السيدة رئيسة الوزراء البريطانية

نشر في 08-09-2022
آخر تحديث 08-09-2022 | 00:09
في حال اختيار ليز تراس رئيسة للوزراء سيكون قد تعاقب على منصب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة وشمال أيرلندا، ومنذ نهاية سبعينيات القرن الفائت ثلاث سيدات، هن: ليزا تراس، وتيريزا ماي، ومارغريت تاتشر.
 د. محمد أمين الميداني تم في هذا الأسبوع، اختيار السيدة ليز تراس رئيسة لحزب المحافظين البريطاني خلفاً للرئيس السابق بوريس جونسون، مما يمهد لها الطريق لتصبح هذه السياسية البريطانية رئيسة جديدة لمجلس الوزراء البريطاني، وثالث سيدة بريطانية تحتل هذا المنصب في تاريخ المملكة المتحدة وشمال أيرلندا.

لقد سبقتها بترؤس مجلس الوزراء السيدة تيريزا ماي في الفترة ما بين أعوام 2016 و2019، وسبق لهذه الأخيرة أن شغلت منصب وزيرة الداخلية البريطانية، أما الرئيسة الحالية لحزب المحافظين فشغلت منصب وزير الخارجية عام 2021، وكانت تشغل منصب وزيرة شؤون المرأة والمساواة منذ 2019، وذلك قبل أن يتم اختيارها من أعضاء هذا الحزب رئيسة لحزب المحافظين بسبب ظروف خاصة استدعت أن يستقيل رئيس الوزراء السابق جونسون من منصبه كرئيس للحزب ورئيس للوزراء.

وفي حال اختيار ليز تراس رئيسة للوزراء فسيكون قد تعاقب على منصب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة وشمال أيرلندا، ومنذ نهاية سبعينيات القرن الفائت ثلاث سيدات، هن: ليزا تراس، وتيريزا ماي، ومارغريت تاتشر، ومن منا لا يذكر هذه السيدة الأخيرة؟ المرأة الحديدية التي تركت بصماتها على سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت، ففي فترة حكمها التي امتدت من عام 1979 إلى عام 1990 اعلنت بريطانيا العظمى وشمال إيرلندا الحرب على الأرجنتين نتيجة احتلال هذه الدولة في أميركا الجنوبية لجزر الفوكلاند باللغة الإسبانية أو جزر المالوين باللغة الإنكليزية، واستطاعت القوات البريطانية في خلال شهرين (أبريل- يونيو 1982) تحرير هذه الجزر التي أصرت مارغريت تاتشر على أنها تابعة للعرش البريطاني ومن أراضيه فيما وراء البحار، كما عرفت بريطانيا في فترة حكمها أطول إضراب قام به عمال مناجم الفحم امتد على مدار عامين 1984-1985، كما أنها أولت اهتمامها بالدرجة الأولى لسياسة السوق الاقتصادي على حساب الخدمات الاجتماعية، واتبعت سياسة الخصخصة للمؤسسات الحكومية الكبرى، وكانت بريطانيا في عهدها من أقوى حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في عهد رئيسها آنذاك رولاند ريغان.

والجدير بالذكر أن السينما الأميركية اهتمت بشخصية مارغريت تاتشر وطريقة حكمها وسنواته، فتم في عام 2011 إخراج فيلم يروي بعض جوانب حياتها العامة والخاصة، وبخاصة الفترة الأخيرة من حياتها بعد أن أصيبت بمرض (الزهايمر)، أدت فيه الممثلة الأميركية القديرة والموهوبة ميريل ستريب دور رئيسة الوزراء البريطانية.

ستخلف إذاً لز تراس كسيدة من سبقتها ونقصد بها تيريزا ماي كرئيسة لمجلس الوزراء البريطاني، في الوقت الذي لم تترك فيه هذه الأخيرة بصماتها الخاصة أو المتميزة على التاريخ السياسي البريطاني كحال مارغريت تاتشر.

وتبقى تجارب جيران المملكة المتحدة ضعيفة ومتواضعة من خلال تعيين سيدة رئيسة للوزراء، حيث ترأس حاليا السيدة إليزابيث بورن مجلس وزراء الحكومة الفرنسية، وجاء تعينها نتيجة لضغوط من وسائل الإعلام والمجتمع المدني الفرنسي، وبخاصة بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية وأخيرة، حيث لا يحق لمرشح فرنسي، وعملا بالمادة 6 من الدستور الفرنسي، إلا بولايتين رئاسيتين وهو في حد ذاته شرط مهم يصب في تحقيق ديموقراطية فعلية، وتناوب عملي لشغل أعلى منصب سياسي في الجمهورية الفرنسية، ولعل اختيار إليزابيث بورن شجع لاحقا على اختيار سيدة رئيسة للجمعية الوطنية الفرنسية أي البرلمان الفرنسي، في الشهر السادس الفائت.

اختار الرئيس الفرنسي سيدة لترأس مجلس وزرائه، ولا يزال في الأذهان التجربة المريرة التي عرفتها السيدة إيديت كريسون التي اختارها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران رئيسة لمجلس الوزراء في عام 1991، ولم تبق في هذا المنصب إلا عشرة أشهر و18 يوماً فقط! وكانت المرة الأولى التي يتم فيها اختيار سيدة كرئيسة للوزراء في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي تم تأسيسها عام 1958، وفي تاريخ كل الجمهوريات الفرنسية، ولكن لم تستمر هذه السيدة في منصبها إلا فترة قصيرة جدا كانت خلالها تحت ضغوط، وهدف للانتقادات، ومحل للأخذ والعطاء مما دفعها لتقديم استقالتها بعد تجربة صعبة ومريرة عاشتها، وهي تتحدث، حتى الآن، وفي كل مرة تظهر فيها على شاشة التلفزة أو تتحدث عبر الأثير، بكل أسى وحزن وأسف على ما عرفته خلال فترة حكمها، ولعل رئيسة الوزراء الحالية قد وضعت في حسبانها وتصوراتها تجربة من سبقتها لتستفيد منها ولتعرف كيف تتعامل مع مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، وبخاصة وسائل الإعلام، وهو أمر ليس سهلا البتة!

وعرفت ألمانيا الاتحادية تجربة حكم فريدة وغنية مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، وكتبنا على صفحات هذه الجريدة عدة مقالات عن هذه التجربة الوحيدة التي عرفتها مختلف الأوساط في ألمانيا، ولعلها تتكرر مجددا، ونعتقد أن الشعب الألماني سيرحب مستقبلا بمستشارة جديدة فهو يحتفظ بلا شك بذكريات جيدة عن المستشارة السابقة.

أما الحياة السياسية المضطربة في إيطاليا فلم تسمح حتى الآن باختيار سيدة رئيسة للوزراء، ولا ندري إن كانت الانتخابات التشريعية التي ستجري هذا الشهر ستسفر عن تطور جديد وظهور سيدة على الساحة السياسية الإيطالية، علما أن وسائل الإعلام الإيطالية والأوروبية تتحدث منذ فترة عن جورجيا ميلوني رئيسة حزب إيطالي يميني وظهورها على هذه الساحة منذ سنوات، وتطرح أسئلة عن حظوظها القوية بالوصول إلى منصب رئيسة الوزراء لتكون أول سابقة بالتاريخ السياسي الإيطالي!

لن نطيل بتعداد أسماء الدول الأوروبية التي تم فيها اختيار سيدة رئيسة للوزراء، ولكن يجب أن نشير بهذه المناسبة إلى رئيسة وزراء فلندا سانا نارين والتي تُعّد أصغر رئيسة وزراء في العالم، وكيف أنها خضعت منذ أسابيع لاختبارات لتثبت عدم تعاطيها المخدرات، وذلك بسبب مقطع مصور ظهرت فيه وهي ترقص في حفل مع أصدقائها، وكانت نتيجة الاختبارات سلبية، ليوضح ما حدث بأن حياة السياسي، وحتى حياته الخاصة، هي دائما تحت الأضواء ليكون على قدر الثقة التي منحها له من انتخبه بهدف خدمة مصالح دولته لا لخدمة مصالحه الشخصية أو التمتع بحياته الخاصة من دون رقيب يتابع أوضاعه وبخاصة من طرف وسائل الإعلام الحرة.

ولا بد من أن نختم بالتذكير بأن بلدا عربيا واحدا تم فيه اختيار سيدة لتشغل منصب رئيس وزراء ونقصد به الجمهورية التونسية، حيث تم تعيين السيدة نجلاء بودن كأول امرأة تتولى هذا المنصب في بلد عربي، ولعل هذه التجربة تتكرر في بلدان عربية أخرى علما بأن عدة بلدان إسلامية أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي- وكل البلدان العربية أعضاء في هذه المنظمة- اختارت في تاريخها السياسي المعاصر، وفي أوقات مختلفة، سيدة لمنصب رئيس وزراء، نذكر منها: إندونيسيا، وباكستان، وبنغلادش، وتركيا.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

وليد عبد. محمد أمين الميداني

back to top