التكامل الأوروبي في عالم مفكك

نشر في 28-08-2022
آخر تحديث 28-08-2022 | 00:00
على الاتحاد الأوروبي السعي إلى تحقيق مصالحه الاستراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار الطموحات والآفاق الأوروبية لجميع دول الجوار القريبة منه.
 بروجيكت سنديكيت إن الاستقرار العالمي هو من الأصول الهشة كما أظهرت مؤخراً الحرب في أوكرانيا والتوترات المتصاعدة حول تايوان، وفي عالم يدمّر نفسه فإن على الاتحاد الأوروبي أن يجعل الثقة بالمشروع الأوروبي على قمة أولوياته الاستراتيجية علماً أنه في سياق طموحات عضوية الاتحاد الأوروبي التي لم تتحقق، فإن من الممكن أن تستغل القوى الأخرى إحباط المواطنين، كما نرى الآن في منطقة غرب البلقان، حيث تسعى روسيا لإعادة التأكيد على نفوذها، ويجب على الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى أن يُظهر أنه شريك مفيد ويمكن التعويل عليه لجميع الدول الأوروبية وبغض النظر عن علاقتها الرسمية مع الاتحاد الأوروبي.

تشهد أوروبا حالياً فترة من المفارقات، حيث على الرغم من تعاقب الاضطرابات الشديدة فقد شهد التكامل الأوروبي مؤخراً تسارعاً تاريخياً، ومنذ أن ضربت الجائحة أوروبا قبل عامين ونصف سعت جميع قرارات الاتحاد الأوروبي عملياً الى تعزيز التكامل السياسي للدول الأعضاء.

وإن نجاح التكامل الأوروبي تاريخياً قد خلق فرصة وتحديا فيما يتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي من أجل ضم أعضاء جدد، ويجب على الاتحاد الأوروبي الاستمرار في التكامل علماً أن مهمته تمتد إلى كامل القارة الأوروبية، ولكن حتى يضمن استمراريته، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعرض على المرشحين للعضوية أشكالا جديدة من المشاركة تساعد في تعزيز الشعور بالانتماء إلى المشروع الأوروبي.

وفي واقع الأمر فإن التكامل السياسي الداخلي للاتحاد الأوروبي وتوسيعه ليشمل دولاً أوروبية أخرى هما تاريخياً عمليتان لا يمكن فصلهما عن بعضهما، وفي كلمة في بداية هذا القرن في جامعة هومبولت في برلين شرح وزير الخارجية ونائب المستشار الألماني آنذاك يوشكا فيشر الأهمية التاريخية للتكامل الأوروبي وصعوبته، حيث أشار الى «أن الحاجة الى تنظيم هاتين العمليتين (التكامل السياسي للاتحاد الأوروبي وتوسعته) بشكل متواز هي بلا شك أكبر تحد يواجه الاتحاد الأوروبي منذ نشأته، ولكن لا يوجد جيل يستطيع اختيار التحديات التي يفرضها التاريخ».

لن يتراجع الاتحاد الأوروبي على الإطلاق عن التزامه طويل الأمد بتوسيع مشروع التكامل الخاص به ليشمل البلدان التي تظهر رغبة واضحة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لقد تم منح أوكرانيا ومولدوفا اللتين دُفعتا للتوجه نحو الاتحاد الأوروبي بسبب حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي لا معنى لها، وضعية المرشح في يونيو، كما أن قرار الاتحاد الأوروبي الأخير للبدء بالمفاوضات الرسمية لمرحلة ما قبل الانضمام بالنسبة إلى ألبانيا ومقدونيا الشمالية قد تؤدي إلى دينامية إيجابية تعزز من علاقات دول غرب البلقان مع المؤسسات الأوروبية.

إن أوكرانيا هي جزء من أوروبا، حيث أظهر مواطنوها مراراً وتكراراً رغبتهم القوية في أن يصبحوا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ولو أوفت أوكرانيا بمتطلبات دخول هذا التكتل، فلا يوجد أي سبب يمنع من انضمامها، وحتى يتم تسهيل عملية ادماج أوكرانيا، فإن على الاتحاد الأوروبي المساعدة في عملية إعادة البناء العملية والسياسية من ويلات حرب بوتين، حيث يقدّر الباحثون في كلية كييف للاقتصاد أن إعادة بناء البنية التحتية الفعلية لأوكرانيا فقط سيكلّف على الأقل 100 مليار دولار أميركي، حيث من الواضح ان إعادة البناء يجب أن تكون ضمن جهد جماعي.

أما اليوم ومع وجود حرب على حدود الاتحاد الأوروبي فإن كل الخيارات لتعميق التكامل السياسي لأوروبا- لا توسعة الاتحاد فقط- يجب أن تكون مطروحة على الطاولة، لقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سبيل المثال «مجتمع سياسي أوروبي»، ولكن بغض النظر عن اسم الهيكل الجديد، يجب أن يخلق مثل هذا الهيكل فرص للتعاون مع الاتحاد الأوروبي مما يجعل التكامل حقيقة ملموسة للدول المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي.

وإن تحقيق ذلك سيتطلب من الاتحاد الأوروبي تعزيز التعاون مع الدول المرشحة للانضمام إليه، وفي حين يتيح النهج الثنائي الحالي للاتحاد فيما يتعلق بالمرشحين للانضمام اليه إجراء تقييم منفصل لآفاق عضوية كل دولة، فإنه يخاطر أيضا بتحويل عملية توسيع الاتحاد إلى عملية تنافسية في الغالب.

وعليه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعرض على الدول من غير الأعضاء نموذجاً إقليمياً طموحاً وواقعياً للتكامل، فالوعود بالعضوية الحتمية والمفاوضات الطويلة التي تسبقها ستضر بالاتحاد لو أدت الى إصابة حكومات وشعوب الدول المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي بالإحباط.

لقد اضطرت مقدونيا الشمالية على سبيل المثال للانتظار فترة طويلة جداً- 17 سنة- بين منحها وضعية المرشح وتلقي الضوء الأخضر لبدء مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وإن الإقرار بإمكانية وجود صيغ أخرى إلى جانب توسيع الاتحاد من أجل تحقيق التكامل ضمن القارة الأوروبية لا يعني أن هذه السياسة لم تنجح، فبدون توسيع الاتحاد الأوروبي في عام 2004 ليشمل أوروبا الشرقية، لما كان ذلك التكتل هو القوة التجارية والتنظيمية التي نراها اليوم، لقد جعلت عمليات التوسيع المتتالية الاتحاد الأوروبي واحداً من أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يمثل نحو 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (من حيث تعادل القوة الشرائية).

ولكن في الحالات التي يكون فيها توسيع الاتحاد الأوروبي من أجل توسيع منطقة الاستقرار الأوروبي غير ممكنة لأسباب جغرافية أو سياسية، كان السؤال الأساسي لصانعي السياسة الأوروبيين هو: ما الأدوات البديلة التي يمكنهم استخدامها، فمنذ أن أسس مستشار ألمانيا الغربية ويلي برانت سياسة الانفتاح على الشرق كأساس للتقارب بين الغرب والكتلة السوفياتية في أواخر الستينيات، كان إنشاء روابط من الاعتماد الاقتصادي المتبادل هو الحل الرئيس.

لكن مثل هذه الاستراتيجية تفترض مسبقا وجود لاعبين يتمتعون بروح المسؤولية من المنظور الجيوسياسي، والدرس الرئيسي من حرب أوكرانيا هو أن روسيا حالياً ليست لاعبا يتمتع بروح المسؤولية، ومن الواضح أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل لا يسهم في الاستقرار إذا نتج عنه تبعيات غير متكافئة تترك أحد الأطراف عرضة للخطر في أوقات الصراع. وسيتعين على أوروبا التوقف عن الشعور بالضعف كما يجب أن يتغير الكثير في الكرملين قبل أن ينظر الاتحاد الأوروبي في أي علاقة مستقبلية مع روسيا.

فالنجاح الذي لا يمكن إنكاره للاتحاد الأوروبي في الدفع قُدماً بالتكامل الإقليمي لا يعني أن هذا التكامل قد أصبح مشروعاً مكتملاً، أو أن له نهاية محددة سلفاً، ولكن يجب على الأوروبيين البقاء على هذا المسار نفسه، وهذا يعني اليوم أن على الاتحاد الأوروبي السعي إلى تحقيق مصالحه الاستراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار الطموحات والآفاق الأوروبية لجميع دول الجوار القريبة منه.

* خافيير سولانا الممثل الأعلى السابق للسياسة الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، وأمين عام حلف الناتو ووزير خارجية إسبانيا، وهو يعمل حاليا رئيساً لمركز إيسادجيو للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية، وزميل متميز في معهد بروكنغز.

Project Syndicate

نجاح التكامل الأوروبي تاريخياً خلق فرصة وتحدياً لتوسيع الاتحاد الأوروبي بضم أعضاء جدد

يجب أن يتغير الكثير بالكرملين قبل أن ينظر الاتحاد الأوروبي في أي علاقة مستقبلية مع روسيا
back to top