فرصة أخيرة للولايات المتحدة وإيران

نشر في 02-09-2022
آخر تحديث 02-09-2022 | 00:05
جانب من الحوار بشأن الاتفاق النووي في فيينا بين الأوروبيين وطهران أواخر أغسطس الماضي
جانب من الحوار بشأن الاتفاق النووي في فيينا بين الأوروبيين وطهران أواخر أغسطس الماضي
قد ينشأ الاتفاق الإيراني الجديد في سياق استراتيجي يضمن تقليص مدته بدلاً من إطالتها، ومع ذلك يستطيع الطرفان أن يتخذا خطوات فاعلة لمعالجة هذه المخاوف وإعطاء طابع مستدام للخطة المتفق عليها وإلا فقد يُمهّد هذا الاتفاق، رغم أهميته التاريخية، لأزمة أكثر خطورة.
في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا، توشك الجهود الدبلوماسية على إعطاء ثمارها في فيينا، فرغم جميع التوقعات السلبية، يتوق المفاوضون إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني وكبح المسارات التي تسمح لإيران باكتساب سلاح نووي: إنه جزء من المصالح الأميركية الحيوية، فوفق معلومات مسؤولين مطّلعين على مسودة الاتفاق المتداول في أوروبا وطهران خلال الجزء الأخير من أغسطس، من المتوقع أن تتخلى إيران مجدداً عن مخزون اليورانيوم المُخصّب، باستثناء الكمية التي كانت قد خصّبتها بمستويات منخفضة (300 كيلوغرام)، كذلك ستوقف إيران جميع عمليات التخصيب فوق مستوى 3.67 في المئة، وتُعطّل آلاف أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وسيخسر البلد أي مسار لتصنيع سلاح نووي قائم على البلوتونيوم، والأهم من ذلك على الأرجح هو خضوع البرنامج النووي الإيراني مجدداً لعمليات التفتيش المكثفة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

قد يصبح هذا الاتفاق، في حال إقراره رسمياً، إنجازاً مهماً للأمن القومي الأميركي والاستقرار في الشرق الأوسط، وبدل التعامل مع إيران التي تقترب من تصنيع قنبلة، ستتمكن الولايات المتحدة من احتواء البرنامج النووي الإيراني طوال سنتين على الأقل. لقد أثبت انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق الأصلي المبرم في عام 2015 أن الولايات المتحدة تستفيد من تفعيل الاتفاق أكثر من إلغائه، لكن تنذر الظروف الراهنة بأن مسار تجديد «خطة العمل الشاملة المشتركة» سيكون هشاً في أفضل الأحوال.

قد يعتبر النقاد الاتفاق الجديد أقصر وأضعف مما كان عليه، وقد يكون رأيهم مبرراً من ناحية معينة، وستتراوح مدة الاختراق النووي الإيراني (أي الفترة التي تحتاج إليها طهران لجمع المواد اللازمة لتصنيع قنبلة نووية) بين ستة وتسعة أشهر بدل المدة الأصلية التي امتدت على 12 شهراً، لكن على مستوى منع الانتشار النووي، تبقى مدة الأشهر الستة أفضل بكثير من قدرات الاختراق الإيرانية الراهنة التي تقتصر على أيام معدودة. كانت النسخة الأصلية من «خطة العمل الشاملة المشتركة» تفرض قيوداً على برنامج إيران النووي لمدة تصل إلى عشرين سنة، لكنّ الاتفاق المتجدد قد لا يتجاوز مدة بقاء الديموقراطيين في البيت الأبيض، لأن كبار القادة الجمهوريين سبق أن التزموا علناً بإلغاء الاتفاق إذا فاز مرشّح جمهوري بالرئاسة في عام 2024.

لكن تبقى النسخة الجديدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» أكثر هشاشة لأسباب غير مرتبطة ببنود الاتفاق، لقد تعمّقت مشاعر انعدام الثقة بقدرة واشنطن على الالتزام بالاتفاقيات الدولية، داخل طهران وفي عواصم أخرى حول العالم، كذلك لا يملك القادة السياسيون الحاليون في الولايات المتحدة وإيران دوافع محلية كثيرة لتجاوز هذه العداوة المشتركة. نتيجةً لذلك، قد ينشأ الاتفاق الإيراني الجديد في سياق استراتيجي يضمن تقليص مدته بدل إطالتها، ومع ذلك يستطيع الطرفان أن يتخذا خطوات فاعلة لمعالجة هذه المخاوف وإعطاء طابع مستدام للخطة المتفق عليها وإلا قد يُمهّد هذا الاتفاق، رغم أهميته التاريخية، لأزمة أكثر خطورة.

بالنسبة إلى إيران، تتعلق واحدة من أسهل الخطوات الرامية إلى تقوية موقفها بالدبلوماسية المباشرة، فبعد تجديد «خطة العمل الشاملة المشتركة» ورفع العقوبات، لن يكون رفض طهران إقامة حوار مباشر مع واشنطن مبرراً، كذلك يُفترض ألا تنحصر المحادثات الأميركية الإيرانية بنقاشات حول الاتفاق النووي بين المعبوث الأميركي الخاص إلى إيران، روب مالي، ونظيره الإيراني، علي باقري كاني، بل يجب أن يصبح الحوار بين البلدين طبيعياً قدر الإمكان عبر إطلاق تواصل مباشر بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبين مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان، والأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني. لم يستفد أي بلد من غياب الحوار طوال عقود، ولا يمكن تحسين الثقة بين الطرفين عبر التعامل مع الملف النووي من منظور ضيق وبسيط.

من خلال إعادة فتح القنوات الدبلوماسية، يستطيع الطرفان أن يُخفّضا تكاليف بدء المحادثات على الحكومات والإدارات المستقبلية، ولا يضمن هذا الوضع عدم انسحاب الإدارة الأميركية التي يقودها الحزب الجمهوري من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لكن قد يسهم التواصل المباشر بين الطرفَين في إقناع أي رئيس جمهوري مستقبلي بأهمية الالتزام بالاتفاق، حيث تتعلق المشكلة الحقيقية بالجانب الإيراني، لكن ربما أدركت طهران تداعيات رفض الحوار مع واشنطن.

لتقوية هذا الاتفاق، تقضي طريقة أخرى بزيادة الطموحات المنتظرة منه، فقد كانت الأشهر القليلة الماضية من المفاوضات معقدة لأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لم تكن واسعة بما يكفي لتقديم تنازلات سياسية مؤثرة، ولم تكن ضيقة بما يكفي لتبديد مخاطرها المحتملة. لهذا السبب، من المبرر أن تحاول إدارة بايدن توسيع نطاق الاتفاق: يصعب تبرير التعديلات اللازمة لجعل الاتفاق مستداماً من دون توسيع نطاقه.

لم تناقش النسخة المتجددة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» مختلف الضمانات التي تسعى إليها إيران لمنع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مجدداً، لكن يمكن التطرق إلى هذه المسألة خلال المحادثات اللاحقة، فقد شملت النسخة الأصلية من الاتفاق هذا النوع من الضمانات، لكنها لم تنطبق إلا على إيران، لذا يُفترض أن يضمن الاتفاق المتوسّع فرض تكاليف متكافئة على جميع الأفرقاء عند انتهاك البنود المتفق عليها، وفي النهاية، لا تستطيع واشنطن أن تعتبر نفسها ضامنة للنظام الدولي المبني على قواعد محددة وتُصِرّ في الوقت نفسه على عجزها عن دعم الاتفاقيات لأكثر من دورة سياسية واحدة.

لضمان التزام أميركي مستدام، تقضي أفضل طريقة بإطلاق تبادلات تجارية مباشرة بين واشنطن وطهران. لم ترفع «خطة العمل الشاملة المشتركة» العقوبات الأميركية إلا عن دول ثالثة، ولم تسمح بأي عمليات تجارية بين الولايات المتحدة وإيران. يمكن التفاوض حول فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني لفترة أطول مقابل رفع العقوبات الأميركية الأولية. تسمح هذه الخطوة بانفتاح الاقتصاد الإيراني على الشركات الأميركية وتُحقق هدفاً عجزت النسخة الأصلية من الاتفاق عن بلوغه: نشوء قاعدة قوية من الناخبين في الولايات المتحدة لرفض تكرار الحماقة التي ارتكبها ترامب مستقبلاً. من المتوقع أن يرفض المتشددون في طهران هذه الخطوة، لكن أثبتت تجربة إيران مع «خطة العمل الشاملة المشتركة» أن الاتكال على تخفيف العقوبات الثانوية نهج عقيم، فحين كانت الشركات الأميركية غائبة عن السوق الإيراني، بقيت الآثار الاقتصادية للانسحاب من الاتفاق ضئيلة أو معدومة في الاقتصاد الأميركي.

تتعلق خطوة أساسية أخرى بحلفاء واشنطن في أوروبا، فقد كان دور الدبلوماسيين الأوروبيين محورياً في إعادة تشكيل الاتفاق النووي، فأدوا دور الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، فالحكومات الأوروبية تستطيع إذاً أن تضطلع بدور مهم بالقدر نفسه للحفاظ على الاتفاق عبر ضم إيران إلى سياستها الأمنية على المدى الطويل. في الوقت الراهن، لا تعطي طهران أهمية كبرى لوعود الاتحاد الأوروبي لأن أوروبا تخلّت سريعاً عن تبادلاتها التجارية مع إيران بعدما أعاد ترامب فرض العقوبات، لكن المفاوضين الأوروبيين يُصِرون على تغيّر حساباتهم الجيوسياسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا: قد تسهم إيران في إبعاد أوروبا عن إمدادات الغاز الروسية بشكلٍ دائم، ولا يستطيع أي رئيس أميركي جمهوري أن يجبر أوروبا على العودة إلى إمدادات الطاقة الروسية، لكن بغض النظر عن صحة هذا التقييم، من المتوقع أن تتحسن فرص إطالة مدة النسخة الجديدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» بعد إقامة علاقات استراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وإيران في قطاع الطاقة، تزامناً مع زيادة تأثير أوروبا على طهران وتوسيع دورها في الاتفاق النووي.

لكن يتعلق عائق آخر أمام عقد اتفاق مستدام بإصرار واشنطن على بيع الأسلحة إلى حلفائها في الشرق الأوسط لاسترجاع نفوذها في المنطقة، ولا يمكن أن تتوقع الولايات المتحدة استمرار أي اتفاق للحد من التسلح مع إيران إذا كانت تسعى في الوقت نفسه لتحويل «اتفاقيات أبراهام» إلى تحالف عسكري ضد إيران وتُقدّم أنظمة تسلّح أكثر تطوراً إلى خصوم طهران الإقليميين. لا مفر من أن تحاول إيران التحايل على الاتفاق وتسعى إلى اكتساب نظام ردع نووي إذا تأججت الانقسامات الإقليمية وزادت الشكوك الإيرانية بنوايا الدول المجاورة لها.

يمكن اللجوء إلى حل آخر، فقد أطلقت القوى الإقليمية في السنوات الأخيرة جهودها الدبلوماسية الخاصة لمنع تصعيد الوضع، وقد زادت سهولة هذه الحملة بفضل الحكومة العراقية خلال «حوار بغداد»، كذلك، عقدت طهران والرياض جولات عدة من المحادثات تمهيداً لفرض هدنة وإخماد الحرب في اليمن، فمن خلال دعم هذه العملية وتشجيع الجهود الإقليمية على حل خلافات المنطقة، تستطيع الولايات المتحدة أن تُرسّخ التزام طهران بالاتفاق النووي الجديد، وإذا نجحت هذه المبادرات، فقد تنشأ مقاومة إقليمية معينة ضد أي انسحاب أميركي آخر من الاتفاق، وسيكون هذا الوضع كفيلاً بتغيير الظروف التي شهدها العامان 2017 و2018.

ومن المتوقع أن يُقابَل جزء كبير من هذه الخطوات بالرفض في واشنطن أو طهران أو البلدَين معاً، لكن يصعب أن تدوم النسخة الجديدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» من دون اتخاذ تلك الخطوات، فقد كان الصمود رغم الانسحاب الأميركي أشبه بمعجزة، لكن سيكون تجاوز أي انسحاب آخر من هذا النوع شبه مستحيل.

* تريتا بارسي

Foreign Affairs

في حال إقرار الاتفاق رسمياً قد يصبح إنجازاً مهماً للأمن القومي الأميركي والاستقرار في الشرق الأوسط

لا مفر من محاولة إيران التحايل على الاتفاق والسعي إلى اكتساب نظام ردع نووي إذا تأججت الانقسامات الإقليمية

التواصل المباشر بين الطرفَين قد يساهم في إقناع أي رئيس جمهوري مستقبلي بأهمية الالتزام بالاتفاق
back to top