قطاع التعدين في روسيا يعاني في زمن الحرب

نشر في 07-09-2022
آخر تحديث 07-09-2022 | 00:00
 ريدل بعد مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ صانعو السياسة الروسية يفهمون أخيراً حجم الأزمة الاقتصادية التي يتعاملون معها، وأدى خليط من انخفاض أسعار النفط، وزيادة قوة الروبل، وتراجع العائدات الضريبية من الاستهلاك، إلى نشوء عجز في الميزانية بقيمة 900 مليار روبل في شهر يوليو وحده.

في غضون ذلك، تجازف أي زيادة كبيرة في مخاطر الإنفاق بتفاقم التضخم بسبب مجموعة من الشوائب، منها صعوبة الوصول إلى واردات موازية بسبب القيود الخارجية والعقوبات الذاتية وخسارة العمالة المهاجرة من آسيا الوسطى، ولهذه الأسباب، أصبح الاقتصاد في المراحل الأولى من دوامة سلبية، حيث يؤدي تراجع العائدات إلى انخفاض الإنفاق الفدرالي، مما يعني كبح الاستثمارات وفرص العمل والمداخيل في المرحلة اللاحقة، وفي هذا السياق، يطرح قطاع التعدين المتعثر في روسيا لمحة مفيدة عن الأحداث المرتقبة في جميع مجالات الاقتصاد.

يؤثر تراجع الطلب المحلي على المعادن مقابل ارتفاع كلفة الإنتاج على عمال المناجم الذين يتعاملون أصلاً مع تداعيات العقوبات المستمرة، ويبيع المنتجون الفحم إلى شركات المعادن ومحطات توليد الطاقة بالفحم مقابل مبالغ بعملة الروبل، لكنهم يُصدّرون الفحم إلى الأسواق الخارجية مقابل عملات أجنبية، ويشهد إنتاج الفحم الروسي في الوقت الراهن انكماشاً واضحاً بعدما بدأ حظر الاستيراد إلى الاتحاد الأوروبي يعطي مفعوله أخيراً.

يطرح بنك روسيا المنطق الكامن وراء تجديد استقرار قطاع التعدين بحلول عام 2025، ومن المتوقع أن يصل الاقتصاد الكلي إلى أدنى مستوياته في عام 2024 قبل أن يتجدد نموه، لكن لا تتماشى توقعات البنك مع هذه الوجهة، كما تبذل وزارة المالية قصارى جهدها لمنع زيادة العجز في الميزانية، وقد تنتج محاولات استعمال الحوافز المالية لتحقيق النمو تضخماً كبيراً بسبب خليطٍ من قيود التصدير، والعقوبات الذاتية، والتدابير المالية التي تؤثر على استعمال الدولار الأميركي واليورو للاستيراد، فضلاً عن تداعيات بطيئة أخرى تنجم عن تراجع اليد العاملة وضعف الحوافز التي تُشجّع العمال المهاجرين على الانتقال إلى روسيا.

تتراجع العائدات حين ينخفض الطلب، وعندما تنخفض العائدات، تزيد الضغوط لكبح زيادة الإنفاق، وتنتج هذه الدورة اختلالات طويلة الأمد، فيضطر الاقتصاد في هذه الحالة لتحديد «سقفه» طوال الوقت، وقد يكون تحديد هذا السقف بحلول عام 2024 توقعاً تفاؤلياً أكثر من اللزوم، فهو يعكس زيادة ضغوط الكرملين على التكنوقراطيين لدفعهم إلى ترسيخ شكلٍ من الاستقرار الاقتصادي خلال ثلاث سنوات، وفي المرحلة اللاحقة، لا مفر من أن يستفيد ذلك الخلل من الطلب على المعادن ومجموعة من الإمدادات المهمة فيما يحاول كل قطاع التكيف مع الظروف المستجدة، وتجدر الإشارة إلى أن معظم صادرات المعادن في روسيا تُباع بأسعار مُخفّضة.

سبق أن منع الاتحاد الأوروبي استيراد الفولاذ والألمنيوم من روسيا، فكبح بذلك خطط الاستثمار السابقة من جانب شركات التعدين الروسية الكبرى التي أرادت تخفيض قوة انبعاثاتها قبل أن يُصدِر الاتحاد الأوروبي «آلية تعديل حدود الكربون» المرتقبة، حتى لو أوقفت تلك الشركات عمليات البيع إلى الأسواق الأوروبية، فمن المتوقع أن تطرح عملية إزالة الكربون مشكلة على قدرتها التنافسية خلال السنوات المقبلة، وبغض النظر عن السيناريو المتوقع للاقتصاد الروسي حتى عام 2025، يصعب أن تحصل شركات التعدين على حوافز كافية لضخ رساميل كبرى وبذل هذا النوع من الجهود في ظل تصاعد التكاليف وغياب الواردات الموازية التي تسمح بتلبية حاجات الاقتصاد.

لكن لا تعكس التوقعات الراهنة حقيقة الخسائر الاقتصادية المرتقبة بسبب هذه الاختلالات كلها، سواء كانت تتعلق بالميزانية أو تتأثر بتباطؤ النمو العالمي، فباختصار، لم تبدأ أسوأ مرحلة بعد.

* نيك تريكيت

ridl

back to top