أي اتفاق نووي جديد لن يمنع تصنيع قنبلة إيرانية

نشر في 16-09-2022
آخر تحديث 16-09-2022 | 00:00
تزويد إسرائيل بناقلات التزود بالوقود (KC-46) أولى الخطوات لردع تسلح إيران النووي
تزويد إسرائيل بناقلات التزود بالوقود (KC-46) أولى الخطوات لردع تسلح إيران النووي
منذ عشر سنوات، كان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، يحضر إلى واشنطن بانتظام ويعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين في إدارة أوباما، كان برنامج إيران النووي محور تلك الاجتماعات ولطالما كرر باراك التحذير التالي: «تقولون إن الوقت كافٍ للتعامل مع هذا الملف، لكني أخشى أن نسمع الكلام نفسه إلى أن يُقال لنا فجأةً: فات الأوان على التحرك، ولم نعد نستطيع فعل شيء إلا التعايش مع الواقع المستجد».

منذ فترة، أعلن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، أن برنامج إيران النووي يخطو «خطوات متسارعة»، مما يعني أن الخوف من تحقق «نبوءة» باراك أصبح مبرراً.

تملك إيران اليوم اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60% بكمية كافية لتصنيع قنبلتَين، وهي تتابع تركيب وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لتسريع تخصيبها، فقد أحرز البرنامج النووي الإيراني تقدماً يتجاوز ما كان ليُحققه لو كانت طهران تتابع الالتزام بالحدود الواردة في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، كان قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب من ذلك الاتفاق عذراً مناسباً كي تتابع إيران تقدّمها، مما يعني فشل حملة «الضغوط القصوى» خلال عهد ترامب بكل وضوح.

يتعامل الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم مع إرث شائك بعد فشل مقاربة ترامب في الملف النووي الإيراني، لكن لم تُحقق سياسة بايدن النجاح حتى الآن، ففي آخر 18 شهراً، تسارع إيقاع برنامج إيران النووي، وبات يشمل كميات كبيرة من المواد المُخزّنة والمُخصّبة، بما في ذلك مادتان لا يمكن استعمالهما لأغراض مدنية (تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وإنتاج معدن اليورانيوم). يعني هذا الواقع أن إيران بعد عام 2030 ستتمكن من تصنيع قنبلة في أسرع وقت، حتى لو تجددت «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إلا إذا اقتنع القادة الإيرانيون بأن كلفة هذه العملية ستكون باهظة.

من دون عقد اتفاق معيّن، ستقترب طهران من تصنيع قنبلة عاجلاً لا آجلاً، وفي حال تجديد «خطة العمل الشاملة المشتركة»، سيحصل البلد على القنبلة المنشودة آجلاً لا عاجلاً، إلا إذا تحركت إدارة بايدن والإدارات اللاحقة لإقناع المسؤولين الإيرانيين بالمخاطر المطروحة، أبرزها استعداد واشنطن لاستعمال القوة منعاً لهذه النتيجة.

لكن ترتفع الأصوات في أوساط السياسة الخارجية منذ الآن حول استحالة منع إيران من تطوير سلاح نووي وضرورة أن يتعايش العالم مع هذا الواقع بكل بساطة، وخلال اجتماع «مجموعة آسبن الاستراتيجية» (فريق من أهم الخبراء في شؤون السياسة الخارجية من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي)، قال أحد الأعضاء إن عدداً مفاجئاً من المشاركين مقتنع بهذه الفكرة.

خلال الأزمات، يسهل تحريض جميع الأطراف المعنية، مما يعني أن تصبح الضربات النووية والحروب ممكنة في أي لحظة، فرغم التشديد على مبدأ «الدمار المتبادل المؤكد»، اقترب العالم من كارثة نووية حقيقية خلال الحرب الباردة. بالإضافة إلى أزمة الصواريخ الكوبية التي قرّبت البشرية من حرب نووية لم يشهدها أحد حتى تلك الفترة، يدرك الجميع اليوم أن السوفيات أساؤوا تفسير تدريبٍ واسع النطاق لحلف الناتو في عام 1983، فظنوا أنه تمهيد لهجوم حتمي وراحوا يستعدون لإطلاق ضربة نووية، وحده الحظ مَنَع حصول تبادل نووي من هذا النوع.

لكن لا داعي للنظر إلى الماضي دوماً، بل يكفي أن نفكر في تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم، فهو وضع قواته النووية في حالة تأهب، وسرعان ما انتشرت مخاوف كبرى من أن يؤدي الدعم المفرط لأوكرانيا إلى استعمال الأسلحة النووية الروسية، ويُفترض أن يفهم العالم إذاً أن استخدام الأسلحة النووية لم يعد خياراً مستبعداً، فإذا طوّرت إيران سلاحاً نووياً، يرتفع احتمال أن يصبح الشرق الأوسط ككل مسلّحاً نووياً، مما يعني زيادة مخاطر اندلاع حرب نووية في منطقة غارقة بالصراعات.

قد يعطي أي سلاح نووي إيراني نتيجة سلبية أخرى، إذ من المنطقي أن يتصاعد عدد الأطراف التي تشعر بأنها مضطرة لتصنيع قنبلة خاصة بها، حتى أنها قد تتجاوز حدود الشرق الأوسط، مما يعني انتهاء معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، حيث كانت هذه المعاهدة تُعتبر من أنجح الاتفاقيات للحد من التسلح في التاريخ، فهي أبقت عدد الدول المسلّحة نووياً أقل بكثير مما توقّع مصمّمو المعاهدة.

بايدن محق حين يقول إن الولايات المتحدة ستمنع إيران من تصنيع سلاح نووي، لكنّ المسار الذي يتبعه يجازف بجعل هذا الموقف مجرّد كلام غير ملموس، ومع ذلك، لم يفت الأوان على منع إيران من تحويل قدراتها إلى سلاح حقيقي، لكن هذه الخطوة تتطلب في المقام الأول إقناع القادة الإيرانيين بأنهم يجازفون ببنيتهم التحتية النووية كلها في حال أصروا على متابعة تقدّمهم إلى حين تصنيع قنبلة، واليوم لا يظن الإيرانيون أن واشنطن ستستعمل القوة ضدهم في أي ظرف، لكن يستطيع المسؤولون الأميركيون أن يغيروا هذه الفكرة عبر اتخاذ عدد من الخطوات:

أولاً، يجب أن يتغير موقف واشنطن العلني، فتُشدد الولايات المتحدة على تصرّف المسؤولين الإيرانيين وكأنهم يريدون تصنيع سلاح نووي، رغم تفضيل بايدن الحلول الدبلوماسية، ونزعتهم إلى استغلال المحادثات لتغطية مساعيهم الحقيقية. يجب أن يفهم الإيرانيون إذاً أن الولايات المتحدة ستتحرك في مرحلة معينة للقضاء على بنيتهم التحتية النووية التي كلّفتهم الكثير على مر العقود الماضية.

كذلك، يجب أن يلقي وزير الخارجية الأميركي خطاباً عن إيران، فيفسّر السياسة الأميركية، بما في ذلك مساعي التوصل إلى حل دبلوماسي يسمح لإيران باكتساب قوة نووية مدنية لكن يمنعها من تصنيع أسلحة نووية، ويجب أن يشرح أيضاً أهمية منع إيران من تطوير تلك الأسلحة.

بعيداً عن تهديد مستقبل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وزيادة مخاطر اندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط، يجب أن يفسّر وزير الخارجية أن إيران لا تحترم أي قواعد أو حدود، فهي تتابع محاولات اغتيال مسؤولين أميركيين سابقين ومعارضين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، كما أنها ترسل الأسلحة والأموال إلى جماعات إرهابية مثل الحوثيين، وحركة «حماس»، والجهاد الإسلامي، وتستعمل عملاءها (الميليشيات الشيعية) لإضعاف السلطات (في لبنان والعراق)، وتُهدد جيرانها والممرات المائية الدولية، وتدعو صراحةً إلى القضاء على إسرائيل المنتسبة إلى الأمم المتحدة.

للتأكيد على تعليقات وزير الخارجية، يجب أن يستعمل بايدن خطابه أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة هذا الشهر للتشديد مجدداً على رغبة إيران في اكتساب أسلحة نووية بدل القوة النووية المدنية، مع أن واشنطن تفضّل الوسائل الدبلوماسية، مما يعني أنها تجازف في مصير بنيتها التحتية النووية كلها، ويثبت هذا النوع من المواقف العلنية أيضاً أن واشنطن تهيئ البيئة الدولية لتحرك عسكري أميركي محتمل، ويجب أن تُبلِغ الولايات المتحدة حلفاءها بهذا الاحتمال، قبل الإفصاح عنه علناً، وتستعمل القنوات الخاصة لنقل هذه الرسالة إلى المسؤولين الإيرانيين.

ثانياً، يجب أن تنفذ القوات الأميركية تدريبات مشتركة مع القيادة الأميركية المركزية التي تتدرب على عمليات جو – أرض ضد الأهداف المحصّنة، وهي تشمل بالضرورة ضرب الدفاعات الجوية التي تحميها، وتتنبه إيران إلى التدريبات الأميركية دوماً، وستفهم حتماً نوع الاعتداءات التي تُحضّرها وزارة الدفاع أو تتدرب عليها.

ثالثاً، يجب أن تتابع واشنطن تحديث دفاعات شركائها الإقليميين ضد الاعتداءات بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة، حيث تهدف هذه الخطوة إلى طمأنة هؤلاء الشركاء وإثبات قدرة الأميركيين وحلفائهم على كبح ردود طهران العسكرية أو صدّ تهديداتها.

رابعاً، يُفترض أن يسرّع البنتاغون تسليم ناقلات التزود بالوقود (KC-46) إلى إسرائيل، ولتحسين قدرة إسرائيل على ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، يجب أن تطول مدة تحليقها فوق المواقع المستهدفة كي تتمكن من ضرب الأماكن المحصّنة، فهي تحتاج إلى هذه الطائرات لتنفيذ الضربات المطلوبة، فحتى الآن، يصعب أن يحصل عليها الإسرائيليون قبل عام 2025، لكن يجب أن تستحوذ عليها إسرائيل في مرحلة أبكر، إذا أرادت إقناع القادة الإيرانيين بأن الخيار العسكري أصبح واقعياً وأنهم يلعبون بالنار إذا تابعوا تقدّمهم إلى حين اكتساب السلاح المنشود، فعملياً، ستتأكد إيران من استعداد بايدن لدعم التحركات الإسرائيلية بدل كبحها بعد تسريع عملية تسليم الطائرات للإسرائيليين.

طالما تشك إيران في استعداد الولايات المتحدة لاستعمال القوة ضدها أو استهداف بنيتها التحتية النووية، يتراجع احتمال التوصل إلى حل دبلوماسي له تأثير حقيقي على وجهة برنامجها النووي، فعاجلاً أو آجلاً، ستقترب إيران من اكتساب القدرات اللازمة لتصنيع الأسلحة: إما أن يطلق الإسرائيليون تحركاً عسكرياً لا يمكن تحديد نتائجه مسبقاً، وإما أن تتحقق «نبوءة» إيهود باراك على أرض الواقع.

إذا حصلت إيران على سلاح نووي فستحذو السعودية وبلدان أخرى حذوها، ولا مفر من انهيار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية حينها، ويُفترض أن يشكّل القلق المتزايد من تحقق النتيجة التي يخشاها باراك جرس إنذار للجميع، فقد حان وقت تغيير المقاربة المعتمدة.

* دينيس روس

Foreign Policy

إسرائيل يجب أن تستحوذ على ناقلات التزود بالوقود (KC-46) في مرحلة مبكرة إذا أرادت إقناع القادة الإيرانيين بأن الخيار العسكري أصبح واقعياً
back to top