنة من الضغوط التضخمية التي تهدد بدفع الاقتصاد إلى الركود، إذ انخفض مؤشر أسعار المنتجين %0.1 على أساس شهري، وفقا لتقرير مكتب إحصاءات العمل. وعلى أساس سنوي، ارتفع المؤشر بنسبة %8.7، مسجلا تباطؤا شديدا مقارنة بارتفاعه بنسبة %9.8 في يوليو، بعدما حقق أقل مكسب سنوي منذ أغسطس 2021.

وفي ذات الوقت، ارتفع الرقم الأساسي الذي لا يشمل المواد الغذائية والطاقة والخدمات التجارية بنسبة %0.2 على أساس شهري وبنسبة %5.6 على أساس سنوي. ويعزى هذا التراجع في الأسعار إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار الطاقة.

ارتفاع مفاجئ بمبيعات التجزئة

كشفت بيانات إنفاق المستهلكين استمرار الطلب على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، إذ ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة %0.3 على أساس شهري في أغسطس. وفاقت الزيادة معدل ارتفاع التضخم وشكلت انعكاسا قويا مقارنة بتراجعه في شهر يوليو بنسبة %0.4. وباستثناء البنزين، ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة %0.8. هذا ولم يتم تعديل البيانات لتتوافق مع معدلات التضخم.

وبصفة عامة، تمكن المستهلكون من زيادة إنفاقهم بسبب انخفاض أسعار البنزين، مما أدى إلى زيادة الإنفاق على الفئات الأخرى. وبالنسبة لمجلس الاحتياطي الفدرالي، كشفت البيانات أن طلب المستهلكين كان مستقراً في الوقت الذي يواجه ارتفاعاً تاريخياً بالنسبة لأسعار الفائدة ووصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية. ومن شأن ذلك أن يعزز من توجه صانعي السياسات النقدية لمواصلة تطبيق سياساتهم المتشددة ورفعهم الحاد لتكاليف الاقتراض.

حركة الأسواق

تواصل تدفقات الملاذ الآمن إحكام قبضتها على الأسواق المالية، مما ساهم في تعزيز أسعار العملة الأميركية وتمكنها من الحفاظ على قوتها مقابل العملات الرئيسية الأخرى، إذ ارتفع الدولار بنسبة %1.09 الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تداول اليورو عند مستوى التعادل مع الدولار، في حين وصل الجنيه الاسترليني إلى مستوى 1.14 للمرة الأولى منذ عام 1985 على خلفية صدور بيانات مخيبة للآمال من المملكة المتحدة.

أما في وول ستريت فقد واصلت الأسهم الأميركية تراجعها في ظل استمرار قوة الدولار، مما يشير إلى المخاوف من التأثير السلبي للسياسات النقدية المتشددة التي يتبعها الاحتياطي الفدرالي، والتي قد تقوض النمو الاقتصادي. وبالانتقال إلى السندات، واصلت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين، والتي تتسم بحساسيتها الشديدة للسياسة النقدية، ارتفاعها إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ عام 2007، مما أدى إلى تعميق انعكاس المنحنى الذي يعرف تاريخيا كإشارة مؤكدة على الركود الاقتصادي.

المملكة المتحدة

سجل الاقتصاد البريطاني نموا بوتيرة أبطأ من المتوقع في يوليو، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة %0.2 فقط على أساس شهري بعد انخفاض حاد بنسبة %0.6 في يونيو، وكان الإنتاج ثابتا في الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو مقارنة بتسجيل نمو بنسبة %0.3 في الأشهر الثلاثة المنتهية في أبريل. وبالنظر إلى التوزيع القطاعي، جاء قطاع الخدمات في الصدارة بتسجيله نموا بنسبة %0.4.

من جهة أخرى، تراجع الإنتاج بنسبة %0.3 بعد انخفاضه بنسبة %0.9 الشهر السابق. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عوامل غير متكررة يعزى لها الانخفاض الحاد في يونيو، مثل عطلة البنوك الإضافية بسبب اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيت، والتي بدورها تجعل بيانات شهر يوليو جيدة بالمقارنة. وبالمثل، قد يتأثر النشاط بعطلة البنوك يوم الاجازة الرسمية لجنازة الملكة وعشرة أيام حداداً على وفاتها في وقت لاحق من سبتمبر.

وتأتي البيانات بعد شهر واحد فقط من إعلان بنك إنجلترا عن توقعاته بدخول الاقتصاد في حالة ركود بنهاية العام الحالي واستمرار هذا الوضع حتى أوائل عام 2024. وما يزال كلا من المستهلكين والشركات يجاهدون للخروج من وطأة ارتفاع الأسعار وفواتير الطاقة. وعلى صعيد أكثر إشراقاً، يعتقد بعض الاقتصاديين أن المملكة المتحدة قد تشهد بعض النمو عقب قرار الحكومة وضع سقف لارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، إضافة إلى تعهد رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس بإلغاء الزيادة الأخيرة في قيمة التأمين الوطني بنسبة %1.25، ومن المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا سعر الفائدة للمرة السابعة على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه المقرر عقده في 22 سبتمبر.

انخفاض أسعار الوقود

تباطأت وتيرة ارتفاع الأسعار بالمملكة المتحدة في أغسطس على خلفية انخفاض أسعار الوقود، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة %9.9 على أساس سنوي، فيما يعد أقل قليلا عن التوقعات التي تشير الى تسجيل ارتفاع بنسبة %10.2، وأقل من %10.1 المسجلة في يوليو. وعلى أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة %0.5، أقل بقليل من التوقعات.

في حين ارتفع المؤشر الأساسي الذي لا يشمل البنود المتقلبة بنسبة %0.8 على أساس شهري و%6.3 على أساس سنوي، موافقاً التوقعات. ويتوقع بنك إنجلترا تسارع وتيرة ارتفاع التضخم لتصل إلى %13 بالربع الرابع من عام 2022، وأن يظل عند مستويات مرتفعة جدا طوال معظم فترات العام المقبل قبل أن ينخفض إلى مستوى %2 المستهدف عام 2024.

وكانت المملكة المتحدة واجهت أزمة تاريخية في تكلفة المعيشة هذا العام، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والطاقة، ولم تنجح زيادات الأجور في مواكبة التضخم، مما أدى إلى تراجع الأجور الحقيقية المسجلة إلى أحد أدنى مستوياتها. خلال الأسبوع الماضي فقط، أعلنت رئيسة الوزراء ليز تراس حزمة مالية طارئة تضع سقفاً لفواتير الطاقة المنزلية السنوية عند مستوى 2500 جنيه إسترليني للعامين المقبلين، مع ضمان حصول الشركات على مساعدات ايضاً على مدى الأشهر الستة المقبلة والعمل على تقديم المزيد من الدعم للقطاعات الضعيفة. ويتوقع المحللون أن تكلف هذه الإجراءات دافعي الضرائب ما يقدر بنحو 130 مليار جنيه إسترليني.

«الاحتياطي» الأسترالي

كشفت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأسترالي الأسبوع الماضي ارتفاع صافي التوظيف بمقدار 33.500 وظيفة في أغسطس، بما يتماشى مع التوقعات معوضا بذلك التراجع الذي شهده في يوليو بمقدار 41 ألف وظيفة، كما زاد معدل البطالة إلى %3.5 مقابل %3.4، فيما يعزى حصرياً إلى دخول المزيد من الأشخاص إلى القوى العاملة بحثاً عن عمل، وتؤكد البيانات مرونة سوق العمل في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة.

ومن الآن فصاعدا، ستراقب الأسواق عن كثب مجريات الاحداث لمعرفة ما إذا كان بنك الاحتياطي الأسترالي سيرفع الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أخرى، أم يتجه لرفعها بمقدار 25 نقطة أساس فقط خلال اجتماعه القادم في أكتوبر. وحتى وقتنا الحالي، يميل السوق نحو رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الشهر المقبل، بعد أن فتح محافظ البنك الاحتياطي الأسترالي فيليب لوي المجال أمام إبطاء وتيرة الزيادات فيما يعزى جزئيا إلى نمو الأجور الذي يسير بوتيرة أقل من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة بواقع النصف تقريباً.

تدفقات الملاذ الآمن تواصل إحكام قبضتها على الأسواق المالية
back to top