الطرب عند قدماء العرب

نشر في 23-08-2022
آخر تحديث 23-08-2022 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم عرف العرب، منذ القدم، ألواناً متنوعة من الغناء والطرب، فقد كانوا يرقّصون أطفالهم بما يجعل الطفل يتحرّك بكل جسده مع الأصوات المنغمة التي يصدرونها لهم، كذلك كانوا يختارون أنغاماً شجية تتواءم مع كلمات فراق عزيزٍ عليهم بالموت، فنعي الموتى ضربٌ من الغناء الحزين، ولهم أغانيهم الخاصة التي تبعث فيهم الحماسة للقتال في الحروب.

والعرب أيضاً يحدون قوافل إبلهم بأنغامٍ تستجيب لها الإبل، وفي عصور عرب ما قبل الإسلام كانت مراكز حضارات الشام، والعراق، وفارس، والروم، تبعث بالإماء المغنيات إلى المدن العربية المنتشرة في الجزيرة العربية، وهذا ما نجده في أبياتٍ للنابغة الذبياني حينما يخاطب النعمان أن يهبه الإماء إلى جانب الإبل:

الواهبُ المئة المكعاء زيَّنَها

سعدانُ توضِحَ في أوبارها اللّبَدِ

والراكضات ذيول الريط فانقها

بردُ الهواجر كالغزلان بالجردِ

***

وقد تناول تاريخ الحجاز ظاهرة الطرب والغناء في عصورهِ المختلفة، فكُتب عن بعض المغنين والمغنيات كابن سُريح، وسائب، وخاثر، وجميلة، ومعبِد، وغيرهم، والواضح أنهم كانوا يتغنون بأشعارٍ موروثة من أزمنةٍ عربيةٍ موغلة في القِدم، وكان الغناء في أمسيات الحجاز تشارك فيه النساء الرجال، وكانوا يستخدمون بعض الآلات الموسيقية في احتفالاتهم، لأنهم كانوا مُحاطين باليهود والنصارى، وكان معروفاً عن العبران استعمالهم الموسيقى في معابدهم.

***

ويرى بعض الباحثين في تاريخ العرب، أنّه بعد أن تدفق الرخاء في كبريات عواصم العرب، كان الغناء وسيلتهم التي يمضون فيها أمسياتهم بالقصور التي شيّدوها في مختلف البلدان التي يحكمونها.

وقد أشار ابن خلدون، في مقدّمته، إلى عوامل الاستقرار التي عمّت حياة العرب، فقال:

«وإذا ذكرنا معنى الغناء، فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حدّ الضروري إلى الخارجي إلى الكمالي، وتفننوا فيه، فلم يكن الملذوذ عندهم إلّا ترجيع القراءة والترنّم بالشعر الذي كان ديدنهم ومذهبهم».

***

• ما كان يقصده ابن خلدون هو ظهور الشعراء إلى جانب المغنين، وخاصةً الشاعر عمر بن أبي ربيعة الذي تزعّم لواء القصيدة المغنّاة، والتي كانت تصاحبها آلات العيدان والطنابير والمعازف الأخرى كالمزامير والدفوف، وكانت الأغاني في ذلك الوقت تصوّر طبيعة الحياة التي تعيشها الأرستقراطية الحجازية المترفة التي ازدهرت فيها أشعار ابن أبي ربيعة، والأحوص، والعرجي، ويزيد بن الطثرية، وكُثيّر عزة، وأبو دهبل الجمحي، فهؤلاء كانت قصائدهم تُلحّن وتُغنى بأصوات المطربين والمطربات.

***

* والذي لا شك فيه أن الذي وصلنا عن تاريخ القصور قد اقتصر على أسماء بعض مشاهير الطرب؛ كالموصلي وزرياب وسواهما، لكن لو أن المجال يتّسع لذكرت لكم العشرات، بل المئات من المطربين والمطربات في المشرق، والمغرب، والأندلس... فأرجو منكم المعذرة.

د.نجم عبدالكريم

back to top