منزلة الصحابة
الصحابة رضوان الله عليهم صفوة الأمة وخيرهم وأبرها قلوبا وأقومها هديا وأعمقها علما وكلهم عدول، والدفاع عنهم دفاع عن الرسول فهم بطانته وخاصته، ورَد فضلهم وشريف منزلتهم في قوله تعالى «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».وحبهم من الدين ودليل صدق الإيمان وبغضهم كفر ونفاق، وتواترت الأحاديث على وجوب محبتهم وعدم سبهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».والصحابة لم يبلغوا هذه المنزلة الرفيعة لسابقة إسلامهم أو لعظيم أعمالهم من جهاد وإنفاق في سبيل الله بصدر الدعوة فقط، بل تكمن عظمتهم في تحقيقهم عالمية الإسلام كما أراد الله عز وجل، وقد مات عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإسلام لمّا يتجاوز شبه جزيرة العرب، فحملوا على عاتقهم ألوية الجهاد ضد صناديد الشرك فضربوا في ربوع الدنيا شرقا وغربا إعلاء لكلمة الإسلام حتى بلغ تابعوهم – الذين شربوا جميعاً من الري المحمدي - الأطلنطي والهندي والهادي ودحروا إمبراطوريتي الفرس والروم.بيد أن أعداء الدين لم يدخروا جهدا في الكيد للإسلام بإثارة المذهبية الطائفية تارة وبإثارة اللغط حول بعض الصحابة تارة أخرى، فقاموا بتجنيد بعض الأقلام المأجورة والأبواق الإعلامية الممنهجة على الخوض بالحديث في سيرتهم، وهم أشرف الخلق بعد الأنبياء والرسل، والمتأمل العاقل يراه حديثا خبيثا لا طائل منه إلا في صرف العقول عن جوهر الإيمان والعقيدة وجرها - عن عمد - إلى قضايا جدلية طويلة الأمد بين مد وجزر، سبق أن حسمها الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز برد قاطع: «تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا». فتوريث الناس لهذا الخلاف على الصحابة وإشعاله أمر خطير، فإن لم يكن للحديث في التاريخ الإسلامي بد فهناك ما يمكن أن تكون دراسته نافعة بأن نستدعي القائد البطل صلاح الدين الأيوبي وكيف صنع الإسلام هذا الرجل الكردي، وهو ليس من العرب، نقتفي سيرته ومناقبه، وكيف حث المسلمين واستعان بالعلماء في شحذ الهمم وتزكية الإيمان لرد الغارة الصليبية الأولى، واستعادة القدس في موقعة حطين سنة 583 هجرية، ومن فرط أمانته مات وكفن من بيت المال.هذا حديث أجدر بالتدبر والعظة، فهذا القدس والأقصى تحت وطأة اليهود والأقليات المسلمة من الإيغور في الصين والروهينغا في بورما يحرقون أحياء، بينما بعض علماء المسلمين مشغولون بفتاوى تقبيل الرجل يد زوجته في نهار رمضان، وصوت المرأة عورة أم لا، والإرهاصات حول فرضية الحجاب التي عقدوا لها مناظرات وحلقات غايتها التلبيس في أمر من مسلمات الإيمان.لن يرحم التاريخ هؤلاء الصامتين المجللين بالخنوع والعار، وقبح الله هؤلاء المنظرين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم.