تأخُّر العام الدراسي... فشلٌ بامتياز!

• كيف لمن أخفق في إعادة التعليم لوضعه قبل الجائحة مناقشة تطوير المناهج أو تعويض «الفاقد»؟!
• تعثر الدراسة بسبب «الصيانة والعمالة والنظافة» إخفاق يستوجب «نفضة» للإدارة التربوية

نشر في 15-09-2022
آخر تحديث 15-09-2022 | 00:13
محمد البغلي
محمد البغلي
قدّم إعلان وزارة التربية والتعليم تأجيل بداية العام الدراسي إلى مطلع أكتوبر المقبل صورةً سلبية بشأن كفاءة العمل الحكومي، خصوصاً في الخدمات الأساسية، وسط حالة من التفاؤل في المجتمع الكويتي باتخاذ سياسات إصلاحية أو إيجابية تتمثّل في فتح بعض ملفات الفساد أو إقالة مسؤولين حامت حولهم الشبهات.

فالكويت تعدّ الدولة الوحيدة في العالم - إذا استثنينا الدول المجهرية - التي لم تستطع إعادة عجلة التعليم العام إلى سابق عهدها قبل جائحة «كوفيد - 19» منذ إغلاق المدارس في فبراير 2020، حيث عانت المؤسسة التعليمية توقفاً كلياً للدراسة بسبب الجائحة ثم اعتماد نظام الأونلاين المليء بالثغرات والعيوب وصولاً إلى نظام المجموعات الذي اعتمدت فيه الدراسة جزئياً لمدة عام ونصف العام في مشهد إخفاق زاد من درجة الفاقد التعليمي لدى الطالب في التعليم الحكومي العام الذي يصل إلى 5 سنوات وهو أمر يتطلب التدخل على أعلى المستويات، خصوصاً أن تأخّر عودة المدارس بنحو شهر كامل مقارنة بالعام الدراسي 2019 - 2020 الذي سبق «كورونا» ليس مسألة تربوية، بل لعوائق في حقيقتها أقل من أن تعطّل عملية تعليمية، كالخدمات البسيطة المتعلقة بالصيانة والعمالة، وهي لم تكن حالة مستجدة للعام الدراسي الحالي، بل نتيجة سنوات طويلة من الإخفاق في الإدارة التربوية التي بات جلّ همّها توفير التكييف أو النظافة، وليس جودة المناهج أو تطورها، أو ارتباط مخرجات التعليم بتعليم عالٍ مرتبط بمتطلبات سوق العمل.

ولعل مسألة العودة إلى المدارس في الكويت تأتي كأقل تحديات القضية التعليمية، التي تعاني منذ سنوات عديدة عدم اتساق النتائج مع ما يُنفق سنوياً على التعليم، فالكويت تنفق سنوياً على التعليم العام - دون احتساب تكاليف التعليم العالي - 2.3 مليار دينار، أي ما يعادل 10 في المئة من إجمالي الإنفاق العام في الميزانية العامة للدولة هذا العام، وما يوازي 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بما يتجاوز ما تنفقه دول مثل سنغافورة أو ألمانيا أو كندا على التعليم، أما النتائج فتأتي - وفق مؤشرات المنتدى الاقتصادي العالمي - أسوأ حتى من الدول الفقيرة، إذ حصلت الكويت على المركز الثامن عربيا والـ 101 عالمياً فيما يخصّ جودة التعليم، وفقاً لمؤشر دافوس لجودة التعليم 2021، من بين 140 دولة، وقد تفوقت الكويت فقط على دول تشهد انهياراً في المؤسسات كالعراق وسورية واليمن وليبيا والسودان والصومال.

ومع تأكيد أن المبلغ الضخم الذي تنفقه الكويت على التعليم العام يُصرف بنحو 90 بالمئة على رواتب العاملين في وزارة التربية، وليس مثلاً على برامج التدريب والتطوير وتنمية المهارات، وغيرها من احتياجات العملية التعليمية، فإنّ هذه الأرقام تبيّن أن القطاع التعليمي في الكويت هو أكبر مثال للإنفاق المرتفع بلا عائد.

جهات متعددة

ورغم تعدّد الجهات المعنية بالتعليم في البلاد كالمجلس الأعلى للتعلیم، والمركز الوطني لتطوير التعليم، واللجنة الوطنية الكويتية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) ومركز تقويم الطفل، والتي تُشرف على نحو 700 ألف طالب منهم 450 ألفا في التعليم الحكومي العام، السواد الأغلب منهم كويتيون، فإنّ هذه الجهات مجتمعة، يُضاف إليها وزارة التربية، لم تستطع بدء العام الدراسي، وهو أدنى مطلب في العملية التعليمية، مع أنّ الحاجة ملحّة لما هو أعظم كتطوير المناهج أو استخدام التكنولوجيا بالتعليم أو تعويض الفاقد التعليمي، أو ربط مخرجات التعليم العام بتخصصات جامعية يحتاج إليها سوق العمل...

ولم تستطع هذه المؤسسات، كلها، إعادة التعليم العام الى موعده الطبيعي قبل جائحة كورونا عند بداية شهر سبتمبر، كما كان معتاداً، مما يفتح المجال للتساؤل حول جدوى ميزانية التعليم الضخمة والجهات المتعددة ذات الصلة، في ظل قيادات غير قادرة على تحويل الإنفاق المالي والمؤسسات الإدارية الى منفعة علمية.

أفضل الأسوأ

ولا يُعدّ واقع التعليم العالي «العام والخاص» أفضل من واقع التعليم العام، فالجامعات في الكويت العامة والخاصة لم تستطع أيضاً بدء عامها الدراسي في مواعيدها المعتادة قبل جائحة كورونا، مما يجعل المنافسة بين هذه الجامعات على لقب «أفضل الأسوأ»، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجودة المخرجات أو اتّساقها مع متطلبات سوق العمل أو قدرة هذه الجامعات على تقديم أبحاث علمية أو دراسات أكاديمية، وهذه مثالب تفتح الباب أيضاً للتساؤل حول جودة التعليم العالي في الكويت، ومدى فائدة الإنفاق الحكومي على الجامعات الحكومية والدعومات على الجامعات الخاصة إذا لم تكن قادرة هي الأخرى على تحقيق «الحد الأدنى» من المطلوب منها، وهو إعادة التعليم العالي إلى سابق عهده قبل الجائحة، ناهيك بما هو أعظم في تطوير العملية التعليمية.

الحد الأدنى

لا شك في أن حالة «الحد الأدنى» وعدم بلوغها أو اعتبار بلوغها إنجازاً لا يقتصر فقط على وزارة التربية والتعليم، إنّما هو أمر يكاد يشمل كل قطاعات وخدمات الدولة من طرق وسكن وخدمات صحية ورياضة واقتصاد ومالية عامة، وهي كلها ذات آثار سلبية آنية أو على المدى المتوسط، غير أن عدم بلوغ الحد الأدنى بالتعليم تحديداً له آثار سلبية بعيدة المدى، خصوصا في ظل مصاعب اقتصادية متنامية يجب ألّا تخدعنا عنها الإيرادات النفطية الوقتية الحالية، مما يستوجب أن تمتد يد «نفضة» المؤسسات في العديد من الجهات والهيئات الحكومية الى قطاع التعليم بشقيه العام والعالي، فكل محاولات إصلاح التعليم وتطويره لن تنجح في حال لم تتوافر الجدية ولا المسؤولية في التعامل مع ملف يُفترض أنه سهل ولا يحتاج إلى كثير من الجهد، كإعادة مواعيد افتتاح المدارس كسابق عهدها قبل الجائحة... وهو الأمر الذي نجحت فيه دول مجهريّة، وتعثّرت الكويت.

محمد البغلي

الجامعات العامة والخاصة تتنافس على لقب «أفضل الأسوأ» عندما يتعلق الأمر بجودة المخرجات

تأخير الدراسة يقدّم صورة سلبية بشأن كفاءة العمل الحكومي... خصوصاً في الخدمات الأساسية

جهات تربوية متعددة تُشرف على نحو 700 ألف طالب لم تستطع إعادة التعليم العام إلى موعده الطبيعي قبل «كورونا»
back to top